لبنان
26 آب 2024, 09:00

"دعوتنا اليوم الّا ننجرّ وراء العالم ومغرياته": المطران عوده

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المطران الياس عوده، راعي أبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس بالقدّاس الإلهيّ لنهار الأحد 25 آب/أغسطس ٢٠٢٤ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في وسط بيروت، بحضور فاعليّات دينيّة ومدنيّة وحشد من المؤمنين.

 

ألقى المطران عوده، بعد قراءة إنجيل الأحد عظة قال فيها: "بعدما أشبع الربّ الجموع، انبهر الناس من المعجزة فأرادوا أن يختطفوا الربّ يسوع ويجعلوه ملكًا (يو 6: 14-15)، لأنّهم اعتبروا ألّا ملك أفضل منه، يهتمّ لأمرهم ويشبعهم بلا تعب، ويستطيع تخليصهم من الرومان. كلّ همّ الشعب كان أن يحصلوا على البركات المادّيّة والمجد العالميّ. وبما أنّ تلاميذ الربّ كانوا من الشعب، فلا بدّ من أن يكونوا قد تأثّروا بتلك الأفكار. أمّ ابني زبدى مثلًا طلبت أن يكون ولداها واحدٌ عن يمينه والآخر عن يساره. وبما أنّ المسيح رفض الملك الأرضيّ، فقد حدث تذمّرٌ في مصفّ التلاميذ، فقدوا بسببه سلامهم الداخليّ. لذا، أراد المسيح أن يعلّمهم درسًا لا ينسى، فأدخلهم السفينة وطلب منهم أن يسبقوه إلى العبر ثمّ سمح بأن تهبّ ريحٌ. في تلك الأثناء كان الربّ وحده على الجبل يصلّي، وكان يحمل تلاميذه في صلاته ليعلموا أنّ المادّيّات زائلةٌ، وأنّ قربهم من الله هو وحده الكنز الأثمن..."

أضاف المطران عوده: "في أثناء وجودهم في وسط العاصفة، جاء الربّ يسوع إلى تلاميذه ماشيًا على المياه، لكنّهم لم يعرفوه، وظنّوه خيالًا، فطمأنهم، إلّا أنّ بطرس أراد أن يتأكّد من حقيقته، فطلب أن يذهب إليه قائلًا: «يا ربّ، إن كنت أنت هو فمرني أن آتي إليك على المياه». بطرس يمثّل كلّ واحد منّا، نحن الذين نعيش في وسط العالم، تحيط بنا أمواج بحر هذا العمر الهائج، محاولةً إغراقنا. المسيح موجودٌ دائمًا في وسط العواصف ليحفظنا ويطمئننا، لكنّنا نشكّ في وجوده لأنّ الاضطرابات العالميّة تشوّش بصرنا وبصيرتنا. نطلب الربّ، وفي سيرنا نحوه نتلهّى بشتّى الأمور فنغرق في منتصف الطريق، ونظنّ أنّ الربّ هو من تخلّى عنّا، لكنّ الحقيقة أنّنا نحن من تلهّينا عنه وانجذبنا إلى أمور العالم فغرقنا. الطريقة الوحيدة للنجاة هي أن نصرخ مثل بطرس: «يا ربّ نجّني» والربّ يتدخّل في الوقت المناسب ويمدّ يده ليخلّصنا...

صعود المسيح إلى الجبل يشبه اختلاء التلاميذ في السفينة بعيدًا عن العالم. يكمن الفرق في أنّ الربّ صعد إلى الجبل ليصلّي، فيما التلاميذ غرقوا في اضطراباتهم العالميّة، وبدلًا من أن يصلّوا عندما واجهتهم المتاعب جزعوا وارتعبوا ولم يهرعوا إلى الملجأ الأوّل الحصين، أي الله".

أردف المطران عوده قائلًا: "حاليّا، تواجه الكنيسةَ تيّاراتٌ غريبةٌ متعدّدة الاتّجاهات والتوجّهات، والناس يصدّقون المدّعين وينجرّون وراء المعثّرين، ويتحدّثون عن الكنيسة بالباطل، لأنّها لا تجاري أفكارهم العالميّة. الكنيسة موجودةٌ منذ العنصرة، والشيطان يحاربها بشتّى الطرق كما حارب رأسها-المسيح، لكنّ ربّنا داس قوّة الشيطان بصليبه، وهذا الجرح العميق أثار حقد ملك الظلام الذي لا يريد خلاص أحد. سبيلنا إلى الخلاص هو التشبّث بخشبة الصليب، والابتهاج بالقيامة من موت الخطيئة عبر عدم الرغبة في العودة إليها والغرق في وسخها.

بلدنا أيضًا تلفحه العواصف وتهدّده الحروب، وأبناؤه مضطربون يخشون الهلاك ويفتّشون عن الخلاص باللجوء إلى الزعماء أو الانخراط في الأحزاب أو التقوقع في الطائفة أو العشيرة، أو الانغلاق ورفض الحلول البسيطة الناجعة وأوّلها اللجوء إلى الله وإلى كنف الوطن، والإيمان بأنّ في الاتّحاد قوّة فيما التشتّت يضعف واللجوء إلى الخارج يؤدّي إلى الهلاك. لذا علينا العمل من أجل لمّ أشلاء هذا البلد وإحياء مؤسّساته بدءًا برئاسة الجمهوريّة، لتنطلق في العمل الدؤوب لإبعاد شبح الحرب وإنقاذ السفينة اللبنانيّة من الغرق..."

ختم المطران عوده كلامه بالقول: "دعوتنا اليوم ألّا ننجرّ وراء العالم ومغرياته، ولا وراء الأفكار التي يبثّها خدّام الشيطان في هذا العالم في سبيل تفكيك الأوطان وتشويش المجتمعات وإفقار الشعوب وإبادة الحضارات ومحاربة الكنيسة وكلّ من أراد أن يتبع المسيح. «إعرفوا الحقّ والحقّ يحرّركم» (يو 8: 38)، آمين.