"عاقبة من يستقوي بماله أو مركزه أو حزبه...سيّئة": المتروبوليت عوده
في متابعته التأمّل في مثَل الغنيّ الجاهل في (لو 12: 13-21)، قال المتروبوليت عوده:
"كم من الناس في أيّامنا يستمدّون معنى حياتهم وقيمة وجودهم من ثراء لا قيمة له في ذاته لأنّه زائلٌ، ويدّخرونه لغد غير مضمون، قد يرحلون ويتركونه لأنّ حياتهم ليست في يدهم بل في يد من خلقهم. "يا جاهل، في هذه الليلة تطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟". هكذا خاطب الله المهتمّ بثروته، الذي نسي أنّ مانح الخيرات هو الله وحده. لقد سمّاه الله جاهلًا فيما هو في نظر البشر ناجحٌ وذو دراية وتخطيط. إنّ مقاييس الله تختلف عن مقاييس البشر. فما ظنّه الغنيّ ملكًا هو في الحقيقة عطيةٌ من الله منحه إيّاها ليشتري بها نفسه، فماذا فعل؟ أمضى عمره أسير مالِه فيما أعطاه الله حرّيّة الاختيار بين الاستعباد للمال أو اقتسامه مع إخوته بغية اقتناء ملكوت الله وبرّه. يقول القدّيس باسيليوس الكبير: "الخبز الذي تخبّئه عندك هو ملكٌ للجائع، واللباس الموجود في خزانتك هو ملكٌ للعريان... المال الذي تقتنيه على الأرض هو للذي بحاجة إليه. فأنت إذًا تظلم كلّ من تستطيع مساعدتهم".
يشدّد الآباء القدّيسون على أهمّيّة اقتناء الفضائل وأوّلها التواضع لأنّ التكبّر الناتج عن الغنى أو المركز أو النفوذ وما شابه يأخذ صاحبه إلى الهلاك. فمن استقوى بماله أو مركزه أو حزبه أو طائفته وأشاح بوجهه عن إخوته لن تكون آخرته أفضل من آخرة غنيّ الإنجيل الذي حصر تفكيره واهتمامه بنفسه وما تملُك. يقول القدّيس يوحنّا ذهبيّ الفم "إنّ المجد الذي يأتي عن طريق الغنى والسلطة والعنف لا يلبث أن يضيع، أمّا المجد المرتكز على الأعمال الصالحة فهو ثابتٌ لا يتزعزع ولا يزول".
كلّنا مائتون. يومًا ما سيتوقّف كلّ شيء فجأةً، وعندما نمثل أمام الديّان العادل يكون علينا أن نجيب عمّا فعلناه في حياتنا. هل سنكون مستعدّين لتقديم حساب عن طريقة عيشنا أو تربية عائلاتنا أو معاملة أترابنا وما فعلناه بمواهبنا وقدراتنا؟ أو نكتفي باعتزازنا بالنفس الذي يؤدّي إلى سقوطنا وهلاكنا؟ كيف سنجيب عمّا فعلناه بالوزنات التي منحنا إيّاها الله؟
علينا إذًا أن نستعدّ لتلك الساعة الرهيبة كي لا نخسر نفوسنا، بل لتكون ثمرةً نضرةً للحياة الأبديّة، آمين"
.