"لنرفع إلى الله صلاتنا صابرين على أهوال الحياة، والمظالم والاضطهادات بشفاعة الطوباويّ الدويهي": البطريرك الراعي
إحتفل البطريرك الراعي بقدّاس الشكر على تطويب البطريرك الدويهي، في الرابع من آب/أغسطس 2024 وبعد الإنجيل ألقى كلمة حول الإنجيل ومن وحي المناسبة يا سمعان بن يونا أتحبّني أكثر من هؤلاء؟ إرعَ خرافي" (يو 21: 15) .
قال البطريرك الراعي: "الشكر لله على إظهاره قداسة الطوباويّ البطريرك مار إسطفان الدويهي ابن هذه المدينة، وقد أعلن باسمه أمس كتابةً اسم البطريرك إسطفان في سجلّ الطوباويّين في السماء، وتحديد يوم عيده الثالث من أيّار/مايو، يوم ميلاده في السماء.
ولهذه المناسبة أقدّم أطيب التهاني لرعيّتي إهدن-زغرتا، ولآل الدويهي الكرام، ولمؤسّسة البطريرك الدويهي البطريركيّة، ولجميع الذين سخوا وتفانوا في سبيل نجاح دعوى التطويب والاحتفال في الكرسيّ البطريركيّ في بكركي، فليكافئكم الله بفيض الخير والبركات بنعمة الطوباويّ الجديد البطريرك مار إسطفان الدويهي وشفاعته".
ثمّ تناول الراعي الآية "يا سمعان بن يونا أتحبّني أكثر من هؤلاء؟ إرعَ خرافي"(يو 21: 15)، قال: "هذا السؤال كان يتردّد صداه في قلب إسطفان الدويهي إكليريكيًّا وكاهنًا وأسقفًا وبطريركًا، وكان جوابه دائمًا: "نعم يا ربّ، أنت تعلم أنّي أحبّك". كان جوابه هو هو، لم يتغيّر أبدًا، ولم يضعف مع الأيّام، ولم يفتر في الصعوبات ولم يتراجع، وكان مدركًا تمامًا أنّ دعوته، من خلال سؤال يسوع المثّلث، أن يحمل محبّة المسيح للنفوس التي اقتناها بدمه، وأنّ محبّته تمرّ عبر قلبه وعقله وفكره وكلّ قواه.
في سنيّ حياته البطريركيّة الأربع والثلاثين، المثقلة بالمصاعب والاعتداءات والرفض من الداخل والخارج، كان مدركًا أن البطريركيّة هي حمل الصليب وراء يسوع، كما فهمها من آخر كلمة قالها الربّ لسمعان-بطرس: "إتبعني" (يو 21: 19). فتبع بطرس الربّ حتّى الصلب سنة 67 على يد الإمبراطور الرومانيّ نيرون، وصار دمه بذار المسيحيّين، وقد تحوّلت روما شيئًا فشيئًا من عاصمة الإمبراطوريّة الرومانيّة الوثنيّة إلى عاصمة الكثلكة".
تابع البطريرك الراعي: "في خريف 1670 اضطرّ البطريرك الدويهي أن يغادر قنّوبين للمرّة الأولى إلى كسروان، هربًا من الحكّام الحماديّين فرمّم دير مار شلّيطا مقبس وجعله مقرًّا بطريركيًّا. كان يقوم بزيارة الرعايا مثابرًا على الوعظ والتأليف والتنقيب والبحث في التواريخ والكتب الكنسيّة. وفي آب 1683 انتقل من مار شلّيطا مقبس إلى دير مار مارون في مجدل المعوش طالبًا حماية الأمير أحمد المعنيّ حاكم الشوف، وذلك على إثر الخلاف الحاصل مع مشايخ كسروان. فكان في رعايا الشوف معلّمًا ومدبّرًا ومقدّسًا وباحثًا. ورمّم كنيسة مجدل المعوش ودير مار يوحنّا في رشميّا. وفي آب/أغسطس 1685 عاد إلى دير قنّوبين، بعد أن كتب إليه آل حماده حكّام طرابلس والجبّة، متعهّدين بعدم مضايقته، وملتزمين بحمايته وإكرامه، ولكن سنة 1690 نجد البطريرك للمرّة الرابعة في دير مار شلّيطا مقبس؛ وفي 24 كانون الثاني/يناير 1704 هرب البطريرك من ظلم الحماديّين وهي المرّة السادسة والأخيرة إلى دير مار شلّيطا مقبس، ثمّ عاد إلى قنّوبين في 19 نيسان/أبريل ليموت في 3 أيّار 1704 حيث أسلافه البطاركة ويُدفن بقربهم".
أضاف البطريرك الراعي في كلّ تلك الأحداث الصعبة، كان لنا الطوباويّ البطريرك إسطفان ولجميع الأجيال "منارة علم وقداسة".
وعدّد البطريرك الراعي كتب سلفه القديم في حقول التاريخ المدنيّ، والمسيحيّ، والليتورجيّ وذكر تخصّص كل واحدٍ منها، ثمّ انتقل إلى سراجه المضيء في حقل القداسة فقال: "كإكليريكيّ وكاهن وأسقف وبطريرك عاش رجلًا مكرّسًا لله، ورجل صلاة بامتياز. يقول عنه عارفوه: "في الصلاة كان يكتّف يديه، ويحني رأسه، ويميل عينيه إلى الأرض، ويجلس في حضرة الله بكلّ خشوع وحشمة". كان يقوم في نصف الليل ويصلّي ويرتّل إلى الله ساعات كثيرة، وعاش رجلًا متأمّلًا في الكتاب المقدّس...."
أكمل البطريرك الراعي: "كان الزهد الرهبانيّ نمط حياته منذ طفولته حتّى وفاته. ومارس التقشّف في اللباس والصيام والإماتات. وكانت له ممارسات مفعمة بالمحبّة الاجتماعيّة، والتواضع المقرون بالكرامة.
ومن علامات قداسته أنّه وشّح في 10 تشرين الثاني/نوفمبر بالإسكيم الملائكيّ في دير سيّدة قنّوبين مُصلحي الحياة الرهبانيّة الحلبيّين...فكانت انطلاقة الرهبانيّتين اللبنانيّة المارونيّة، والمارونيّة المريميّة اللتين كانتا رهبانيّة واحدة وهو من أثبت قوانينها الجديدة سنة 1700 وبعد سنتين أثبت رسوم رهبان مار أشعيا الأنطونيّين".
أردف البطريرك:"يقول لنا الطوباويّ البطريرك إسطفان أنّ محبّة المسيح شرط أساسيّ في قلب من تُسند إليه سلطة في الكنيسة. لكنّ هذا الشرط مطلوب أيضًا في قلب كلّ مسيحيّ يتولّى سلطة في المجتمع أو في الدولة. ذلك أنّ السلطة في المجتمع البشريّ هي من التدبير الإلهيّ... ما يعني وجوب أن تكون في قلب صاحب السلطة الزمنيّة محبّة الله ومخافته، "لكي يقضي بالعدل للشعب، وبالإنصاف للضعفاء" (مز 72: 2)...وفي ضوء التعليم الإلهيّ، ينبغي تقييم ممارسة السلطة الزمنيّة، للتمييز بين خيرها وشرّها، والعدل والظلم، والخير العامّ والخير الشخصيّ والفئويّ. ومن حقّ الشعب أن يعترض على الظلم والإهمال، وعلى كلّ ممارسة لا تحترم المواطن، في حقوقه الأساسيّة، وحريّاته الطبيعيّة، ولا توفّر نمّوه الشامل روحيًّا وإنسانيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا".
ختم البطريرك الراعي كلمته بالدعاء إلى الله: "نسألك يا إلهنا أن تمنحنا النعمة لكي نسير على خطى الطوباويّ الجديد البطريرك مار إسطفان الدويهي، صابرين على أهوال الحياة، والمظالم والاضطهادات...وصامدين مثله على الإيمان والرجاء والمحبّة، فنشهد لك ولصليبك وقيامتك. لك المجد والشكر ولأبيك المبارك وروحك القدّوس، الآن وإلى الأبد، آمين".