لبنان
05 آب 2024, 12:40

"جاءت إليه تطلب الرحمة وفي قلبها إيمان عميق": البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق بقدّاس الأحد الموافق 4 آب/أغسطس 2024 وذلك في كنيسة الصرح البطريركيّ في الديمان، عاونه فيه النائب البطريركيّ العامّ وعدد من الآباء الكهنة وشاركت فيه فاعليّات من المنطقة وحشد من المؤمنين.

 

بعد قراءة الإنجيل من متّى (15: 28)، تأمّل البطريرك في هذه الآية "أيّتها المرأة، عظيم إيمانك، فليكن لك ما تريدين".

قال البطريرك الراعي في كلمته: "نقيم اليوم على مقربة من دير سيّدة قنّوبين مقرّ البطاركة من سنة 1400 حتّى سنة 1840، قدّاس الشكر لله على عطيّة الطوباويّ الجديد البطريرك مار إسطفان الدويهي، الذي عاش في هذا المقرّ طيلة بطريركيّته التي دامت أربعًا وثلاثين سنة، ما بين 1670 و 1704، ما عدا اضطراره مغادرته هربًا من جور الحكّام الحماديّين أو بسبب حوادث مع جباة الجزية. إنّه لنا اليوم علامة رجاء في المحنة.

فشكر الله على هذه الهبة السماويّة، وقداسة البابا فرنسيس الذي أمر بتسجيل اسمه بين الطوباويّين في السماء، والكردينال مرتشيلّو سيميرارو، الذي مثّل قداسته وأعلنه باسمه رسميًّا طوباويًّا وحدّد عيده في الثالث من أيّار/مايو، ميلاده في السماء.  

ثمّ قال: "أهنّئ الكنيسة المارونيّة والكنائس جميعها ورعايا إهدن-زغرتا، وقنّوبين والديمان والجبّة، ولبنان واللبنانيّن ومسيحيّي هذا الشرق، راجين تشفّعه من أجل هبة الرجاء والسلام والنعم السماويّة، ومن أجل سير العدالة في دعوى تفجير مرفأ بيروت في ذكراه الرابعة. فالطوباويّ الجديد، البطريرك مار إسطفان الدويهي هو مثال لنا في إيمانه بالله ورجائه وهو لنا "منارة علم وقداسة". إنّه منارة علم لأنّه ترك لنا وللأجيال المخطوطاتِ التاريخيّة والليترجيّة والمتنوّعَة. فلا أحد يستطيع أن يكتب وينقّب ويصحّح مثله. فهو أكبر البطاركة ولم يأتِ مثله ولن يأتي. وهو "منارة قداسة" ففي حياته كلّها إكليريكيًّا من عمر إحدى عشرة سنة تلميذًا في روما، وكاهنًا إثنتي عشرة سنة، وأسقفًا سنتين، وبطريركًا أربعًا وثلاثين سنة، تمرّس وكان رجل إيمان وصلاة وتقشّف وزهد وصبر على المحن التي رافقت حياته كلّها من الداخل والخارج. وهو لنا اليوم علامة رجاء".  

 

تابع البطريرك "أيّتها المرأة، عظيم إيمانك، فليكن لك ما تريدين"،

"بهذه العبارة امتدح الربّ يسوع إيمان المرأة الكنعانيّة الوثنيّة، وهي من الأمم الذين هم بحاجة إلى إنجيل المسيح. فمنذ أن نادته باسمه البيبليّ، وقعت مناداتها في قلبه وأراد امتحان إيمانها ثلاث مرّات، لإظهار متانة هذا الإيمان، وهو العارف ما في قلب الإنسان.

"يا ابن داود ارحمني" هو اسمه البيبليّ الذي لم يتوقّع سماعه في منطقة الكنعانيّين، في ساحل صور وصيدا. ويعني: "أيّها المسيح الآتي من صلب داود وحامل رحمة الله، ارحمني واشفِ ابنتي المريضة". فقال الربّ في نفسه: نحن هنا أمام إيمان عظيم يجب التوقّف عند"، فلم يجبها بكلمة أو التفاتة وهي تصرخ وراءه، حتّى انزعج التلاميذ وطلبوا إليه صرفها فأجابهم بشيء من التمييز العنصريّ: "ما أُرسلت إلّا إلى الخراف التي ضلّت من بيت إسرائيل" (متّى 15: 24). عندئذٍ أتت تلك المرأة وسجدت وقالت: "يا سيّدي، ساعدني!" (متّى 15: 15). وهنا كانت المفاجأة الكبرى من الربّ الذي أجابها بإهانة كآخر امتحان لإيمانها: "لا يحسن أن نأخذ خبز البنين ونطرحه للكلاب". أمّا هي فأجابته بتواضع أدهش الربّ: "نعم، يا سيّدي، والكلاب أيضًا تأكل من الفتات المتساقط من مائدة أربابها وتحيا". فما كان من ربّنا إلّا الإجابة: "عظيم إيمانكِ، يا امرأة، ليكن لكِ ما تريدين!" (متّى 15: 26-28)".

أضاف البطريرك: "جاءت تطلب الرحمة بكلّ احترام وتواضع، بل بإيمان مميّز وواثق وهي امرأة وثنيّة غريبة عن ثقافته. هي محنة الإيمان! الإيمان الحقيقيّ والسليم هو الذي يُمتحن بالصعوبات أيّا تكن...الإيمان يكبر ويصمد وينمو عبر صليب المحن والمصاعب.

يُشبه إهمال يسوع للمرأة الكنعانيّة بصمت الله الذي نناجيه بالصلاة، من وسط المحنة، وهو كأنّه غائب، لا يسمع. فلا بدّ من الثبات على الإيمان بوطيد الرجاء بأنّ الله يتدخّل ساعة يشاء، وبأنّ تدخّله يؤول دائمًا إلى خير الذين يتّقونه (روم 8: 28)".  

أكمل البطريرك الراعي تعليمه قال: "نتعلّم من هذه الحادثة ثقافة اللقاء. فلكلّ لقاء إيجابيّاته. فلا يجوز ولا يحقّ أن يعيش أي إنسان متقوقعًا على ذاته، منشغلًا فقط بأموره الشخصيّة، مكتفيًا بذاته وبما عنده.

تصادف اليوم الذكرى الرابعة لتفجير مرفأ بيروت، فإنّنا ومطارنة الأبرشيّات كلّها في لبنان والأراضي البطريركيّة وبلدان الانتشار، نجدّد إدانتنا لهذا التفجير الذي أوقع مئات القتلى وآلاف الجرحى وهدّم نصف العاصمة. كما نجدّد تعازينا القلبيّة لأهالي الضحايا سائلين للآخِرين الراحة الأبديّة وللأوّلين العزاء الإلهيّ. ونقدّم صلاتنا من أجل شفاء الجرحى. ونطالب برفع التدخّلات السياسيّة والحزبيّة عن القضاء لكي يستطيع التحرّك من أجل العدالة والحقيقة لكي لا يتكرّر مثل هذا الجرم..."

ثمّ تطرّق البطريرك الراعي إلى موضوع امتحانات الشهادة الثانويّة الأخيرة شاجبًا " مدى التفشّي الهائل للفساد والإخفاق التامّ في إدارة الإمتحانات الرسميّة"...فـ"لا عجب أن تحجم الجامعات الأجنبيّة عن قبول الشهادة اللبنانيّة"...

وختم البطريرك بالدعوة إلى الصلاة "إلى الله، بشفاعة الطوباويّ الجديد البطريرك مار إسطفان، كي يرحم ضحايا تفجير المرفأ ويحرّر القضاء، ويعيد إلى لبنان زهرة العلم وقداسة السيرة. له المجد والشكر، الآن وإلى الأبد، آمين."