"ترمز مجموعة الأجيال الثلاثة إلى مسيرة شعب الله نحو المسيح": البطريرك الراعي
بعد قراءة الإنجيل المقدّس، تناول البطريرك في كلمته أوّلًا شؤونًا روحيّة متأمّلًا في ما ورد في إنجيل القدّيس متّى حول "كتاب يسوع المسيح، ابن داود ابن ابراهيم (مت 1: 1) وقال: "في هذا الأحد السابق لميلاد ابن الله منذ الأزل، إنسانًا في الزمن بالجسد من البتول مريم بفعل الروح القدس، تتلو الكنيسة إنجيل نسب يسوع المسيح إلى العائلة البشريّة، انحدارًا من إبراهيم وداود، وصولًا إلى يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع. في البشارة لمريم والبيان ليوسف، انكشف لنا سرَّ المسيح أنّه ابن الله. أمّا في إنجيل نسبه فهو ابن الإنسان. فابن الله صار إنسانًا بالمشاركة والتضامن مع البشريّة جمعاء، من أجل فداء الناس أجمعين وخلاصهم. في هذا اليوم، على كلّ واحد وواحدة منّا أن يقول: "من أجلي شخصيًّا صار ابن الله إنسانًا لفدائي الشخصيّ وخلاصي".
كتاب يسوع المسيح ابن داود أي أنّه المسيح الملك الجديد المنتظر، وابن إبراهيم أي محقّق مواعيد الله الخلاصيّة لإبراهيم. وهو عمّانوئيل، "إلهنا معنا" (متّى 1: 23).
وبالنسبة إلى الإنجيليّين الأربعة، بدأ متّى إنجيله بوجه يسوع الإنسانيّ وقد سلسل نسبَه البشريّ لإظهار انتمائه إلى سلالة البشر ويمثّل متّى بالإنسان؛ وبدأ مرقس إنجيله بـ"صوت يوحنّا الصارخ: في البريّة أعدّوا طريق الربّ" فيمثّل مرقس بالأسد، وبدأ لوقا إنجيله بميلاد يسوع في مذود ويمثّل لوقا بالثور، أمّا يوحنّا فيمثَّل بالنسر وهو حلّق في سماء كلمة الله.
نجد في الإنجيل نسبيْن ليسوع: الأوّل في إنجيل متّى انحداري من إبراهيم إلى يوسف رجل مريم. والثاني في إنجيل لوقا تصاعديّ من يوسف إلى آدم الذي هو من الله (لو 3: 23-38). قصد القدّيس متّى التأكيد أنّ يسوع هو المسيح المنتظر من سلالة داود الملك، ومحقّق مواعيد الله الخلاصيّة لإبراهيم. أمّا القدّيس لوقا فيكمّل رؤية متّى، مبيّنًا أنّ يسوع هو آدم الجديد، وأبو البشريّة جمعاء المفتداة، ومخلّص جميع البشر من أي عرق أو دين كانوا. ويتفرّد لوقا (2/1-7) بالحديث عن تسجيل يسوع مع أبيه وأمّه، في الإحصاء الذي اضطرّ يوسف ومريم الحبلى بيسوع على السفر من الناصرة إلى مدينة داود للاكتتاب. وفي هذه الأثناء ولد الطفل في بيت لحم وسجّل في أسرة يوسف ومريم: "يسوع بن يوسف الذي من الناصرة" (يو 1/ 45). هذا يعلن بوضوح انتماء يسوع إلى الجنس البشريّ، إنسانًا بين الناس، من سكّان هذا العالم، خاضعًا للشريعة وللمؤسّسات المدنيّة، ولكن مخلّصًا للعالم أيضًا. "وهذا الذي اكتتب في الإحصاء المسكونيّ مع البشريّة جمعاء، إنّما أراد أن يُحصي الناس أجمعين معه في سفر الأحياء، ويسجّل في السماوات مع القدّيسين كلّ الذين يؤمنون به".
أمّا مجموعة الأجيال الثلاثة فترمز إلى مسيرة شعب الله نحو المسيح، الذي هو محور البشريّة والتاريخ. المجموعة الأولى من إبراهيم إلى داود هي مسيرة الإيمان من إبراهيم حتّى تنظيم الملوكيّة مع داود وهي عهد البطاركة (الآباء)؛ المجموعة الثانية من داود إلى سبي بابل هي رمز الخطيئة وهي عهد الملوك؛ المجموعة الثالثة من سبي بابل إلى المسيح هي رمز وعد الله الذي ما زال قائمًا، لأنّ الله صادق في الوعد وفي أمانته إلى الأبد، حتّى تحقُّق الوعد في المسيح، وهي عهد ما بعد المنفى (السبي).