"تريزيا إختارت ليكون ليسوع مكانًا في إسمها وحياتها ورسالتها": الأباتي رزق
بعد الإنجيل المقدس ألقي الأب رزق عظة قال فيها: "طفلةٌ صغيرةٌ تجمعنا اليوم حول مائدة الربّ، حول مائدة الحب! طفلةٌ قلبها وسع السماء، وحبّها يمطر ورودًا وعزاءً ورجاءً، وصلاتها تغيّر أقسى القلوب! صريحةٌ في حبّها ليسوع وإيمانها به، وكيف لا؟ وهي ثمرة والدين قدّيسين، قالت عنهما: "أعطاني الرب والدين، هما أقرب إلى السماء منها إلى الأرض". وأمّا أخواتها الأربعة فقد كنّ أيضًا راهبات، منهنّ Soeur Léonie الّتي فتحت الكنيسة الكاثوليكيّة دعوى قداستها سنة 2015 !
في عيدها اليوم، أريد أن نتأمّل معًا باسمها الّذي نحبه كثيرًا في لبنان. و"تريزيا" يجد مصدره في اللغة اليونانيّة ومعناه "الّذي يحصد"؛ وفي حياتها الرهبانيّة اختارت لنفسها اسم "تريزيا الطفل يسوع والوجه الأقدس"، ليكون ليسوع مكانًا في إسمها وحياتها ورسالتها، مختارةً هكذا أن تكون رسالتها رسالة "طفولةٍ" و"قداسةٍ"، حملتها في روحها وفي وجهها، فكان الربّ يحصد من خلالها توبة نفوس كثيرة.
صادقت نفس تيريزيا الحبّ الإلهي فسارت معه، متفانيةً في الصلاة من أجل النفوس، تودّ أن ينتصر يسوع ضدّ الشرير والشرور، وألّا يخسر أيّ نفسٍ. صلّت لـPranzini ليتوب، وكم كانت فرحتها كبيرةً برجوعه إلى يسوع قبل موته. وصلّت من أجل الرسالات والـمرسلين الذّين يحملون راية الحبّ الإلهي وكلمته إلى أقاصي الأرض، تاركين أهلهم وساعين فقط للبشارة بالإنجيل!
ومع أنّها ولدت في عائلةٍ بورجوازية، لم يكن عمل الخير وحده عربونًا لعيشها الإيمان والمحبّة، إنّما قدّمت فكرها ونفسها وقلبها، وعملها وصمتها وتحمّلها للانتقادات، وأجمل ما تعلّمنا أنّها قبلت نفسها بصغرها وضعفها، كما تقول في الترتيلة " أنت الّذي يعرف أقصى درجات صغري..." وهكذا اتكلت على يسوع كي تنمو وتكبر بالنعمة بحضوره في قلبها وحياتها.
مرّت السنين (مئة وسبع وعشرون سنةٍ) على دخول تيريزيا الصغيرة الحياة الأبديّة، وهي لا زالت تمطر ورودًا من السماء في حياة من يقصدها ومن يطلب شفاعتها.
أضاف الأب رزق: نأتي إلى تريزيا بأسئلةٍ كثيرةٍ، نطلب منها الآيات والإيجابات، ولكن ألا نريد أن نتعلّم منها شيئًا، وهي في بساطة إيمانها، أعلنتها الكنيسة ملفانةً ؟
- تعلّمنا أنّ في صغرنا شوقٌ كبيرٌ إلى عظمة الربّ، الّذي يعتني فينا مثل ما يعتني بكلّ مخلوقاته، فنحن له "أفضل من عصافير كثيرة"!
- تعلّمنا تيريزيا أنّ الحبّ إذا اجتاح القلوب، يجعل فيها عرشه ويزرع فيها الفرح، فهي ما انفكّت تردّد " يسوع، فرحي هو أن أحبّك".
- تعلّمنا كيف نعود أطفالاً لندخل ملكوت السماوات، إذ نحيا الحبّ والعطاء في الأمور اليوميّة ونتكّل اتّكالاً كليًّا على الله ونثق ثقةً عمياء بعنايته وسهره علينا. وهي كما وصفها القدّيس البابا يوحنّا بولس الثني "الخبيرة في علم الحب" لأنّها اهتمّت ولا زالت تهتمّ حتى يومنا هذا بمساعدة النفوس البسيطة والنفوس الخاطئة والمتألّمة الّتي تسألها العناية. وهكذا ببساطةٍ تنير قدّيستنا الصغيرة وجه الكنيسة بإشراق قلبها ومقاصدها لمساعدة يسوع في مشروعه الخلاصيّ، في كسب النفوس.
- تعلّمنا أنّ ظلمة الأحداث لا يمكنها أن تخمد فينا نور المسيح، وأنّه يمكننا أن نكون رسلاً في التبشير من حيث نحن الآن، نحمل الكلمة إلى القلوب ونحيا المشورات الإنجيليّة بتجرّدٍ تام، فنكون سندًا للكنيسة ندعمها بالصلاة والأعمال الصغيرة ... هكذا أصبحتْ هي شفيعة الرسالات، دون أن تترك ديرها.
- تعلّمنا القدّيسة أنّ عمل الخير لا يحدّه حدود، لا زمانٌ ولا مكان، فهي تردّد : "سأقضي حياتي في السماء أعمل الخير على الأرض".
ختم الأباتي رزق بقوله: صلاتي اليوم، أنّ نؤمن أنّ الله وحده قادرٌ أن يخلّصنا، وأنّه لا يتركنا في الظلمة، ولسنا وحدنا في الطريق، فهو يضع في حياتنا مناراتٍ صغيرةً ترشدنا إليه وهم القدّيسين الّذين يعلّموننا أن نقترب منه دون خوف. نحن أقوياء به، وحياتنا مرآةٌ لحبّه وعنايته. ندعوه الآن كما دعته تريزيا "تعال إلى قلبنا... لأنّ قلبنا يتوق إليك!" لك المجد ولأبيك، ولروحك القدّوس، الآن وكلّ آن وإلى الأبد. آمين.