لبنان
11 حزيران 2024, 13:00

"شعاري الأسقفيّ يعكس مسيرة حياتي حتّى اليوم": المطران الجلخ في قدّاس الشكر

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المطران الجديد ميشال الجلخ أمين سرّ مجمع الكنائس الشرقيّة بقدّاس الشكر في دير مار روكز في الدكوانة، في حضور الكاردينال كلاوديو غودجيروتي، عميد دائرة الكنائس الشرقيّة في الفاتيكان، والسفير البابويّ پاولو بوردجا، ورئيس الأساقفة أندريس فيرّادا موريرا، أمين سرّ دائرة الكهنة في الفاتيكان، والأبّاتي جوزف بو رعد، رئيس عامّ الرهبانيّة الأنطونيّة، إلى جانب جمع من الأساقفة والرؤساء العامِّين والرئيسات العامّات للرهبانيّات المارونيّة، والآباء المدبِّرين والرؤساء العامّين السابقين، وفعاليّات سياسيّة وأمنيّة وقضائيّة وإعلاميّة، وعائلة المطران الجلخ. خدمت قدّاس الشكر جوقة الجامعة الأنطونية بقيادة المايسترو الأب توفيق معتوق والمرنّمة جومانا مدوّر.

 

قال المطران في عظته شارحًا شعاره الأسقفيّ: "في إعلان بولس، يعتبر أنّ كلّ شيء حاول تحقيقه، كلّ ما هو عليه، كلّ قوّته وكلّ وهنه، كلّ شدّته وكلّ حماسته، كلّ ما كان يتطلّع إليه وكلّ ما أصبحه، مطبوع بالمسيح. من حياته السابقة إلى ارتداده على طريق دمشق حتّى سجنه في روما: كلّ خطوة خطاها وكلّ عمل قام به وكلّ كلمة تفوّه بها هدفت إلى تعزيز معرفة المسيح. ولهذا، فقد فهم رسالة يسوع الخلاصيّة من دون أن يراه بالجسد ولو لمرّة واحدة، ومن دون أن يكون واحدًا من الاثني عشر، لكن، لا همّ، فرسوليّته لم تأتِ "لا من الناس ولا بدعوةِ من إنسان، كما قال، بل بمشيئة يسوع المسيح والله الآب".

تابع المطران الجلخ: "لقد سعى بولس إلى معرفة المسيح يومًا بعد يوم ويومًا أكثر من يوم. فلم تعد معرفته مجرّد مجموعة حقائق عن المسيح، بل أصبحت المسيح عينه. فذابت حياته بالمسيح ما جعله يدرك أنّ الحياة عنده من دون المسيح لا طعم لها ولا معنى، مفضّلًا أن يحسِب كلّ شيء خسارة من أجل الربح الأعظم."

"هذا هو مغزى شعاري"، شرح المطران، "الذي يعكس مع مختلف عناصره، مسيرة حياتي حتّى اليوم. فالزيتونة ترمز إلى تجذّري بهذه الأرض الشرق أوسطيّة مهما تغرّبت عنها. إنّها شجرة مقدّسة لطالما صلّى تحت ظلّها الربّ يسوع، ومن زيتها يصنع الميرون، ]هذا المرهم الروحيّ لحفظ الحياة وتقديس النفوس والأجساد[، وهو يرافق الإنسان من العماد والتثبيت إلى مسحة المرضى. بالزيت ضمّد السامريّ جراح المسكين الذي تعرّض له اللصوص، وبالزيت أضاء الحبساء سرجهم للصلاة والعبادة. أمّا الكتاب فهو يجسّد ما كانت عليه مدينة نِصِّيبين أيّام مار يعقوب ومار أفرام ومار نرساي: مدينة سريانيّة جامعيّة بامتياز، من أولى الجامعات في التاريخ، ومركز علميّ وطبِّيّ وفلسفيّ ولاهوتيّ. تبقى عصا مار أنطونيوس التي تشكّل عمود ارتكاز الشعار كلّه: هي هويّتي وهي لقائي الأوّل بيسوع، وشعوري هذا يبقى هو هو، إن في الدير أو تحت قبّة الڤاتيكان".

كما توجّه الأبّاتي جوزيف أبي رعد بكلمة إلى الأسقف الجلخ جاء فيها "من بولس استعرت شعار أسقفيّتِك وبهِ يجمعك الشغف بالمسيح والغيرة. أسرك حبّ المسيحِ طفلًا فتركت بيتك وأهلك وعشيرتك إلى بيوتِ اللهِ وأهلها وإلى عشيرة عريقة وفريدة. إنتميت إليها لا بالولادةِ والنسب، وإنّما بالانتساب والتكرّسِ. هي رهبنتك الأنطونيّة المارونيّة. شرِبت من معينها الفيّاض فأعطتك بسخاء وأعطيتها أفضل ما عِندك. ترعرعت في ربوعها ونميت، نجحت وأخفقت، تعلّمت وفيها كبرت. أفراحها أفراحك وأحزانها أحزانك وأحلامها أيضًا". 

قال الأبّاتي أيضًا: "بشغفك المعهود ناضلت دومًا لكي تكون على مستوى دعوتها وتاريخها وانتظارات الكنيسة وشعب الله منها. لم تسلّم يومًا بتجعّدات وجهها التي هي انعكاسٌ لهشاشتنا وضعفنا جميعًا. لم تُفتِر هذه يومًا شغفك بها وسعيك الدؤوب لكي تكون على صورةِ الكنيسة ]سنِيّةً لا دنس فيها ولا تغضّن ولا ما أشْبه ذلِك، بل مقدّسةً بِلا عيب[".

وتابع الأبّاتي بو رعد: "من الأنطونيّة تحمل أجمل وأعرق سماتها وهي الانفتاح. ولِدت رهبانيّتنا في رحم الكنيسة المارونيّةِ. أسّسها البطريرك البلوزاويّ ونمت برضى أسلافه وبركتهم. ولكنّها زرِعت في الضواحي على تماس مع الآخرين. تحمل في جيناتها النزعة إلى الخروج، إلى خوض تحدّي لقاء الآخر المختلف، إلى النفورِ من التقوقعِ على أنواعه. هذه الروح الأنطونيّة، هي أثمن ما تحمله في جعبتك من عندنا وما يسهّل خدمتك الكنسيّة الجديدة ويُخصبها".

وتابع: "نحتفل بك اليوم ومعك بباكورةِ خدمتِك الأسقفيّة. تحتفل على المذبح الأوّل الذي قبّلته بعد رسامتك الكهنوتيّة. على المذبحِ الذي يقبِّله كلّ أنطونيّ للمرّة الأخيرة، محمولًا على أكتاف إخوته قبل أن ينضمّ إلى آبائه. تحتفل على المتقدّم بين مذابحِ الرهبانيّة الأنطونيّةِ التي ارتسمت عليها وفي رحابِ ديرِ الرئاسةِ العامّةِ قلبِ الرهبانيّة النابضِ عنايةً بكلِّ أبنائِها".

أردف الأبّاتي قائلًا: "تخرج اليوم من صفوفنا لا من معركتنا، تخرج إلى خدمة أشمل وأوسع، من حاضنتِنا الدافئة المتواضعة إلى حاضرةِ الفاتيكان، حاضنة الكنيسة الجامعة. تخرج من جهادنا الرهبانيّ اليوميّ ولكنّك لم ولن تخرج من صورتنا المجمعيّةِ الجامعة ولا من صلاتنا اليوميّة، ضمانة صِلتِنا بمن دعانا وببعضِنا بعضًا". 

وختم كلمته بالقول: "نعاهدك ونعاهِد من دعاك لمشاركته خدمة الكنيسة الجامعة بأنّنا ضنينون على أداء قسطنا في بناء ملكوت الله. بتواضع، بعزم، بفرح. همّنا وهمّه أن يبشّر بالمسيحِ فتغدو أديارنا ورسالاتنا واحاتِ لقاء بالربِّ ورهباننا شهودًا لقيامته ولحضوره الخفيّ في العالم. معك لنا ولكنيسة المسيح كلّها في الشرق صوت صارخ وصادق وغيور في مجلس الأب الأقدس وإسهام في تدبيره وعنايته بها."

في ختام قدّاس الشكر كانت كلمة للكاردينال غودجيروتي توجّه فيها إلى الأسقف جلخ قائلًا: "عندما يدعوك بطرس، عليك أن تلبّي النداء، انتقلت من أن تكون ابنًا لكنيسة شرقيّة لتصبح أمين سر للكنائس الشرقيّة، وصوتها الصارخ عند خليفة بطرس (الكرسي الرسوليً)".

تابع الكاردينال: "اليوم لبنان يأتي إلى روما، دعاك الربّ من كنيسة مشرقيّة، كنيسة رهبان كانوا فيها يهربون للحفاظ على إيمانهم. مركزك الجديد في روما لن يبعدك عن هذه الكنيسة، لكنّه سيسلّمك كنائس شرقيّة أخرى، التي يجمعها المصير عينه، سيكون لصرختك وقع مختلف لأنّها تأتي من دم الذين يتعذّبون. لأنّ الدم يصرخ. أَزعِجنا حين نتكاسل. وعندما نكون حذرين، قل لنا إنّ إخوتك يموتون في لبنان وغزّة وأوكرانيا وأرمينيا وسورية، وقل لنا إنّ الوقت حان."