لبنان
17 حزيران 2024, 07:10

"ركيزة إيمان الكنيسة أنّ يسوع هو ابن الله": المطران عوده

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المطران الياس عوده راعي أبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس بالقدّاس الإلهيّ لنهار الأحد 16 حزيران/يونيو 2024 في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في وسط بيروت، بحضور فاعليّات دينيّة ومدنيّة وحشد من المؤمنين. بعد قراءة الإنجيل، ألقى المطران عوده عظة تناول فيها الأمثولة الروحيّة والشأن الوطنيّ.

 

قال المطران: "نعيّد اليوم لآباء مجمع نيقيا سنة 325، حيث وضعوا القسم الأوّل من دستور الإيمان، كما وضعوا قانون الكتاب المقدّس، أي حدّدوا الكتب التي هي حقّا كلمة الله، فبعد قيامة الربّ وبدء الرسل بشارتهم بعمله الخلاصيّ، أي آلامه وموته ودفنه وقيامته وظهوره للتلاميذ، الأمور التي تشكّل فحوى الإنجيل، أي البشرى السارّة بالخلاص (1كو 15: 1-5)، ظلّ الشكّ يواجه هذه البشارة في ما يتعلّق بطبيعة الربّ يسوع كإله وإنسان: من هو؟ من أين أتى؟ ما علاقته بالله؟ لذا رتّبت الكنيسة الآحاد التي تلي الفصح: توما، حاملات الطيب، المخلّع، السامريّة، الأعمى حيث نقرأ عن الشكّ الذي رافقهم حتّى التقوا بالربّ القائم من بين الأموات، وأعلنوا أنّه هو في الحقيقة المسيح ابن الله مخلّص العالم. هذا ما تنقله لنا الكنيسة اليوم أيضًا".  

تابع المطران عوده تعليمه قال: "بدأ الشكّ مع بدء البشارة. فقد واجهت الرسل تساؤلاتٌ حول صحّة تعليمهم، فاضطروا إلى أن يواجهوا عن طريق البشارة المكتوبة، موضحين حقيقة تجسّد المسيح ابن الله، الذي أرسله الله الآب إلى العالم بسبب محبّته للبشر، باذلًا إيّاه على الصليب «لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو 3: 16).

حاول بعض من قبلوا البشارة تحوير الإنجيل، لأنّه لم يكن يناسبهم، وعجزوا عن قبول الربّ كما أعلن لهم، فأخذوا يعلّمون بطريقة تخالف تعليم الكتاب المقدّس، فتصدّى لهم الرسل معتمدين على الكتاب المقدّس، ليقطعوا الطريق أمام التعاليم الخاطئة. يقول الرسول بولس: «عجبت لسرعة ارتدادكم هذا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح، إلى بشارة أخرى، وما هي بشارةٌ أخرى، بل هناك قومٌ يلقون البلبلة بينكم، وبغيتهم أن يبدّلوا بشارة المسيح..." (غل 1: 6-7).

وأضاف المطران: "إستمرّت المواجهة في الكنيسة، إلى أن وصل الأمر بالشمّاس آريوس وأتباعه إلى التشكيك بألوهيّة الربّ يسوع، كما يفعل أتباع شهود يهوه في أيّامنا، مدّعين أنّ الربّ يسوع ليس إلهًا، مفسّرين تعليم الكتاب المقدّس بشكل خاطئ، ما دفع بالكنيسة، ممثّلة بالملك القدّيس قسطنطين ورؤساء الكهنة، إلى التصدّي لهذا التعليم، على صعيد الكنيسة جمعاء. دعا الملك إلى عقد مجمع في مدينة نيقيا، في آسيا الصغرى، حضره 318 من آباء الكنيسة، ووضعوا نصًّا حدّدوا فيه الإيمان القويم، استنادًا إلى تعليم الكتاب المقدّس، فاعترفوا بـ"ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كلّ الدهور، نور من نور، إله حقّ من إله حقّ" التي تعني أنّه ذو جوهر واحد مع الآب، أي أنّ الربّ يسوع هو ابن الله الآب، وهو إلهٌ كاملٌ ومساو للآب في الجوهر، كما رفضوا كلّ تعليم آخر يخالف هذا التعليم".

قال المطران عوده أيضًا: "الإيمان بأنّ يسوع هو ابن الله يشكّل الركيزة الأساسيّة للكنيسة، وهذا جوهر تعليم آباء المجمع المسكونيّ الأوّل. عندما سأل يسوع تلاميذه: من تقولون إنّي أنا "أجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحيّ، فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا، إنّ لحمًا ودمًا لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك أيضًا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متّى16-18). على صخرة إيمان بطرس بنى الربّ الكنيسة التي سنعيّد لتأسيسها يوم العنصرة".

تابع المطران عوده تعليمه: "لم يكن دستور الإيمان النيقاويّ دستور الإيمان الأوّل في الكنيسة. فقد وضعت اعترافات إيمان متعدّدة، لاستعمالها في خدمة المعموديّة، لكي بواسطتها يعبّر المقبلون إلى المعموديّة عن إيمانهم. كان هدف دساتير الإيمان وضع الأساس الصحيح لحياة كلّ من يقبل الربّ يسوع كسيّد لحياته، لكي يسلك الطريق الصحيح الذي سلكه الربّ يسوع «حتّى موت الصليب»، أي طريق طاعة الله. تكمن الخطورة في محاولة تحوير صورة الربّ يسوع عمّا هي في الكتاب المقدّس، فيتمّ الارتباط بيسوع آخر (2كو 11: 4)، مصوّر على قياسنا، فلا تتحوّر فقط أيقونة الربّ يسوع، بل تعليمَه أيضًا، فتلتوي الطريق التي وضعها الله في الكتاب المقدّس، وعوض الوصول إلى الله، نصل إلى إله آخر، ولا ننال الحياة الأبديّة التي وعد بها الله كلّ من يؤمن بابنه الوحيد يسوع المسيح (يو 3:16)".

"واعلموا"، تابع المطران، "أنْ منذ أيّام الرسل وحتّى أيّامنا، هناك دائمًا من لا تناسبه حقيقةٌ ما فيعمل على تحويرها أو تشويهها أو خلق حقيقة أخرى تتماشى مع مصالحه. أليس هذا ما حصل ويحصل عندنا منذ ما قبل الاستقلال؟ ألا ترى كلّ جهة الأمور بحسب ميولها ومصالحها... المفاهيم، مثل الانتصار والانكسار...تختلف بين مجموعة وأخرى، ما يولّد تباعدًا بينها واختلافا في الحكم على أحداث التاريخ ورجالات...  

الاختلافات، والهرطقات التي ظهرت في القرون الأولى، عالجتها الكنيسة بواسطة المجامع المسكونيّة التي شارك فيها كبار آباء الكنيسة، وثبّتوا التعليم القويم، إلى جانب قدّيسين شاركوا في المجامع وعلى أجسادهم آثار العذابات التي تحمّلوها في زمن الاضطهادات ولم ينكروا إيمانهم أو يساوموا عليه.

لذلك على حكماء هذا البلد وكباره في النفوس والأخلاق والإنسانيّة والعلم والاختصاص...أن يتلاقوا ويتّفقوا على مبادىء واضحة وتفاسير موضوعيّة لكلّ ما يختلف عليه اللبنانيّون...علّنا نتخطّى الأزمة التي طالت وكانت نتائجها كارثيّة على الجميع.

في أحد آباء المجمع المسكونيّ الأوّل تدعونا الكنيسة إلى أن نحافظ على إيماننا ثابتًا، في زمن تكثر فيه الآلهة والأوثان المادّيّة والمصالح الشخصيّة، وأن نتشبّث بصخرة المسيح، ونثق بأنّ لا خلاص لنا إلّا به، متذكّرين كلام الرسول بولس: إحذروا لأنفسكم ...فإنّي أعلم هذا أنّه سيدخل بينكم ذئابٌ خاطفةٌ لا تشفق على الرعيّة...لذلك اسهروا".