"المحبّة وحدها تخلّصنا من مخاوفنا، ومن غطرسة السلطة البشريّة": البطريرك بيتسابالا
بعد قراءة الإنجيل كانت للبطريرك كلمة جاء فيها: "نجتمع، عند أقدام شفيعة أبرشيّتنا، سيّدة فلسطين، لنصلّي من أجل كنيستنا، وأرضنا المقدّسة، ومن أجل الشعوب جميعها. ونضع أمام العذراء آلامنا وأتعابنا. نجد أنفسنا أمام وطأة هذه الحرب التي أرهقتنا جميعًا كما لم يحدثْ من قبل... لم نشهدْ في العقود الأخيرة قدرًا من العنف والكراهية كهذا. بات من الصعب حقًّا أن نرى بصيص نور في هذه الليلة الطويلة من الألم".
أضاف البطريرك: "لا نريد ولا يمكننا الاستسلام للغطرسة، ولقوّة العنف، ولدائرة الانتقام، أو الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذا الدمار الإنسانيّ. لذلك نحن هنا، طالبين شفاعة العذراء، أن تمنحنا القوّة والشجاعة لنواصل إيماننا بنعمة محبّة الله، ونسأل القوّة لنستمرّ في أن نكون هنا، في الأرض المقدسة، جماعةً من الرجال والنساء الساعين إلى بناء علاقات قائمة على الحياة، والمحبّة، والكرامة، والعدالةن ونحافظ عليها.
القراءة من سفر الرؤيا تعبّر بطريقة ما عن الواقع الذي نعيش. حيث يذكر "تنينٌ كبيرٌ أحْمر له سبْع رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبْعة تيجان، وذنبه جرّ ثلْث نجوم السّماء وطرحها إلى الأرْض" (رؤيا 12: 3-4). هي وصفٌ دقيقٌ لقوّة الشرّ في العالم، لسلطة الشيطان. الأرقام سبعة وعشرة هي أرقامٌ تدلّ على الكمال، تشير إلى القوّة، وكذلك التيجان، وتوضح مدى قوّة الشرّ وسيطرته، وقدرته على التسبّب في دمار هائل. ولكن، على الرغم من قوّته، فإنّ هذا المسيطر غير قادر على إخضاع "المرأة المتسربلة بالشمس" ولا على الابن الذي على وشك أن تلده. هذا يذكّرنا بحقيقة عظيمة: في حياتنا، سنواجه دائمًا الشرّ الذي يسود في العالم. ولكن هذا الشرّ، الشيطان، على الرغم من قوّته العظيمة، هو عاجزٌ أمام قوّة امرأة على وشك أن تلد طفلًا، أمام قوّة المحبّة التي تلد الحياة. هناك، لا يجد الشرّ، الشيطان، مجالًا للتجذّر، لا يمكنه أن يخدع بأكاذيبه. لا يستطيع أيّ تنين أن ينتصر أمام المحبّة التي تمنح؛ لا توجد أسلحةٌ فعّالةٌ ضدّ من يمنح الحياة من أجل المحبّة.
هذا هو إيماننا، وهذا ما نبني عليه حياتنا كمؤمنين بالمسيح، على المحبّة التي تخلّص. تخلّصنا من مخاوفنا، من غطرسة السلطة البشريّة، من أنانيّتنا، مِن وهْم القدرة على العيش بمفردنا، من وهم إمكانية تحقيق السعادة بالمال والسلطة، التي بدورها تولّد الوحدة فقط.
الإنجيل الذي سمعنا يصف لنا امرأتين، العذراء والقدّيسة أليصابات، تتهلّلان بعمل الله الفريد في حياتهما. لا شيء خارقٌ للطبيعة في هذا اللقاء. لا نجوم تسقط من السماء على الأرض، بل امرأتان في عالم مليء بالعنف آنذاك، تسعيان بطريقتهما الخاصّة إلى تحقيق عمل الخلاص، تحقيق ملكوت الله. ببطء، لكن بثبات، سينتشر هذا الملكوت في العالم كلّه ويجعل حلم العدل والكرامة والحقّ والسلام حقيقةً مرئيّةً وملموسة.
نحن هنا اليوم لنطلب لنا وللكنيسة نعمة الروح القدس، ليمنحنا القوة، والشجاعة، والمثابرة حتّى نكون في هذه الأرض التي تعاني الكثير من العنف...حتّى لا نستسلم للمنطق الذي يقول بأنْه لا مجال لسعادة الآخرين من دوننا....حتّى لا نسمح للخوف، ولو مبرَّرًا أحيانًا، أن يكون الصوت الوحيد داخل قلوبنا وفي سياقات حياتنا". .
إختتم البطريرك كلمته، قال: "نعلم أنّ هذه الحرب لن تنتهي قريبًا...لكنّنا على يقين تامّ ونؤمن بكلمة الربّ (لوقا 1: 45)، أنّ الكلمة الأخيرة لن تكون للشرّ في حياتنا وفي الأرض المقدّسة".
نحن نرغب أن نكون تلك الكلمة الحية، أن نكون الكنيسة التي تؤمن، وتأمل، وتحبّ، وتجعل حضور ملكوت الله مرئيًّا بأعمالنا وأقوالنا. لن نستسلم أبدًا. وهنا، عند قدمي العذراء، نجدد التزامنا ببناء ملكوت الله، ملكوت "عدل وسلام وفرح في الروح القدس" (رومة 14: 17). آمين.