"العيش بصدق ومحبّة مع الآخرين سبيلنا إلى الملكوت": الأباتي إدمون رزق
بعد قراءة الإنجيل، ألقى الأباتي رزق عظة انطلق منها من آية "تعالوا إليّ يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم" (مت 25: 34)، وقال: "في عيد ملك الملوك، تأتي كلمة الربّ لتلبسنا حلّة الملكوت، أي أنّ الربّ يسوع، يجعلنا ورثةً للملكوت ويؤكّد لنا أنّنا ورثة قانونيّون لأنّ الملكوت هو نصيبنا منذ قبل أن نولد... لا بل منذ اللحظة التي رغب الله في وجودنا. لكنّ هذا الملكوت لديه قاعدة انتساب واحدة، وهي محبّة الآخر ومعاملته بالرحمة".
أضاف الأباتي: "نتساءل، في زماننا الحاضر، مع كلّ ما تعانيه بلادنا من دمار وقلق للغد، وخوف ممّا يستجدّ، إلى أي مدى يمكننا أن نحيا كلمة الله؟ لأنْ ليس أمرًا سهلًا أن نعيش في لبنان، ونصمد على الرغم من المآسي: الانهيار الاقتصاديّ من جهة، صعوبة تلبية حاجات العائلة من جهة أخرى، نزوح الإخوة اللبنانيّين من المناطق الـمدمّرة بالاجتياح الإسرائيليّ ومكوثهم في ديارنا، الخوف من المجهول... عدم الاستقرار الأمنيّ أو السياسيّ.. وكأنّنا في ساحة عمل متواصل، نريد أن نصنع الخير ونعيشه، لكن لا يظهر أمامنا أيّ أفق راحة".
تابع الأباتي رزق: "نحن فيما نجتمع، في هذا اليوم المبارك، نمجّد الله ملكنا الأوحد ونعيد قراءة حياتنا على ضوء الملكوت: هل نحيا بالمحبّة ونقوم بأعمال الرحمة؟ وإذا فكّرنا، ولو لِبرهة، فإنّ أعمال الملكوت ليست بصعبة، هي أفعالٌ تعبّر عن مبادرات صادقة نحو الآخر الـمحتاج! وإذا "سرنا إلى العمق"، فإنّنا ندرك أنّها ليست غريبةً عنّا أو صعبةً علينا، لأنّها لا تتطلّب جهدًا خارقًا، إنّما محبّةً صادقة ورغبةً بالمشاركة!
ما هو الجوع والعطش والمرض والتشرّد... هو حالة الحاجة إلى العناية... هو حالة النقص إلى ما هو أساسيّ... هو حالة العوز للدعم من أجل الحياة والنمو، والتقدّم والازدهار، فنحن أبناء الحياة ودعوتنا الأولى هي دعوةٌ إلى الحياة، لأنّ إلهنا إله الحياة!"
أكمل الرئيس العامّ: "إنّ المسيح الملك يطلب منّا المشاركة بالقليل، لنرث معه الكثير... وأقصد بهذا أنّ كلّ ما نعطيه هو قليلٌ أمام عطاءاته: هو الربّ الإله الذي يعطي ذاته بكلّيّتها من أجل خلاصنا! فكيف نتردّد بعد في مسألة العطاء؟
أمّا شريعة العطاء فهي شريعة المحبّة. والقدّيس بولس يقول: "ولْتكن المحبّة بلا رياء" وللعطاء قواعد: "كونوا للقدّيسين في حاجاتهم مشاركين وإلى ضيافة الغرباء مبادرين .."، وهذا هو السبيل لنرث الملكوت المعدّ لأبناء الله، عندما نحيا بصدق مع الآخرين، أمينين لدعوة الإنسانيّة، صادقين في محبّتنا وعطاءنا، على مثال خالقنا، شبيهين به؛ لأنّ ربّنا صادقٌ وأمينٌ في وعوده وعطاءاته، وعلى أساس المحبّة يبني ملكوته.
اليوم، في عيد المسيح الملك، سنصلّي "ليأت ملكوتك"، وسنفتح قلوبنا ونجعلها عرشًا له. سنتشارك الوليمة التي أعدّها لنا: جسدًا يغذّينا ودمًا خمرةً تروينا، وندعوه إلى بيتنا فلا يبقى غريبًا، وفي حبّنا لا نبقيه سجينًا..."
إختتم الأباتي رزق كلمته بالقول: "أعيّدكم أيّها الأحبّة في عيد يسوع الملك، سيّد هذه الدار التي تحمل اسمه. أصلّي كي يكون هو وحده الملك الذي تطلبون: ملكًا في بيوتكم وفي مجتمعكم، ولا تخافوا أن تكونوا له أولادًا ولا أن تشهدوا لحبّه وعنايته. فمن دونه، ستبقى النفوس عطشى وعريانة ومحبوسة إذا لم يأتِ هو ويمتكلها، لأنّه وحده يحرّرها ويشبعها ويغنيها من فيض حبّه ورحمته. له المجد ولأبيه ولروحه القدّوس منذ الأزل وإلى الأبد. آمين".