لبنان
03 حزيران 2024, 05:55

"بمحبّة المسيح يصبح الإنسان مسكنًا لله": البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، في الأحد الثالث من زمن العنصرة، بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة الصرح البطريركيّ وكانت قراءة الإنجيل بحسب القدّيس يوحنّا عن المحبّة ليسوع المسيح.

 

ركّز البطريرك الراعي عظته حول آية "من يحبّني يحفظ كلمتي...(يو 14: 23)، قال: "العلاقة بين المسيح وتلاميذه... إنّما تقوم على المحبّة قبل أيّ شيء آخر. وذلك أنّ من يحبّ يؤمن ويثبّت إيمانه برجاء وطيد. ثمّ إنّ الإنسان بمحبّته للمسيح الربّ يصبح مسكنًا لله كما يؤكّد الربّ يسوع في إنجيل اليوم: "من يحبّني يحفظ كلمتي، وأبي يحبّه، وإليه نأتي، وعنده نجعل منزلًا" (يو14: 23). يا لقوّة الحبّ، حبّ الله القائم على حفظ كلمته. فكيف يحبّه من يجهل كلمته؟ وكيف يصمد بوجه التجارب إذا جهل كلام الله؟ وإذا تساءلنا عن عدد الذين يجهلون كلام الله، لامتلأنا خجلًا، ولتساءلنا عمّا فعلنا من أجل أن يعرف المسيحيّون كلام الله، لكي يحبّوه."

وتابع البطريرك الراعي قائلًا: " قدّاسنا اليوم على نيّة المزارعين فأحيّيهم حيثما هم...تشكّل الأرض من جهةٍ عنصرًا جوهريًّا من الهوّيّة الوطنيّة وهذا ما أكّده المجمع البطريركيّ المارونيّ... ما شكلّ حافزًا للبطريركيّة والأبرشيّات والرهبانيّات وأبناء الكنيسة لاستثمار الأراضي في مجال الزراعة، ومن جهةٍ أخرى تشكّل الزراعة أهميّة استراتيجيّة لتحقيق الأمن الغذائيّ عبر تأمين حاجة لبنان من الغذاء. والتعاون مستمرّ بين البطريركيّة والأبرشيّات والرهبانيّات والهيئات كلّها ذات الصلة لإبقاء المزارع في أرضه والحدّ من النزوح والهجرة وبيع الأراضي الزراعيّة وخلق فرص عمل."

ثمّ توجّه البطريرك إلى الدولة، قال: "ندعو الدولة إلى دعم القطاع الزراعيّ وجعله أساسيًّا في الاقتصاد الوطنيّ وتحسين سبل عيش المزارعين والمنتجين وزيادة القدرة الإنتاجيّة وتعزيز كفاءة الإنتاج الزراعيّ والغذائيّ وتحسين التكيّف مع التغيّير المناخيّ واستدامة نظم الزراعة والغذاء والموارد الطبيعيّة."

كما تمنّى على اللبنانيّين المنتشرين في أنحاء العالم "مواكبة وزارة الزراعة لتسويق المنتوجات الزراعيّة النباتيّة والحيوانيّة والمونة والصناعات الغذائيّة لأنّ ذلك يدخل العملة الصعبة إلى لبنان. ونناشد المنظّمات الدوليّة والهيئات المانحة احتضانَ القطاع الزراعيّ ودعمه أكثر للنهوض به وتأمين شبكة الأمان الغذائيّ وجعله أكبر صمودًا وشموليّة واستدامة."

بعد ذلك، تناول البطريرك الآية المحوريّة في الإنجيل وتأمّل فيها، قال: "محبّة كلام الله هي محبّة الله نفسه. يقول القدّيس غريغوريوس الكبير: "إذا جاءك صديق غنيّ، فإنّك تسارع لتنظيف بيتك، خشية أن تتأذّى عيناه من بعض أمور البيت غير اللائقة. هكذا فلينظّف المؤمن بيته من سيّء الأفكار والأعمال الشريرة."

الله يسكن فينا بعد تنقية مسكننا الداخليّ. ونستطيع ذلك بحفظ وصاياه وتعليم المسيح في الإنجيل والكنيسة. فهي تلتهم الرذائل والأهواء، وتجعل النفس هيكلًا طاهرًا جديرًا بالله. يقول القدّيس كيرللس الإسكندريّ: "إذا كنّا نحن نأنف من القذارة والنتانة في بيوتنا، فنرميها خارجًا، أفلا نأنف من قذارة الأفكار السيّئة والخطايا التي تولّد النتانة في عقولنا وإرادتنا وقلوبنا؟ كيف يستطيع الله أن يأتي إلى نفوسنا ويجعل منها له منزلًا؟"

تابع البطريرك شرحه قال: "يهبنا ربّنا يسوع الروح القدس، البارقليط أي المؤيّد والمعزّي الذي يشفع بنا نحن الضعفاء والخطأة...الروح القدس المعزّي حاضر في كلّ فرد وفي كلّ مكان. هو بسيط في جوهره ومتنوّع في مواهبه وقواه. موزّع من غير تبدّل. مشارَك فيه بشكل كامل، على مثال أشعّة الشمس: فكلّ واحد منّا ينعم بالشمس وكأنّها موجودة من أجله فقط. وينعم به كلُّ من يشارك فيه على قدر طبيعته، لا على قدر طاقته (القدّيس باسيليوس الكبير)."

وأضاف البطريرك الراعي: "النفوس التي تحمل الروح تستنير به، فتصبح روحانيّة، وتبعث النعمة في الآخرين. وتقرأ علامات الأزمنة، وتفهم الأسرار، وتدرك الخفايا، وتقيّم المواهب.

نتمنّى لو أنّ المؤمنين السياسيّين يشعرون بموهبة الروح القدس، وبقيمتها في حياتهم، لفتحوا أذهانهم وعقولهم لقبوله، ولقراءة علامات الأزمنة في حياتهم على ضوئه. فالروح أعطاه المسيح مجّانًا لكي يبدّل نظر الإنسان إلى أمور الدنيا، فيتحرّر من مصالحه وحساباته الخاصّة من أجل الخير العامّ، وذلك بمواهبه السبع وهي: الحكمة والمعرفة والفهم للعقل، والمشورة والقوّة للإرادة، والتقوى ومخافة الله للقلب..."

فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، كي يلهم الله السياسيّين استلهام الروح القدس...لخير لبنان واللبنانيّين، ولمجد الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."