"الله يريد أن الناس جميعًا يخلصون، فلتُردْ أنت هذا ولتصلِّ ليتحقّق": المطران عوده
"باسم الآب والإبن والرّوح القدس، آمين.
أحبّائي، سمعنا في الرسالة التي تليت على مسامعنا اليوم كلامًا يعبّر عن رسالة الكنيسة الحقيقيّة. يطلب الرسول بولس "أن تقام تضرّعاتٌ وصلواتٌ وتوسّلاتٌ وتشكّراتٌ من أجل جميع الناس، من أجل الملوك وكلّ ذي منصب لنقضي حياة مطمئنّة هادئة في كلّ تقوى وعفاف". لقد أطاعت كنيستنا المقدّسة هذه الوصيّة، لذلك وضعت ضمن طلباتها طلبة من أجل الحكّام "ومؤازرتهم في كلّ عمل صالح"، لأنّهم إذا كانوا صالحين، وفعلوا الصالحات، يصبح العالم فردوسًا أرضيًّا وتذوّقا مسبقا للملكوت السماويّ. في قدّاس القدّيس باسيليوس نجد أيضا صلوات مطوّلة من أجل الحكّام ومعاونيهم، كما أنّنا نسمع في بداية صلاة السحر، في الأسبوع العظيم، مزمورين من أجل خلاص الملك (أو الحاكم). كما نذكر حكّامنا قائلين: "أعضد بقدرتك حكّامنا وهبهم سلاما وطيدًا لا ينتزع".
تابع المطران عوده شرحه قائلًا: "يكشف الرسول بولس في رسالة اليوم أنّ الكنيسة ليست مؤسّسة عالميّة، لكنّها قبل كلّ شيء، جماعةٌ تصلّي لله من أجل تقديس العالم، مقدّمة «الطلبات والصلوات والابتهالات والتشكّرات» عن الناس جميعهم. يشرح القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم هذا النصّ بأنّه دعوةٌ لعمل كنسيّ مملوء محبّة للجميع، فيرفع الكاهن مع الشعب الدعاء من أجل البشريّة جمعاء، حتّى الوثنيّين، ويقول: "الكاهن أبٌ كما لو كان للعالم كلّه، لذا يليق به الاهتمام بالجميع كالله الذي يخدمه... هذا يؤدّي إلى منفعتين: الأولى نزع الكراهية تجاه من هم من الخارج، لأنْ لا يقدر أحدٌ أن يشعر بالكراهية نحو من يصلّي من أجله. والثانية أنّ هؤلاء أنفسهم يصبحون أفضل حالًا بفعل الصلوات المرفوعة من أجلهم، فيتخلّون عن عدائيّتهم التي يصوّبون ضدّنا، فليس شيءٌ يجتذب البشر إلى التّعلّم مثل المحبّة المتبادلة".
أكمل المطران عوده: "هناك أنواع عدّة من الحروب، لكنّ المجدية بينها هي حرب الإنسان الداخليّة التي تنشأ بسبب الكراهية والحقد والغضب والكبرياء والحسد. لذلك، فإنّ صلواتنا وطلباتنا من أجل الناس أجمعين، وطاعتنا الصادقة للمسؤولين الذين لم يكن لهم سلطانٌ إلّا بسماح من الله، تعطي سلامًا للقلب والنفس، فنكون بذلك أبناء حقيقيّين لـ «رئيس السلام»، كما ندعو ربّنا في صلواتنا".
قال المتروبوليت عوده أيضًا: "منذ نشأتها، ما انفكّت الكنيسة تشجّع على المواطنة الصالحة. الكنيسة تنشّىء أبناءها على الإخلاص لأوطانهم وخدمتها واحترام قوانينها وتطبيقها، وعلى احترام مواطنيهم. لكنّ الكنيسة لا تسكت عن الظلم ولا تغطّي الجريمة، ولا تمالىء الحاكم إن ضلّ أو ظلَم أو أخطأ لأنّ هذا من صلب رسالتها الشاهدة للحقّ. الكنيسة تعمل من أجل أن يتحقّق ملكوت الله على الأرض ويحلّ السلام فيها. «ليأت ملكوتك..."كما نقول في الصلاة الربّانية. لذا، ما تسعى إليه الكنيسة ليس إخضاع الدولة لسلطانها بل حثّ السلطات الزمنيّة على العمل وفقًا للمشيئة الإلهيّة الداعية إلى المحبّة والعدل والخير والسلام والاستقامة والمساواة والاحتضان وحسن الرعاية. ينبغي على الدولة، في مفهوم الكنيسة، أن تكون خاضعة لله، عاملة بوصاياه لا بأيّ وصايا أخرى".
ينبغي أن تقوم علاقتا مع الآخرين على أساس إلهيّ، فنلتقي مع الجميع ونعمل من أجل خلاص الجميع مثل إلهنا المحبّ البشر، الأمر الذي يدعونا إليه الذهبيّ الفم في شرحه لرسالة اليوم قائلا: «الحسن والمقبول لدى مخلّصنا هو الصلاة من أجل الناس أجمعين. هذه هي إرادته. تمثّلوا بالله، فإنّه يريد أنّ جميع الناس يخلصون...بالتالي، فلتُرِد أنت أيضًا ذلك، وصلِّ لتتحقّق رغبتك هذه..."
تابع عوده عظته قال: "بعض المؤمنين في أيّامنا ينتقدون إخوتهم الذين يصلّون من أجل الآخرين ذوي الاعتقادات المختلفة، لا بل يهرطقونهم علانية، فيما الصلاة من أجلهم تعني التضرّع إلى الله كي ينير أذهانهم ويوقظ ضمائرهم ليسلكوا في الطرق المستقيمة. يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم: «لا تخف من أن تصلّي من أجل الأمم، فإنّ الله يريد ذلك، إنّما خف من أن تصلّي ضدّ أحد، لإنّ الله لا يريد هذا..."فلنصلّ من أجل الجميع ولا نضطهد أحدًا". وهذا بحسب قول الربّ «أحبّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات...(مت5: 44 – 45)".
ختم المطران عودة كلامه قال: "دعوتنا اليوم أن نخلص لوطننا ونعمل بصدق وتفان من أجل خيره، متخلّين عن نرجسيّتنا ومصالحنا، وأن نحبّ الجميع بلا استثناء، لأنّنا إذا لم نحبّ الجميع كما أحبّ مخلّصنا العالم أجمع وبذل نفسه من أجله على الصليب، فلن نكون مستحقّين أن ندعى مسيحيّين، آمين".