" شجاعة الرجاء": البطريرك ساكو
قال البطريرك لويس روفائيل ساكو: "الرجاء الحقيقيّ يعني عدم الخوف من رؤية الواقع كما هو بتناقضاته. ينبغي أن تتّسم نظرتنا الإيمانيّة بالإيجابيّة، فإنّ الله في هذا الوقت المُربِك، يدعونا إلى إظهار محبّتنا بقوّة أكبر، لنسمع في أعماقنا ترنيمة "المجد لله في العلى، والرجاء لبني البشر" (لو 2/ 14).
أضاف البطريرك: "هذا مخاض شاق وطويل. المستقبل سيكون أفضل عندما نُساهم بإعداده، ولا نتهرّب من المسؤوليّة، وننجرّ إلى الطموحات الزائفة كشهوة المال والسلطة والشهرة والتفرقة. الشرّ على الرغم من عنفه، ليس موازيًا للخير. الخير يدوم والشرّ لا يدوم، "كونوا فرِحين في الرجاء" (رو 12/ 12).
الرجاء هو بوعد حضور الله. أنصتوا إلى وعده لإرميا النبيّ: "فإِنِّي سأكون مَعَكَ لِأُنقِذَكَ" (إر 1/ 8). "أنا معكم كلّ الأيّام" (مت 28/ 20). هذا الحضور الموعود باهظ الكلفة. يتطلّب منّا أن نتخلّى أوّلًا عن كلّ تعزية وهميّة. هذه التعزيات غير حقيقيّة، تأتي لتملأ حياتنا وتشغلنا عن الجوهر.
في الماضي، تمّ التركيز على "نكران الذات" هناك سوء فهم للفكرة، أو يتمّ تقديمها بشكل سيّء. التخلّي الذي يقصده الإنجيل هو التخلّي عن الدعامات (الزعامات؟) الوهميّة مثل تلميذيه يعقوب ويوحنا (مر10/ 35-45). يطلب الله منّا على وجه التحديد أن نتخلّى عنها، لنتمكّن من اللقاء به. هو لا يريد أن نضحّي بما يساعدنا على تنمية شخصيّتنا لكي نعيش الحاضر، لكنّه يريد أن نلتقيه في الحقيقة، لأنّ الله حاضر في العالم الحقيقيّ وليس الخياليّ"ّ.
أكمل البطريرك ساكو كلامه، كتب: "الرجاء المسيحيّ بالضرورة "يرجو ضدّ كلّ رجاء" (رو 4/ 18). هذه الفضيلة التي تغنّى بها الشاعر الفرنسيّ شارل بيغي في قصيدته الموسومة: على عتبة الفضيلة، واستشهد بها البابا فرنسيس، كالأخت الصغرى للفضائل. إنّه الرجاء ضدّ الآمال الزائفة كلّها التي تُغرينا وتشغلنا عن مواجهة الشرّ، وتبعدنا عن العالم الحقيقيّ حيث ينتظرنا الله. كيف يمكنه أن ينقذنا إذا تعلّقنا بهذه الآمال الفارغة والتعزيات البشريّة؟ رفض هذه الآمال الزائفة (الطموحات) هو بالفعل عمل من أعمال الرجاء، وهو يعني انتظار الخلاص من الله وحده".
تابع البطريرك ساكو: "سأكون معكم كلّ الأيّام". إنّها فرصة متميّزة لنا، تتطلّب أن نبذل جهدًا لتذليل الصعوبات الحاليّة التي نواجه. يقول بولس الرسول في الرجاء "أستطيع كلّ شيء في المسيح الذي يقوّيني" (في 4/ 13).
الرجاء هو الاستعداد بقوّة من أجل المستقبل. هذا البُعد المستقبليّ للرجاء مهمّ. والخلاص الذي يقدّمه لنا الله سيُحدِث سعادة لم نكن لنتمكّن من الحصول عليها وحدنا. إنّه ليس انتظارًا فحسب، إنّما هو هِبة يجب أن نستقبلها بفرح. الرجاء هو عربون امتلاكه.
الرجاء هو "فضيلة لاهوتيّة" للغاية، أي أنّ الله "هدفها"، وفوق كلّ شيء تتيح لنا هذه الفضيلة، المجال للوصول المباشر إليه. ينبغي بالتالي، فهم التعبير جيّدًا. نحن لا نملك الله كما نملك سيّارة، بل لدينا اليقين بأنّ لنا أبًا رحومًا قريبًا منّا يعرفنا ويحبّنا "هأنذا واقف على الباب، وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه" (رؤ 3/ 20)".
ختم البطريرك ساكو حديثه بالقول: "الرجاء هو في الحاضر والمستقبل. والحياة الأبديّة تبدأ منذ الآن وتستمرّ إلى الأبد، وليست بعد موتنا فحسب. بموتنا نبلغ "الملء" إذا عشنا إيماننا بأمانة وفرح. في القدّاس، أعطانا يسوع حياته (جسده) في رمزيّة الخبز والخمر. تعالوا لنستقبلها ونعيشها إلى النهاية. وبمشاركة مفعمة بالرجاء والفرح تدمجنا في المسيح، وتُحرّكنا للبلوغ إلى كمال الليتورجيا (المسيح).علينا ألا نتوقّف أبدًا عن تلقّي هذه النعمة الكبيرة بالحبّ والبهجة لأنّها "لمغفرة الخطايا وللحياة الأبديّة".