"بلدنا أيضًا مخلّعٌ، يرزح تحت ثقل المشاكل": المطران عوده
من بعد الإنجيل ألقى المطران عوده عظةً قال فيها: "الأحد الثالث بعد القيامة يدعى "أحد المخلّع"، الذي كان ينتظر أن يبرأ في بركة "بيت حسدا".
كلمة "حسدا" العبريّة تعني «الرحمة». سمّيت البركة بهذا الاسم لأنّ اليهود كانوا يعتقدون أنّها مقدّسةٌ بسبب ارتباطها المكانيّ بالهيكل، بما أنّها تقع عند باب الغنم، أي الباب الذي كانوا يُدخلون منه أضاحي التقدمة. يخبرنا الإنجيليّ يوحنّا أنّ البركة كانت عجائبيّةً، وكان ملاكٌ يحرّك مياهها فيشفى أوّل النازلين فيها.
عاش المخلّع ثمان وثلاثين سنةً قرب البركة لا يطلب سوى أن «يرحمه» أحد الناس ويساعده على النزول في الماء ليشفى. كان يؤمن بأنّ «الرحمة الإلهيّة» على حسب اسم البركة، حاضرةٌ، ويرجو أن تعكسها رحمة البشر. إيمان المخلّع درسٌ في الصبر وقوّة الإيمان.
عندما التقى الربّ يسوع بالمخلّع سأله: "أتريد أن تبرأ"؟ قد يبدو السؤال مستغربًا، لأنْ ماذا يريد مريضٌ أكثر من الشفاء؟ لم يسخر المخلّع من السؤال ولم ينزعج منه، بل أجاب: "يا سيّد، ليس لي إنسانٌ يلقيني في البركة متى تحرّك الماء". ينتظر القارئ جوابًا مثل: "أريد أن أشفى"، لكنّ مشكلة المخلّع لم تكن في إمكانيّة شفائه، بل في وجود من يساعده. لم يطلب الشفاء، بل أن يحبّه إنسانٌ، وما أكثر المحرومين من المحبّة. طبعًا، يشاء المخلّع أن يشفى جسديًّا، لكنّنا نفهم من جوابه أنّ حرمانه المحبّة في حياته كان أصعب من مرضه.
قبل شفاء الشخص، كان الربّ يسوع يسأله عن إيمانه بقدرته الشفائيّة، لذلك يرتبط الشفاء بالإيمان. هنا، لم يسأل الربّ عن إيمان المخلّع، لأنّ مدّة احتماله من دون يأس أظهرت قوّة إيمانه. لقد عبّر عن إيمانه بصبره ورجائه، بل قال له: «قم، احمل سريرك وامش». وبما أنّ المخلّع يمثّل كلًّا منّا، فنحن مثله، كثيرًا ما نطلب حلولًا بعيدةً عن واقعنا.
إنتظر المخلّع أن يساعده أحدٌ لينزل إلى الماء، لكنّ حلّ مشكلته كان بقدوم الربّ شخصيًّا إليه ليشفيه بكلمته. هذا ما نقع فيه دائمًا. تبدو مشاكلنا كبيرةً، فنعتقد أنّ حلّها محدودٌ بطريقة واحدة، لكنّ لله طرقه الخاصّة، وأحكامه تفوق كلّ عقل. جلّ ما يطلبه منّا الربّ، من أجل حلّ مشاكلنا، أن نحتملها وألّا نفقد الرجاء، وهو شخصيًّا سيأتي إلينا عندما نعبّر عن إيماننا بالصبر والرجاء، فيشفينا منها.
يا أحبّة، بلدنا أيضًا مخلّعٌ، يرزح تحت ثقل المشاكل السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة والأمنيّة، واللائحة تطول. حربٌ واغتيالاتٌ وتهريب أسلحة وتفلّتٌ أمنيٌّ ووعيدٌ بصيف ساخن، وجرائم ومخدّراتٌ وغيرها من الآفات، لكنّ تفريغ المؤسّسات وتعطيل انتخاب رئيس وتبادل الاتّهامات تثقل كاهل اللبنانيّين وتنغّص عليهم عيشهم المنغّص أصلاً بأعباء الحياة...لذلك نكرّر أنْ على اللبنانيّين التعالي على المصالح والأحقاد، والإلتقاء على ضرورة إنقاذ بلدهم بدءاً بانتخاب رئيس، ثم تشكيل حكومة تجري التعيينات اللازمة في الإدارة، والإصلاحات الضرورية في كافة الميادين، وتتشدد في تطبيق القوانين على الجميع، من دون استثناء.
هنا لا بدّ من التعبير عن أسفنا العميق من الحملة التي واجهت الإجراءات الأمنيّة التي اتّخذتها وزارة الداخليّة لقمع المخالفات والحدّ من الفوضى التي تغزو الشوارع. هل أصبح تطبيق القانون جريمةً تستدعي المواجهة؟...
علينا جميعًا مساندة الدولة في كلّ عمل إصلاحيّ تقوم به، ومحاسبتها على كلّ تقصير وتقاعس...واجبنا تحصينها ومساعدتها على فرض هيبتها وتطبيق قوانينها وحماية حدودها وأمننا وأمن أطفالنا والمراهقين من كلّ أذى.
يا أحبّة، يذكّرنا نص المخلع بأنّنا تجدّدنا بقيامة الربّ، كما تجدّد جسده الذي تآكل عضله من جرّاء رقاده لثمان وثلاثين سنةً. لذا، نحن مدعوّون اليوم إلى أن ننهض، بقيامة المسيح، من شلل نفوسنا وتقهقر بلدنا، عبر الصبر والتحلّي بالرّجاء، فنقوم مع المسيح ونصرخ: «المسيح قام!»، آمين.