لبنان
16 أيلول 2024, 06:10

"للخدمة أبعاد ثلاثة: نبويّ، كهنوتي، ملوكيّ":البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي، البطريرك المارونيّ بالقدّاس لمناسبة الاحتفال بعيد ارتفاع الصليب، وذكرى الشهداء اللبنانيّين وذلك في كنيسة دير سيّدة إيليج، بحضور فاعليّات وشخصيّات وحشدٍ من المؤمنين.

 

كانت للبطريرك الراعي كلمة من وحي إنجيل القدّيس يوحنّا الفصل 12، في القدّاس الذي جمع بين مناسبتين: عيد الصليب المقدّس وذكرى شهداء المقاومة اللبنانيّة.  

 

بدأ البطريرك تأمّله انطلاقًا من هذه الآية " أتت الساعة لكي يمجَّد ابن الإنسان" (يو 12: 23)  

قال البطريرك الراعي: "سمّى الربّ يسوع موته وقيامته ساعة تمجيده. فبموته يمجّد الآب السماويّ بإتمام مشيئته الخلاصيّة. ذلك أنّه بموته يفتدي الجنس البشريّ، مائتًا عن خطاياهم، ومتمّمًا خلاص العالم، بانتصاره على سلطان الشيطان وقوى الشرّ. وبقيامته يمجّده الآب، رافعًا بشريّته إلى مجد السماء، مالكًا على العالم كلّه. ومن سرّ موته وقيامته وُلدت الكنيسة المتمثّلة بالبشريّة الجديدة. وهكذا المؤمنون والمؤمنات المولودون من المعموديّة أعضاءً في جسد المسيح السرّي هم مثل السنبلة المولودة من حبّة الحنطة التي تموت في الأرض".

قال الراعي: "إنّنا نحيي اليوم ليتورجيا عيد ارتفاع الصليب المقدّس علامة الرجاء بالانتصار على الشرّ: انتصار النعمة على الخطيئة، وانتصار الحقيقة على الكذب، والعدالة على الظلم، والحريّة على الاستعباد، والمحبّة على البغض، والسلام على النزاع.

يرقى هذا العيد إلى سنة 330، عندما ظهرت علامة الصليب للملك قسطنطين الكبير في معركته ضدّ مكسنسيوس في روما، وظهرت معه كتابة: "بهذه العلامة تنتصر". ويرتبط العيد أيضًا بسنة 326 عندما اكتشفت أمّ قسطنطين هيلانة الملكة خشبة الصليب، في أثناء زيارتها للأراضي المقدّسة. فأخذت جزءًا منها لابنها الملك، وشيّدت ثلاث كنائس فوق قبر المسيح، ومكان صعوده إلى السماء، وفوق مغارة بيت لحم. ثمّ تجّدد العيد سنة 628 مع الإمبراطور هرقل وبطريرك أورشليم زكريّا، عندما استعاد الإمبراطور ذخيرة الصليب التي كان قد استولى عليها كسرى ملك الفرس بعد دخوله إلى أورشليم منتصرًا...".

توجّه البطريرك المارونيّ أيضًا إلى الحضور بالقول: "نحيي اليوم أيضًا ذكرى شهداء المقاومة اللبنانيّة، مع رابطة سيّدة إيليج التي تنظّم هذه الذكرى السنويّة، وتسهر على غابة أرز الشهداء، ونقدّم معها هذه الذبيحة الإلهيّة مع أخينا المطران ميشال عون...وأهالي الشهداء وأصدقائهم، لراحة نفوس آلاف الشهداء الذين قدّموا ذواتهم على مذبح الوطن، ولشفاء الشهداء الأحياء حاملي إعاقة في أجسادهم، وهم ذاكرتنا..."

أضاف البطريرك: "لقد حدّد الربّ يسوع النهج المسيحيّ بنهج حبّة الحنطة، نهج الموت عن الذات من أجل حياة جديدة، فقال: "من يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها لحياة أبديّة" (يو 12: 25). وأضاف: "من يخدمني فليتبعني. من يخدمني يكرمه الآب" (يو 12: 26).

أمّا الخدمة فهي مثلّثة:

1-خدمة البعد النبويّ: وهي التفاني في نشر كلمة الله بالكرازة والتعليم، وعيشها كما تعلّمها الكنيسة، وجعلها ثقافة حياة تطبع بمبادئها الحياة العائليّة والكنسيّة والاجتماعيّة، وتطبع كلّ نشاط زمنيّ على المستوى الاقتصاديّ والسياسيّ، تشريعًا وإدارةً وقضاء.

2-خدمة البعد الكهنوتيّ: وهي التفاني في تقديس الذات بالممارسة الأسراريّة، وإحياء الحياة الليتورجيّة والمشاركة فيها، وجعل أعمالنا الخيّرة ومبادراتنا الحسنة ونشاطاتنا البنّاءة، وآلامنا وتضحياتنا وأفراحنا "قرابين روحيّة" نضّمها إلى قربان يسوع المسيح في ذبيحة القدّاس.

3-خدمة البعد الملوكيّ: وهي التفاني في مكافحة الشرّ وإحلال الخير، والظلم وإحلال العدالة، وفي مكافحة النزاعات والانقسامات بشدّ أواصر الوحدة والمصالحة. بهذه الخدمة الملوكيّة ننتصر على الخطيئة، التي تفرّق، بالنعمة والحقيقة اللتين تجمعان. إنّها خدمة بناء جماعة المحبّة".

أردف البطريرك قائلًا: "في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانيّة، لا بدّ من وقفة فحص ضمير وطنيّ، فنقول: هناك مكوّنات تريد لبنان الكبير أرضًا شاغرة لمشاريعها، ومن دون دولة ونظام ودستور وقانون...هناك فرق كبير بين الاعترافِ بلبنان والإيمان به. فالاعتراف هو أخذ العلم بوجود لبنان، بينما الإيمان هو أخذ لبنان بجوهره وهوّيته ونظامه وقيمه ورسالته. وهناك فرق بين معيار الولاء للبنان وما نتمثّل فيه: ففي الحالة الأولى إيمان مطلق بلبنان في ما يمثّل بحدّ ذاته، وفي الحالة الثانية حساب ربح وخسارة... دافعنا جميعًا عن لبنان بمقدار ما نحن موجودون فيه، لا بمقدار ما هو موجود فينا. وحين كلّ مكوّن لبنانيّ بدأ يشعر أنّ لبنان هو لمكوّن آخر...لم يعد لبنان لأحد، فتوزّعت المكوّنات بقاياه..."

أكمل البطريرك المارونيّ كلامه، قال: "بقاء لبنان رهن بتغيير المسار الانحداريّ بانتخاب رئيس للجمهوريّة، يعود بنا إلى جوهر الشراكة الوطنيّة، واعتبار دولة لبنان الكبير هي المنطلق وهي مرجعيّة أي تطوّر وطنيّ...أوليس تجاهل ذكرى تأسيس الدولة اللبنانيّة في أوّل أيلول 1920، تعبيرًا عن عَطَبٍ في الاعتراف به ونقصٍ في الإيمان؟"

ختم البطريرك كلمته قال: "نصلّي لِتكون دماء شهداء لبنان حافزًا لنا للإيمان بهذا الوطن، والمطالبة الحثيثة بانتخاب رئيس للجمهوريّة...ولله وحده كلّ مجد وشكر وتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين".