لبنان
04 تشرين الثاني 2024, 07:20

"السلطة في الكنيسة ليست سلطة بشريّة، بل سلطة إلهيّة": البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، البطريرك المارونيّ، بقداس الأحد من كنيسة الصرح البطريركيّ بكركي بحضور فاعليّات وشخصيّات سياسيّة ومدنيّة وحشد من المؤمنين.

 

بعد قراءة الإنجيل كانت للبطريرك كلمة تناول فيها شؤون كنسيّة ووطنيّة وتأمّل في هذه الآية:"أنت هو المسيح ابن الله الحيّ" (متّى 16: 16).

قال الراعي: ""وأنتم من تقولون إنّي هو" (الآية 15)، كان جواب سمعان بطرس من دون تردّد: "أنت المسيح ابن الله الحيّ"(الآية 16). فامتدحه يسوع على جوابه بالصواب، لأنّه جواب الإيمان. الإيمان عطيّة من الله، نعمة منه، إلهام من الروح القدس الذي ينير عقل الإنسان، ويحرّك قلبه نحو الله، فيرى الحقيقة ويقبلها في عقله مقتنعًا بها، وفي قلبه محبًّا لها، ويُخضع إرادته لها عاملًا بموجبها.  

تبدأ في هذا الأحد السنة الطقسيّة وتنتهي في آخر أحد من شهر تشرين الأوّل/أكتوبر، نحتفل مع الكنيسة وفيها، بالأحداث الخلاصيّة المرتبطة بحياة يسوع، وبخاصّة بتجسّده وظهوره، وصومه، وموته، وقيامته، وإعطائه الروح القدس، وانتظار مجيئه الثاني بالمجد".

"تتميّز السنة الطقسيّة بطابعها التربويّ، لأنّها تختصر في سنة واحدة، الأحداث الخلاصيّة في حياة يسوع وتعليمه، جامعةً بين الكتاب المقدّس والليتورجيا، فتعكس كنيستنا المارونيّة ارتباطها بالكتاب المقدّس الذي يشكّل روحانيّتها الراسخة وقلبها النابض، وهي لا تقرأه فقط، بل تتأمّل في مضامينه، وتشرحه، وتنشده وتصلّيه".

أضاف البطريرك: "أنت المسيح ابن الله الحيّ". هذه هي الحقيقة التي ولّدها الإيمان عند سمعان بطرس. وهي أنّ يسوع هو المسيح المنتظر الذي تكلّم عليه الأنبياء؛ وهو ابن الله الذي صار إنسانًا ليكلّمنا على الله، ويكشف لنا وجهه؛ وهو المسيح المرسَل من الآب ليفديَ البشر؛ وهو ابن الله الحيّ أي أنّه إلهٌ ابن إله، وأنّه حيّ لا كآلهة الأصنام ولا كالقياصرة الذين عبروا وماتوا، وأنّه قريب منّا متعاملًا معنا بمحبّته وكلمته ومشاعره الإنسانيّة".

أردف البطريرك: "إمتدح يسوع إيمان سمعان: "طوبى لك يا سمعان بن يونا"(الآية 17)، لأنّ إيمانه العطيّة من الله جعله "صخرة يبني عليها كنيسته" (الآية 18). هو صخرة حيّة، لأنّ إيمانه حيّ معاش، فاعل، ومتفاعل مع سرّ الله وتصميمه الخلاصيّ. والكنيسة المبنيّة على صخرة الإيمان بالمسيح، حجارتها إيمانيّة حيّة تكلّم عليها بطرس في رسالته الأولى: "كونوا أنتم مبنيّين، كحجارة حيّة، بيتًا روحيًّا، لتصيروا جماعة كهنوتيّة مقدّسة"(1 بطرس 2: 25).

الكنيسة مثل بيت، وهي في آن بيت الله بين البشر، وجماعة المؤمنين بالمسيح. فلا تقوى عليها قوى الخطيئة والشرّ"(الآية 18). ليست هذه الكنيسة مؤسّسة بشريّة أو منظّمة اجتماعيّة، بل مثل جسم حيّ يعمل فيه الجميع ويتفاعلون بمقدار ما هم متّحدون بالمسيح. هذا الجسم هو جسد المسيح السرّيّ. ما يعني أنّ الكنيسة هي سرّ التجسّد الدائم، المعروف بالمسيح الكلّيّ أو المسيح السرّيّ، بالنسبة إلى المسيح التاريخيّ".

تابع البطريرك قائلًا: ""لك أعطي مفاتيح ملكوت السماوات"(الآية 19). بهذه الكلمات أقام يسوع سمعان-بطرس رأسًا للكنيسة من أجل الوحدة في الإيمان والشركة. ما يعني أنّ السلطة في الكنيسة ليست سلطة بشريّة، بل سلطة إلهيّة، وتتمثّل في رأس الكنيسة خليفة بطرس أسقف روما، المعروف بقداسة البابا أو الحبر الرومانيّ. وهو يمارس سلطته إمّا شخصيًّا، وإمّا مع المجامع المسكونيّة.

أمّا السلطة في الدولة فهي بشريّة، حيث "الشعب هو مصدر السلطات، وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسّسات الدستوريّة" (مقدّمة الدستور (د).

انطلاقًا من هذا التأكيد في الدستور نتساءل:أين رأي الشعب في التمادي بعدم انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ سنتيْن كاملتيْن؟

أين رأي الشعب بعدم انتظام المؤسّسات الدستوريّة وفي طليعتها مجلس النوّاب الذي تحوّل هيئة انتخابيّة لا تشريعيّة، ومجلس الوزراء المحدود الصلاحيّات والذي يقاطعه عدد من الوزراء.

أين رأي الشعب في الحرب المدمّرة بين حزب الله وإسرائيل التي تقتل وتدمّر وتهجّر ...وتبدّد الاقتصاد والمال والعمل والوظيفة، ولا وقف للنار، بل المزيد من الحرب...فإلى متى؟ والنزوح، إن أُهمل، يتسبّب بالمشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة بين المواطنين. فلا بدّ من المزيد من الوعي...للحفاظ على العيش المشترك. وإنّنا نحيّي المبادرات الإنسانيّة الداخليّة، ونوجّه النداء إلى الدول الصديقة، شاكرينها على كرمها...وطالبين منها مواصلة التضامن...

ويجب تحرير المدارس الخاصّة والرسميّة لكي تتأمّن التربية والتعليم لأطفالنا وأجيالنا الطالعة. وهذا الأمر ضروريّ كالطعام وهو في عهدة وزارة التربية والحكومة...وإعداد أماكن بديلة للإيواء

ونوجّه النداء إلى مجلس الأمن والأسرتين العربيّة والدوليّة، من أجل التدخّل الديبلوماسيّ لإيقاف النار بين حزب الله وإسرائيل، وإيجاد الحلول اللازمة رحمةً بلبنان وشعبه.

ختم البطريرك عظته بطلب الصلاة: لنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، إلى الله، إله السلام ليتدخّل بطريقته، فهو وحده سيّد التاريخ، ويمنحنا السلام العادل والشامل والدائم. له المجد والشكر، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.