لبنان
22 تموز 2024, 07:00

"دعوتنا أن نقول كلمة الحقّ أمام الجميع بلا خوف" المطران إلياس عوده

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المطران الياس عوده، راعي أبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس بالقدّاس الإلهيّ لنهار الأحد 21 تمّوز/يوليو ٢٠٢٤ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في وسط بيروت، بحضور فاعليّات دينيّة ومدنيّة وحشد من المؤمنين.

 

قُرئ الإنجيل بحسب القدّيس متّى (٥: ١- ٧: ٢٨) وهو عن الموعظة على الجبل، وكانت للمطران عوده كلمة تعليميّة قال فيه:  

 

"ترتيب الكنيسة أن تقرأ النصوص الإنجيليّة في تسلسل يوميّ غايته السير بنا نحو استيعاب البشارة الإلهيّة. عزْلُ أيّ مقطع إنجيليّ عن سياقه النصّيّ، ينتج فهمًا ناقصًا أو مغلوطًا للكلمة الإلهيّة. لهذا، سننطلق من بضع آيات سبقت إنجيل اليوم، من نزول الربّ يسوع من الجبل بعدما ألقى على سامعيه «الموعظة على الجبل»، الممتدّة على مدى ثلاثة إصحاحات كاملة من إنجيل متّى (٥: ١- ٧: ٢٨).

عندما نزل الربّ من الجبل، تتبّعته جموعٌ كثيرةٌ، فأتى إليه أبرص «وسجد له قائلًا: يا سيّد، إن أردت تقدر أن تطهّرني» (مت ٨: ١). حالًا، بِلَمسة يد السيّد، كان له ما أراد. كان هذا الأبرص يهوديًّا، فأمره الربّ أن يذهب إلى الكاهن، عملًا بالشريعة (لا ١٣: ١-٤٦).

حادثة الشفاء هذه لا تخاطب الأبرص وحده، بل كلّ الذين كانوا يتبعون السيّد، «تبعته جموعٌ كثيرةٌ» وهكذا فكثيرين شهدوا على لمسة يد الربّ التي أعادت الطهر والحياة إلى الجسد المتآكل، وعلى كلمته التي ثبّتت الشريعة. لعلّ حادثة الشفاء هذه، بتوقيتها، كانت الدرس التطبيقيّ الأوّل لتعاليم السيّد، ليأتي الدرس الثاني عبر قائد المئة.

يبدو أنّ قائد المئة، ممّا نسمع من وصفه لحالة عبده، كان متألّمًا من أجله كأب تجاه ابنه. لا شكّ أنّ لوقا لم يدرج عبارة «كان عزيزًا عنده» (لو ٧: ٢) عبثًا. مشاعر كهذه، تجاه عبد، ما كانت لتوجد لو لم تكن في قلب هذا الضابط رأفةٌ ومحبّةٌ. حتّى يهود المحلّة نراهم يشهدون أمام السيّد بأنّ هذا الضابط الغريب والوثنيّ مستحقٌّ المساعدة (لو ٧: ٥). إذًا، أصل الصلاح الذي من صورة الله ومثاله كامنٌ في هذا الرجل، وإن كان رومانيًّا عابدًا للأوثان".

تابع المطران عوده قال: "يمثّل هذا الرجل النفس البشريّة وما آلت إليه من جهل تامّ لحياة الشركة مع الله بسبب ابتعادها عنه واستسلامها لشريعة الدنيا، وقد صارت معذّبةً جدًّا، ترى كيانها كلّه مفلوجًا. لكن ما إن سمعت عن السيّد المخلّص، من خلال كلام البشارة، حتّى سارعت إليه بالإيمان العفويّ، طارحةً عند قدميه يأسها، ورافعةً إليه رجاءها فسمعت السيّد المبادر السبّاق كعادته يقول «أنا آتي وأشفيه». من يدنو من السيّد بهذا القلب الخاشع المتواضع لا يرذله السيّد. ألم يأت «من أجل هؤلاء» (لو: 18). بيد أنّ تحقيق شفاء كهذا له ثلاثة شروط: أن تدرك بؤس حالك وأن تعي باتّضاع أنّك غير مستحقّ وأن تتقدّم إلى السيّد واثقًا لا بسلطانه فقط بل بمحبّته ورأفته أيضًا".

قال المطران أيضًا: "لقد أعلن الضابط الرومانيّ، بشهادة السيّد نفسه، وبعفويّة صادقة، إيمانًا فاق بأضعاف إيمان اليهود الذين أعطاهم الله عهوده وشرائعه كلّها وأنبياءه وتدابيره الخلاصيّة جميعها، واحتمل عصيانهم المتكرّر. أتى الضابط إلى السيّد بقلب خاشع عارفًا أنّه صاحب السلطان، هو الآمر منذ البدء، معلنًا أنّه فهم سلطان الربّ: «يا ربّ...قل كلمةً لا غير فيبرأ فتاي..."، مدركًا أنّ المسيح، بكلمته فقط، يأمر المرض أن يرحل عن غلامه الحبيب فيرحل، ويأمر العافية أن ترجع إليه فترجع. هذا الذي لم يعرف السيّد إلّا من خلال ما سمع عنه، لم يكن يعرف الناموس ولا تعاليم الأنبياء، لكنّه قدّم للسيّد إيمانًا واعترافًا وفوقهما رجاء، لم يقدّمها الذين أعطاهم السيّد كلّ شيء (لو ٢: ٢٩-٣٢).

هذا الرجل يجسّد قول الرسول بولس: «الذين ليس عندهم الناموس، متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس، فهؤلاء وليس لهم الناموس هم ناموسٌ لأنفسهم، الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبًا في قلوبهم» (رو ٢: ١٤-١٥). مثل هؤلاء يكون لهم بحسب رجائهم. قال يسوع لقائد المئة: «إذهب وليكن لك كما آمنت، فشفي فتاه في تلك الساعة".

أضاف المطران عوده: "عيّدنا البارحة للنّبيّ إلياس الغيور، الذي نصلّي أن يكون مثالًا لرجال هذا البلد بغيرته العظيمة (1 مل 19 :10) فيقولوا: "غيرةً غرنا للبنان". المسؤول الحقيقيّ لا يبثّ اليأس في نفوس مواطنيه، ولا يقبل لهم الذلّ والفقر بل يمنع عنهم الخطر، يعمل من أجل بلده، وفق دستوره وقوانينه...مبعدًا عنه كلّ شرّ وأذىً، ومشجّعًا أبناءه على البقاء فيه بثبات وعزّة، رافضين أيّ يد غريبة تمتدّ لتعبث به..."

ختم المطران عوده قال: "دعوتنا اليوم أن نصرخ بكلمة الحقّ أمام الجميع، بلا خوف، على مثال قائد المئة الذي لم يجزع من أحد، بل اعترف بالربّ مخلّصًا، ومثل النبيّ إيليا الذي حتّمت عليه غيرته للربّ النطقَ بالحقّ من دون خوف من سلطة أرضيّة أو من موت جسديّ، آمين".