لبنان
23 كانون الأول 2024, 08:40

"رجاء الأمم جاء فخلّصنا من عبوديّة العدوّ": المطران عوده

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المتروبوليت الياس عوده، راعي أبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس بقدّاس نهار الأحد ٢٢ كانون الأوّل/ديسمبر ٢٠٢٤ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في وسط بيروت بحضور شخصيّات وفاعليّات وحشد من المؤمنين.

 

بعد قراءة الإنجيل المقدّس، تناول المطران عوده في كلمته شؤونًا روحيّة ووطنيّة.

في الشقّ الروحيّ قال: "في هذا الأحد المسمّى أحد النسبة، الذي يسبق عيد ميلاد الربّ يسوع، نقرأ المقطع المتعلّق بنسب يسوع بحسب الجسد. يشدّد الإنجيليّ على أنّ الربّ يسوع هو "المسيّا المنتظر"، المنحدر من سلالة داود الملوكيّة. لهذا، يفتتح سلسلة الأنساب بقوله: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم". خاطب متّى اليهود كي يؤمنوا بالمسيح الذي قدّمه لهم بحسب كتبهم المقدّسة. من كذلك، يؤكّد ذكر نسب يسوع حقيقة التجسّد الإلهيّ، أي أنّ المسيح اتّخذ طبيعتنا البشريّة بكمالها، ما عدا الخطيئة. لم يكن مجيء المسيح وتجسّده مصادفةً أو حدثًا تاريخيًّا بشريًّا، أو قرارًا فجائيًّا من الله، بل كان تدبيرًا إلهيًّا قصد الله تحقيقه "لمّا حان ملء الزّمان" (غل 4: 4).

بعد أيّام قليلة سنحتفل بعيد الميلاد، فنقرأ أنّ ملاك الربّ بشّر الرعاة قائلًا: "لا تخافوا، فها أنا أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشّعب، ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّصٌ هو المسيح الربّ" (لو 2: 10-11). نحن نعيّد للفرح الذي بشّر به الملاك الرعاة، وعبرهم الخليقة كلّها. لذلك نرتّل عشيّة العيد: "لتفرح اليوم السّماء والأرض فرحًا نبويًّا، ولنعيّد أيّها الملائكة والبشر تعييدًا روحيًّا، لأنّ الإله قد ظهر بالجسد للجالسين في الظّلمة والظّلال، مولودًا من امرأة، فتقبّلته مغارةٌ ومذودٌ، رعاةٌ بالعجب يذيعون، ومجوسٌ من المشارق في بيت لحم للهدايا يقرّبون، وأمّا نحن فإنّنا بشفاه غير مستحقّة، نقدّم له التّسبيح الملائكيّ هاتفين: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، لأنّ رجاء الأمم قد جاء فخلّصنا من عبوديّة العدوّ".

اليوم، في ظلّ الظروف الصعبة والحروب المحدقة بنا، قد يتساءل المرء: ما الذي يشعرني ببهجة العيد؟ الأسباب متنوّعة بين البشر . يفرح البعض بالعطلة، أو الهدايا، أو المائدة اللذيذة... المؤكّد أنّ بعض المؤمنين سيشاركون في قدّاس العيد، وفي المائدة الروحيّة، وفي الاحتفال مع الأقارب والأصدقاء. قد تكون هذه الأمور كلّها حسنةً، لكنْ هل هذا هو مصدر الفرح العظيم الذي أعلنه الملاك للرعاة؟

الفرح العظيم هو ميلاد الربّ وتجسّده بقصد خلاصنا نحن البشر. نذكر مثليْن قد يساعداننا على فهم طبيعة هذا الفرح. لنتخيّل فرح شخص بقي أسيرًا مدّةً طويلةً، وعانى الأمرّين على أيدي آسريه، وفجأةً يأتي من يهزمهم ويخضعهم ويمنحه حرّيّته. هذا فرحنا بميلاد الربّ، نحن الذين كنّا عبيدًا للخطيئة، أي تحت سلطة الشيطان، فتحرّرنا بمجيء المخلّص. كذلك قد نسمع عن محكوم بالإعدام ينجو في اللحظة الأخيرة بالرحمة. هذا تمامًا ما فعله المسيح بتجسّده، فهو حرّرنا من الموت الأبديّ وطهّرنا من خطايانا...قال الملاك ليوسف: "ستلد (مريم) ابنًا وتدعو اسمه يسوع، لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم» (مت 1: 21). هذا فرحنا الحقيقيّ، أنّنا نجونا من الموت، وتحرّرنا من طغيان الشيطان ومن خطايانا.

لا يكتمل هذا الفرح إن لم يبذل الإنسان جهدًا ليعيشه في يوميّاته. لذا تجدر بنا الاستجابة لعرض الحرّيّة والفداء الذي قدّمه المسيح. علينا أن نقبله بكياننا كلّه كمخلّص شخصيّ لنا، وأن نظهر الرغبة في الاقتراب منه وقبول كلمته واتّباع خطواته، وأن نطلب ضياء نوره طوال حياتنا. لا يخلّصنا المسيح من خطايانا إذا تمسّكنا بها بلا ندم وتوبة واعتراف. وكيف نتحرّر من عبوديّة الشيطان إذا واصلنا التعلّق بالأرضيّات وطلب المكاسب المادّيّة؟ هذه تماثل «عبادة الأوثان» (كو ٣: ٥) الّتي يدينها الله.