لبنان
19 آب 2024, 06:10

"المطلوب سماع كلام الله قبل البدء بأيّ عمل": البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، البطريرك المارونيّ، يوم الأحد، الثامن عشر من آب/أغسطس 2024، بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة الصرح البطريركيّ في الديمان، عاونه فيه النائب البطريركيّ العامّ ولفيف من الآباء الكهنة بحضور حشد من المؤمنين.

 

كانت للبطريرك الراعي كلمة من وحي الإنجيل بحسب القدّيس لوقا الفصل العاشر متأمّلًا في الآية "المطلوب واحد، ومريم اختارت النصيب الأفضل" (لو 10: 42) .

 

قال البطريرك الراعي: "المطلوب الواحد، هو سماع كلام الله قبل البدء بأيّ عمل أو مشروع، وقد ]اختارته مريم نصيبًا أفضل لا يُنزع منها[. فامتدحها يسوع من دون أن يلوم أختها مرتا المنهمكة بالخدمة، بل نبّهها بأنّ عملنا يأتي صالحًا ومثمرًا عندما يستنير بسماع كلام الله، فينال قوّة وديناميّة وحبًّا في الخدمة والعطاء.

يسوع المسيح هو الكلمة الإلهيّة التي نسمع ونتأمّل فيها، وهو "المطلوب الواحد". ذلك أنّه يخاطب كلّ إنسان، ويعطي جوابًا على كلّ سؤال. "نطلبه" في الفرح وفي الحزن، في الصحّة والمرض، في الغنى والفقر، في حالات الظلم والاستبداد والاعتداء. وحده يعرف كيف يتضامن مع كلّ إنسان، ويقطع معه طريقه في هذه الحياة".

تابع البطريرك كلامه قال: "يذكّرنا القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني بـ"أنّ كلام الله يحمل قوّة وسلطانًا عظيميْن، بحيث يصبح للكنيسة ركنًا عظيمًا وعزّة، ولأبناء الكنيسة منعة الإيمان، ولنفوس المؤمنين غذاءً، ولحياتهم الروحيّة معينًا لا ينضب" (رجاء جديد للبنان، 39).

من أجل هذه الغاية، ينبغي، أن نرفق الصلاة بقراءة الكتب المقدّسة، فنستطيع عندها الدخول في حوار مع الله، لأنّنا، كما يقول القدّيس أمبروسيوس، "عندما نصلّي، نتكلّم مع الله، وعندما نقرأ كلامه وآياته نسمعه" (دستور عقائديّ "كلمة الله" 25)".

أكمل الراعي شرحه قائلًا: "نحن نُقبل إلى المسيح الربّ الذي على مائدة كلامه ومائدة جسده ودمه، يبني حياتنا وحياة كنائسنا (رجاء جديد للبنان، 39). إنّ الأحداث التي نعيشها في بلدان الشرق الأوسط، وهي نزاعات وحروب وإرهاب وعنف ومضايقات للمسيحيّين والمكوّنات الدينيّة والإتنيّة الصغيرة، ولا سيّما في سورية والعراق، إنّما تطرح على إيماننا أسئلة خطيرة، فلا بدَّ من أن نقرأ هذه الأحداث في ضوء كلمة الله، ما يقتضي أن تتوافر لنا تنشئة منظّمة وثقافة دينيّة، وحياة روحيّة عميقة، لكي نستطيع السير على خطى المسيح، وفي الطريق الذي يرسمه لنا ويمشيه معنا، لكي نعيش مقتضيات إيماننا في ظروف حياتنا اليوميّة (المرجع عينه)".

أضاف البطريرك: "دور الكنيسة والمسيحيّين المحافظة على صورة المسيح في كلّ إنسان. فابن الله صار إنسانًا ليُعيد للإنسان بهاء إنسانيّته أي جمال صورة الله فيه. لقد سمّاه بولس الرسول: "صورة الله غير المنظور لكي يكون البكر، أي المولود الأوّل بين إخوة كثيرين" (كول 1: 15؛ أفسس 1: 3-6). فهو المثال والقدوة لكلّ إنسان: فقد فكّر بعقل إنسان ولم يقل إلّا الحقيقة بلسان إنسان؛ وأحبّ بقلب إنسان؛ وصنع الخير بإرادة إنسان؛ وبارك وأعطى بيد إنسان".

أردف البطريرك في عظته قائلًا: "لقد كتبوا إلينا من الجنوب اللبنانيّ يشرحون لنا أوضاعهم الكارثيّة بعد مرور أحد عشر شهرًا على حرب غيّرت مجرى حياتهم إلى الأسوأ، وهي تستبيح قُراهم، وتريق دماءهم، وتقتل أبسط حقوقهم وآمالهم بأن يعيشوا بسلام وأمان.

إزاء هذا النفق الأسود والأفق المسدود للحلول الإيجابيّة، نجد أهالي بلداتنا منقسمين إلى فئتين مغبونتين:

الأولى، فئة اضطرت إلى النزوح قسرًا، بحثًا عن الأمن والأمان وتعليم أولادهم في مناطق أخرى من لبنان...ونحيي كلّ من يقف إلى جانبهم، أفرادًا أو مؤسّسات.

الثانية، هي فئة الأهل الذين صمدوا في بيوتهم وقراهم للحفاظ على أرزاقهم، وتثبيت عنوان الانتماء إلى الأرض فعلًا. هذه الفئة تتحدّى في كلّ يوم الأوضاع المزرية على المستويات المختلفة..."

تابع البطريرك: "في خضمّ ما يعيش لبنان من مآسٍ، وفي هذا الوقت الذي تجري فيه المحادثات في شأن مستقبل لبنان والمنطقة، تبقى الحاجة الملحّة إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة لكي يقود المحادثات الجارية، ولكي تستقيم المؤسّسات الدستوريّة... وعبثًا يحاولون إقناعنا بأنّ الدولة اللبنانيّة تسير من دون رئيس لها، فيما الواقع إنّما هو انحلال الدولة وتفكيك أوصالها".

ختم البطريرك بالقول: "لنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، لكي نصغي جميعنا إلى كلام الله الذي يحرّر ويوحّد ويجمع. فمن دونه نهيم في ظلمات المصالح الفرديّة والفئويّة. لله عزّ وجلّ، كلّ مجد وتسبيح وشكر الآن وإلى الأبد، آمين".