لبنان
16 كانون الأول 2024, 07:20

"الله قريب من كلّ واحد وواحدة، وعلينا أن ندخل في شركة معه": البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للمورانة بقدّاس أحد البيان ليوسف في كنيسة الصرح البطريركيّ - بكركي بحضور شخصيّات وفاعليّات وحشد من المؤمنين.

 

 

بعد قراءة الإنجيل المقدّس، بدأ الراعي كلمته متأمّلًا في الآية "يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك"(مت 1: 20).

لما رجعت مريم إلى الناصرة من بيت زكريا في عين كارم، بعد ثلاثة أشهر في خدمة نسيبتها أليصابات، حتّى مولد يوحنّا، رآها يوسف وحبلها بادٍ عليها. فاحتار وملأه القلق لكونه رجلًا بارًّا لم يشأ قبول أي شكّ في شخص مريم، أو التشهير بها. فهمّ بتخليتها سرًّا، من دون اللجوء إلى المحكمة. في تلك الليلة، قبل اتّخاذ القرار، ظهر له ملاك الربّ في الحلم وقال له: "يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، فالمولود منها هو من الروح القدس"(مت 1: 20-21). "فلمّا قام يوسف من النوم صنع كما أمره ملاك الربّ" (مت 1: 24).

"يا يوسف، لا تخف" أمام سرّ حبل مريم، وأمام التدخّل الإلهيّ، وأمام واقعك الجديد! "لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك". أكّد له الملاك أنّ مريم هي دائمًا زوجته، بحكم الخطبة الرسميّة، حسب الشريعة القديمة. الخطبة عند اليهود كانت زواجًا قانونيًّا، ويبقى انتقال الخطيبة إلى بيت عريسها. ولذلك طلب منه الملاك الاحتفاظ بها في بيته، كوديعة من الله عند يوسف وزوجة شرعيّة له، وأب شرعيّ ليسوع. وهكذا جعله حارسًا للكنزيْن: مريم العذراء وطفلها الإلهيّ يسوع.

وقال الملاك ليوسف: "تدعو اسمه يسوع". إعطاء الاسم من يوسف أبيه يعني أنّه ابنه الشرعيّ إنّما بالتبنيّ المعطى من الله. وهكذا عُرف يسوع في المجتمع أنّه ابن يوسف النجّار الذي من الناصرة وأمّه مريم (راجع لو 3: 23؛ 4: 22؛ متّى 13: 55). هكذا انكشف موقع يوسف في تصميم الله الخلاصيّ هذا. أمّا اسم "عمّانوئيل-الله معنا" فهو الاسم الذي سيدعوه به الشعب، حسب نبوءة أشعيا (7: 14)، لأنّهم سيرون الله بين البشر بشخص يسوع وآياته.

هذا كلّه يعلّمنا كم أنّ الله قريب منّا، من كلّ واحد وواحدة، وكم يجب علينا أن ندخل في شركة معه، عبر الصلاة وسماع كلامه في الإنجيل والكتب المقدّسة، وعبر التأمّل في السرّ الإلهيّ، والعيش في انتظار تجلّيات الله، ساعة يشاء وكيفما وأينما يشاء.

"لمّا قام يوسف من النوم، عمل بما أمره ملاك الربّ". أخذ مريم إلى بيته وكرّس ذاته لها ولابنها الإلهيّ ببتوليّة مثل بتوليّة مريم، فتقدّسا بالإله المتجسّد الذي أصبح ابنًا لهما: لمريم بالجسد، وليوسف بالشريعة. فأضحيا مثال المكرّسين والمكرّسات في البتوليّة من أجل الأبوّة والأمومة والأخوّة الروحيّة تجاه الناس جميعهم، على وجه الأرض.

علّم القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني، في إرشاده الرسوليّ "حارس الفادي" (15 آب 1989) أنّ القدّيس يوسف، كما تعهّد بعناية ودودة لمريم وابنها، وانقطع بفرح لتربية يسوع المسيح، كذلك هو أيضًا حارس جسده السرّي أي الكنيسة التي العذراء صورتها ومثاله، وحاميها. وقد أعلنه الطوباويّ البابا بيّوس التاسع "شفيع الكنيسة".

إنّنا نجد في مريم ويوسف ثلاثة نماذج: النموذج في موقف الإصغاء الخاشع إلى كلمة الله، أي الاستعداد المطلق لأن نخدم بأمانة إرادة الله الخلاصيّة المتجليّة في يسوع المسيح؛ ونموذج الطاعة في تنفيذ إرادة الله، ووصاياه ورسومه، تنفيذًا أمينًا؛ ونموذج الالتزام في خدمة تدبير الله الخلاصيّ، وخدمة رسالة المسيح لخلاص العالم (حارس الفادي، 29 و32).

فمن أجل أن نقتفي آثار مريم ويوسف في هذه النماذج الثلاثة نصلّي والله سميع مجيب له الشكر والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين.