لبنان
01 تموز 2024, 06:20

"دعونا لا نقلّل من شأن معاناتنا ونحمل صليب الفداء": البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البطريرك المارونيّ، الكردينال مار بشارة بطرس الراعي يوم السبت، التاسع والعشرون من حزيران/يونيو 2024، بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة حملايا -عاونه فيه المطران أنطوان بو نجم راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة وبعض من الآباء الكهنة بحضور فاعليّات من أبناء حملايا ومحبّي القدّيسة رفقا.

 

تزامنت مناسبتان كبيرتان في التاسع والعشرين من حزيران/يونيو 2024، ولأجلهما احتفل البطريرك المارونيّ، الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بالقدّاس الإلهيّ في حملايا، هما عيد القدّيسين بطرس وبولس وعيد القدّيسة رفقا شبق الريّس ابنة حملايا.  

كانت للبطريرك الراعي كلمة بعد الإنجيل ركّز فيها على الآية "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ".  

قال البطريرك: "اليوم نحتفل بعيدين كبيرين، عيد الرسولين بطرس وبولس، وعيد ميلاد القدّيسة رفقا. تعرفون أنّ اسمها الأوّل كان بطرسيّة، ثمّ اتّخذت في الرهبنة اسم والداتها "رفقا" وهي فقدتها في سنّ ستّ سنوات وكانت هذه الصدمة الأولى في حياتهاـ تلتها صدمة ثانية وهي زواج والدها فيما كانت في دمشق في خدمة عائلة مؤمنة. لمّا عادت بطرسيّة، فوجئت بامرأة في بيتها، زوجة والدها، فتأثّرت كثيرًا على أمّها وفهمت أنّ طريقها صعب، والصليب رفيقها، وهكذا راحت تفكّر بمعنى إيمانها بالمسيح".  

تابع البطريرك الراعي: " ]أنت هو المسيح ابن الله الحيّ[. هذا هو إيمان بطرس الذي قال له يسوع أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، والكنيسة تُبنى من جيل إلى جيل على صخرة إيمان المؤمنين بالمسيح. هكذا بدأت بطرسيّة حياتها، ودخلت جمعيّة المريمات في بكفيّا بعد ان دلّها على ذلك مرشدها الخوري يوسف الجميّل الذي دعاها زنبقة حملايا. في الجمعيّة المذكورة، انطلقت رفقا بإيمان كبير، وثابت شكّل فضيلتها الأساسيّة، وهو فضيلة كلّ مسيحيّ، فمن دونه لا ننفع شيئًا. تعلّمت رفقا القراءة والكتابة حتّى صارت ملقّنة للتعليم المسيحيّ في بكفيّا والشبانيّة ودير القمر وجبيل ومعاد، وحيثما حلّت، تركت أثرًا بالغًا في النفوس، لأنّها عاشت وفق قوّة الإيمان. ثمّ أتتها صدمةٌ أخرى عندما حُلّت جمعيّة المريمات وضُمّت إلى جمعيّة قلبَي يسوع ومريم، وأُرسل خبر إلى الراهبات للاختيار بين الجمعيّة الجديدة أو العودة الى العالم. اضطربت رفقا للغاية، وكانت حينها في معاد، فصلّت واستلهت الله وإذا برؤيا من ثلاثة رهبان، مار أنطونيوس الكبير، ومار سمعان العاموديّ، ومار جرجس لأنّها كانت في كنيسته في معاد، وسمعت صوتًا يقول لها "ستترهّبين" في الرهبنة اللبنانيّة، وهكذا دخلت دير مار سمعان في أيطو. في تلك الفترة أوصى بها أنطوان عيسى عند رئيسة الدير في أيطو بأنْ "تصل إليكم نعجة". نعجة بتواضعها وأخلاقها ولكن صنديدٌ في إيمانها وصبرها وحبّها، وهكذا حملت اللقبين منذ بداية حياتها: زنبقة حملايا والنعجة".

أكمل البطريرك الراعي: "وفي يوم أحد الورديّة، عام 1885 سجدت أمام القربان و"عاتبت" حبيب قلبها يسوع: "ربّي لماذا لا تفكّر فيّي وتشركني في آلامك..."، ليس حبًّا بالألم، بالطبع، وإنّما حبًّا بيسوع فتشاركه آلامه ومن هو الحبيب الذي لا يريد مشاركة حبيبه في كلّ شيء؟ في الليلة عينها، ابتدأ الوجع في رأسها، ثمّ تفاقم أكثر فأكثر حتّى أمست عمياء، وتسلّل أيضًا إلى جسمها كلّه حتّى باتت مفكّكة كلّيًّا. 17 سنة في دير مار سمعان أيطو، و 19 سنة في دير جربتا، ورفقا تعاني من العمى ومن فقدان قواها الجسديّة كلّها وصارت حاملة جرح المسيح السادس. ومع ذلك، عاشت بفرح عظيم، ولو لم يسلم منها سوى صوتها الجميل وأصابعها لِتعمل بها.

ماذا تعلّمنا القدّيسة رفقا؟ تعلّمنا اليوم ونحن نعيش ظروفًا صعبة للغاية، أن نجعل هذه الصعوبات وسيلة للثبات في الإيمان، وأن نعيش ما قاله القدّيس بولس الرسول، وهو أن نُتمّ في جسدنا ما نقص من آلام المسيح من أجل الكنيسة".

"أيَّها الإخوة"، قال البطريرك، "دعونا لا نقلّل من حجم الظروف التي نمرّ بها وصعوبتها، فهي دعوة لنا إلى أن نشارك المسيح في حمل صليب الفداء. العالم بحاجة إلى من يفتديه، وهذه دعوتنا في لبنان اليوم، وبهذا الإيمان يجب أن نقبل بالواقع الذي نعيشه اليوم".

"نعم، عاشت القدّيسة رفقا إيمان بطرس وبولس الذي لم يتزعزع، ونحن أيضًا ينبغي أن نتعلّم مشاركة المسيح في مسيرة الفداء، وهذا مطلبي منكم، ألّا ندع آلامنا ومعاناتنا من دون معنى، بل أن نتشاركها مع المسيح، كي نعيش بفرح وصبر ومن دون قلق. بهذا القول أريد أن أتمنّى لكم ولعائلاتكم وللبنان، والعالم عيدين مباركين، عيد القدّيسين بطرس وبولس، وعيد القدّيسة رفقا. آمين".