"غيومٌ ومواسم توالت، وشمس البرّ ينير الطريق وينمي كلمته فينا لنحيا المشورات الإنجيليّة ": الأباتي رزق
ألقى الأبّاتي إدمون رزق كلمةً في الذكرى 329 على ولادة الرهبانيّة المارونيّة المريميّة التي كان اسمها "الرهبانيّة الحلبيّة" بدأها بالآية الكتابيّة "فإنّ ألف سنة في عينيك، كيوم أمس العابر، وكهجعة من الليل"، وقال: "ما أجمل عينيّ الربّ، ونظرته، وسهره على هذه الرهبانيّة الغالية، التي اختارت لها العذراء الساهرة، سيّدة اللويزة، شفيعةً ترافقها، كما رافقت ابنها وجماعة الرسل الأوّلين!
ثلاثة قرون وأكثر مرّت، ورهبانيّتنا لا تزال...تعبر إلى المساحات البعيدة حبًّا بالرسالة وتلبيةً للدعوة التي قبلتها من الله. تشقّ العمر مكلّلةً بالرجاء في سبيل الهدف الواحد...: كلّنا معًا نسبّح الله ونمجّده، ونرفع القلب نحوه، شاكرين لما أفاضه علينا من نعم... وعين المؤسّسين من السماء ترى، وقلوبهم تشكر وترنّم معنا!"
تابع الأبّاتي رزق كلامه: "هكذا تعود علينا هذه الذكرى، على الرغم من الظلمة الخارجيّة، وما يجول في لبنان، تعود لتذكي فينا عبير الفرح وتذكّرنا بانطلاقة الدعوة...وتجدّد فينا معنى القبول بترك العالم والتسليم الكلّيّ إلى الله!
اليوم، نقف على أرضٍ ارتوت إيمانًا....في بيت بني على صخرة الإيمان والتجرّد من كلّ شيء من أجل المسيح، صخرتنا وخلاصنا... سنين مرّت وعهود ولّت وهذه الأرض أخصبت رهبانًا ونسّاكًا قدّيسين!"
أكمل الأبّاتي كلمته قال: "تعالوا نتأمّل اليوم، ما نحن عليه في كنف عائلة رأسها المسيح وحاميتها أمّنا العذراء مريم!
اليوم، نعيد قراءة المسيرة الرهبانيّة منذ المؤسّسين الذين تركوا العالم من أجل أن يحيوا لله فقط، وسعوا وثابروا في مساعيهم من أجل مجد الله فقط، وثبتوا على الرغم من التحدّيات والنزاعات والإخفاقات، لأنّ دعوتهم الرهبانيّة كانت لها الأولويّة في حياتهم، فلم يتغيّر هدفهم ولا ساوموا عليه أبدًا! فكانت أن تنمو دعوتهم منذ 329 سنة....
غيومٌ ومواسم توالت، وشمس البرّ ينير الطريق ويدفء الوحدة، وينمي ما تغرس كلمته فينا لنحيا المشورات الإنجيليّة، حتّى تذوب كلمته في نفوسنا لنصبح فيها مصابيح نور في العالم، نحيا معه ومع بعضنا، على الرغم من التباين في ما بيننا، مغامرةً عظيمة: مغامرة العيش بالقرب من الله والشهادة له من خلال كلّ ما نعمل.
ولأنّنا مسؤولون في دعوتنا، لا يمكننا أن نتجاهل ما أوصانا به مؤسّس الرهبانيّة، المثلّث الرحمات المطران عبدالله قراعلي، الذي صلّى وبكى وجاهد كي تعبر الرهبانيّة السنين وتتخطّى العثرات وتنتصر عليها في سبيل الملكوت. على ضوء مصباحه، يثمر جهادنا معًا في الحياة الرهبانيّة والمثابرة على عيش النذور والتمرّس في الفضيلة...
اختلافٌ، اجتماعٌ، اتّفاقٌ، إلفة! هذا ما ناشد به مؤسّسنا في تشجيعنا على حفظ القانون، والجهاد في عيش الاتّفاق والحبّ الأخويّ. فنحن جسدٌ واحدٌ وروحٌ واحدٌ، كما دُعينا في رجاء دعوتنا الواحدة! ولا يمكننا أن نبتعد عن الرأي الواحد والهدف الواحد، لأنّ صوت المسيح يدعونا وروح الربّ يرشدنا وأمّ الربّ تسهر علينا، فلماذا نخاف ونجزع؟ وأيّ ضمانات نريد لنكمل مسيرتنا بفرح واتّحاد؟"
أضاف الأباتي: "اليوم، نعيّد يومًا أوّل في خلق رهبانيّتنا، يومًا أوّل في تحقيق حلم شبّان ثلاثة أتوا من البعيد، إلى لبنان...سمعوا الدعوة وجاؤوا، وكلّهم رجاءٌ بمشروع الله لحياتهم...وساروا بسلام من دون النظر إلى الوراء في اتّباع صوت الربّ!
اليوم، نفتح آذاننا من جديد ونصغي إلى هذا الصوت الذي يقودنا في حياتنا الرهبانيّة، ونسلّم ذواتنا إلى الربّ، ونسأل العذراء أن تقودنا في خدمته، فنبقى أمينين على وصاياه، ثابتين في مبادئنا وصادقين في رسالتنا.
الرهبانيّة ليست حالةٌ بل عمل! والحياة الرهبانيّة ليست فرديّةٌ بل جماعيّة! والعمل الرهبانيّ ليس مراكز بل رسالة! ونحن نسعى ونجاهد كي تكون الرهبانيّة منارةً للأجيال المقبلة، جاذبةً للدعوات، شاهدةً حقّة للملكوت..."