"دعوتنا أن نستعيد بصرنا وبصيرتنا، ونعتنق المحبّة، ونبشّر بالعدل والحقّ والانعتاق": المطران عوده
بعد إنجيل الأحد عن شفاء الربّ يسوع لأعمييْن وأخرس ألقى المطران عوده كلمته التعليميّة التي قال فيها: "يحدّثنا إنجيل اليوم عن شفاء الربّ يسوع لأعمييْن وأخرس. في ذلك الحين، كان العالم المقسوم بين يهود وأمم، قد أصيب كلّه بالعمى الروحيّ. فَقَدَ اليهود بصيرتهم الداخليّة بسبب الكبرياء وتعلّقهم بحرفيّة الناموس وانجذابهم إلى الرجاسات الوثنيّة، وفقدت الأمم أيضًا بصيرتَها بسبب العبادة الوثنيّة".
يمثّل الأعميان اللذان كانا يصرخان: «ارحمنا يا ابن داود» العالم كلّه، يهودًا وأممًا، العالمَ الذي يعلن حاجته إلى المسّيا المخلّص ابن داود، لكي يعيد إليه بصيرته الروحيّة. أمّا الأخرس فيمثّل البشريّة الصامتة زمانًا طويلًا، العاجزة عن أن تتواصل مع خالقها وأن تشكره وتسبّحه في قلبها وليس بالفم واللسان فقط.
لقد أصيبت أعيننا بالعمى بسبب الخطيئة، فانحرفنا عن الطريق، وصرنا نتخبّط في الظلمة. صمت اللسان الداخليّ عن الحديث السرّيّ الخفيّ مع الخالق، بسبب العداوة التي نشأت بين الإنسان والله كثمرة طبيعيّة للخطيئة، فصارت البشريّة كمن يسكنها شيطانٌ أخرس. جاء السيّد طاردًا روح الشرّ والخطيئة، لينطق اللسان الداخليّ بالحمد والتسبيح، وتصير طبيعتنا شاكرة عوض الجحود القديم. لهذا، تصرخ البشريّة بلسان كاتب المزامير: «أرسل نورك وحقّك، هما يهديانني ويأتيان بي إلى جبل قدسك وإلى مساكنك» (مز 43: 3)".
أكمل المطران تأمّله قال: "بتجسّده، سكن ابن الله بيننا كي نتمثّل به ونتقدّم إليه، ونتقبّل لمسات يده الإلهيّة على أعيننا الداخليّة. جاءنا «نور العالم» (يو 8: 12) معلنا أنّ من يتبعه لا يمشي في الظلام، وأنّه الطريق والحقّ والحياة (يو 14: 6). جاءنا الملتحف بالنور كثوب (مز 104: 2)، الذي ليست فيه ظلمةٌ البتّة (1يو 1: 5)، يشرق في الظلمة بنوره (إش58: 10)، نلبسه بالمعموديّة فنصير أبناء نور ونهار (1تس5: 5)، بل نصير به نورًا للعالم (مت 5: 14)".
أضاف عوده: "بعدما رأى يسوع إيمان الأعمييْن «لمس أعينهما قائلًا: كإيمانكما فليكن لكما» فانفتحت أعينهما وأبصرا النور الذي يضيئ الظلمة ويفضح العيوب. عندها طلب منهما يسوع ألّا يعلم أحدٌ، لكنّهما «خرجا وشهراه في تلك الأرض كلّها» (9: 31). شفاهما بمحبّته حتّى يبعث في الشعب روح الحبّ الخفيّ وعدم طلب المجد الباطل، فردّا بالشهادة له. لقد استنارت أعينهما فاشتهيا أن يتمجّد الطبيب السماويّ بفتح أعين الكلّ، ليعاينوا ما عايناه".
أردف المطران قائلًا: "من يرى النور، لا يقدر أن ينظر إخوته سالكين في الظلمة، بل يدعوهم إلى النور الذي ينعم به، كما فعلت السامريّة التي تركت جرّتها وخرجت إلى مدينتها تدعو الناس إلى المسيح. يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم للمواظبين على الاشتراك في اجتماعات الكنيسة: «علّموا الذين هم من خارج أنّكم في صحبة طغمة السيرافيم، محسوبين مع السماويّين...حيث تتحدّثون مع الربّ، وتكونون في صحبة السيّد المسيح".
قال المطران أيضًا: "لقد أدركت الجموع البسيطة عمل المسيح كمخلّص، بينما تعثّر أصحاب المعرفة النظريّة، الكتبة والفرّيسيّون الذين عوض أن يفرحوا بعودة البصر للأعميين والنطق للأخرس اتّهموا يسوع بأنّه «برئيس الشياطين يخرج الشياطين». بسبب كبرياء قلوبهم وتعبّدهم لذواتهم رأوا فيه رئيسًا للشياطين، لا مخلّصا منها. جاء السيّد يفتح أعين العميان، لكي تبصر بالإيمان ملكوت السماوات في القلب، فانفضح عمى الفرّيسيّين عارفي الكتب المقدّسة، فرفضوا المخلّص كجهلاء، وبدلًا من أن تصير قلوبهم سماء مقدّسة، ومسكنًا لله، يرتفعون بالشعب من مجد إلى مجد، التصقت قلوبهم بالتراب فانحدروا به من هوان إلى هوان، حتّى بلغوا أعماق الهاوية".
أضاف قائلًا: "هذه حال قادة بلدنا...العالم يغلي حولنا وطبول الحرب تقرع والقلق على المصير ينغّص حياة اللبنانيّين، والبلد بلا رئيس يقود عمليّة الإنقاذ والإصلاح، يتكلّم باسمه ويدافع عن حقوقه، يمثّله على طاولة المفاوضات المنتظرة ويرفض جعله ورقة للمساومة. كما أنّه بلا حكومة فاعلة تعمل على استدراك الوضع ومواكبة التطوّرات. لذا على الشعب أن يستفيق من تأثير الطائفيّة والعصبيّات القبليّة والحزبيّة وألّا يغيب عن ذهنه أنّ بلده يذهب فريسة للجشع والكبرياء والجهل والطمع وحبّ المجد الباطل".
انهى المطران عوده عظته بالقول:"دعوتنا اليوم أن نستعيد بصرنا وبصيرتنا، ونعتنق المحبّة التي لا تطلب ما لنفسها، ونبشّر بالعدل والحقّ والتحرّر من كلّ عبوديّة، وهكذا نستنير ونصبح نورًا للأمم، آمين".