لبنان
11 تشرين الثاني 2024, 09:20

"الدافع الأساسيّ للرسول هو محبّته الحقيقيّة وإيمانه القويّ بالله": المطران إلياس عوده

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المطران إلياس عوده، راعي أبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس بقدّاس نهار الأحد ١٠ تشرين الثاني،نوفمبر ٢٠٢٤ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في وسط بيروت وسط حضور فاعليّات وشخصيّات وحشد من المؤمنين وتناول في عظته شؤونًا كنسيّة ووطنيّة.

 

بعد قراءة الإنجيل، نوّه المطران عوده بما ورد في الرسالة "أعلِمكم أنّ الإنجيل الذي بشّرت به ليس بحسب الإنسان، لأنّي لم أتسلمه وأتعلمه من إنسان بل بإعلان يسوع المسيح... فلمّا ارتضى الله، الذي أفرزني من جوف أمّي ودعاني بنعمته، أن يعلن ابنه فيّ لأبشّر بين الأمم، لساعتي لم أصغ إلى لحم ودم... بل انطلقت إلى ديار العرب وبعد ذلك رجعت إلى دمشق...". وقال يختصر هذا الكلام معنى الرسوليّة بحسب فهم الرسول بولس أو شاول الذي كان يضطهد المسيحيّين بضراوة قبل أن يدعوه الربّ للبشارة. فمن يختاره الربّ لحمل كلمته إلى العالم لا يكون مرسلًا من بشر، بل من الربّ الذي ينتقيه من قبل أن يولد، كما نقرأ في سفر النبيّ إرميا: "قبلما صوّرتك في البطن عرفتك..." (1: 5). فإمّا يقبل كبولس أو يرفض بالحرّيّة المعطاة له "....ما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه في إيمان ابن الله الذي أحبّني وبذل نفسه من أجلي" (2: 20).

كما يخبرنا نصّ إنجيل اليوم عن رجل يهوديّ وقع بين أيدي اللصوص، فمرّ كاهنٌ ولاويٌّ (شمّاسٌ) من بني جنسه ولم يساعداه، فيما ساعده سامريٌّ عدوٌ لليهود. هكذا، يعلّمنا نصّا الرسالة والإنجيل كيف يصبح الإنسان المحبّ رسولًا، حتّى ولو كان قبلًا شريرًا (كبولس) أو عدوًّا (كالسامريّ)، لأنّ محبّة الربّ تستر الخطايا وتلد رسلًا حقيقيّين".

أكمل المطران عوده كلامه، قال: "تعيّد كنيستنا اليوم للقدّيس الرسول كوارتس مؤسّس كنيسة بيروت في القرن الأوّل، وأوّل أساقفتها. هذا الرسول جاء ليبشّر في بيروت، المدينة الوثنيّة التي ما زالت آثارها القديمة موجودةً حتّى يومنا.

ما الذي يجعل إنسانًا يأتي من بعيد ليبشّر أناسًا لا يؤمنون؟ ما الذي يدفعه إلى الموت الطوعيّ وهو يدرك أنّه يتّجه صوبه...؟"  

أجاب المطران: "الدافع الأساسيّ للرسول هو محبّته الحقيقيّة وإيمانه القويّ بإله خالق ضابط الكلّ. لقد نظر السامريّ إلى اليهوديّ المجروح على أنّه إنسانٌ مثله، ولم يفضّل على مساعدته شيئًا، ولا حتّى طقوس العبادة كما فعل الكاهن واللاويّ. كما دفع من جيبه الخاصّ ثمن شفاء من كان يعتبره عدوًّا له. هذا ما يفعله كلّ رسول، أينما وجد، بمحبّة نحو كلّ مجرَّحٍ بالخطيئة والوثنيّة والآفات العالميّة، وكلّه إيمانٌ بأنّه سيستطيع اصطياده نحو سفينة المسيح. من أجل تحقيق ذلك، لا يتردّد في صرف ما في جيبه، حتّى ولو احتاج إلى العمل من أجل تأمين مصروفه، كما فعل الرسول بولس في عمله بصناعة الخيم مثلًا لتأمين مستلزمات بشارته".

تابع المطران: "الرسول هو كلّ إنسان آمن حقًّا بالمسيح الكلمة، وحمله إلى محيطه. كان المسيح يطلب ممّن يشفيهم ألّا يخبروا أحدًا بذلك، لكنّهم لم يستطيعوا إخفاء النعمة الإلهيّة التي حصلوا عليها عندما لمسهم المسيح – كلمة الله فكانوا خير رسل له.

كل رسول تواجهه عقباتٌ لكنّ إيمانه الكبير يساعده على تخطّيها. الرسل الأوّلون لم يعبأوا حتّى بالموت الذي واجه معظمهم لم يجدوا فيه عقبةً، لأنّهم ساروا على خطى "الذي أحبّهم وبذل نفسه من أجلهم".

السؤال المطروح اليوم: "هل نحن مستعدّون للشهادة لكلمة الله في عصر سيطرة المال والمصالح والحروب والغرائز والأنانيّات، وفي عصر التكنولوجيا والتطوّر، ووسائل التواصل التي أمست منابر للشتم والتهديد والتخوين واختلاق الإشاعات والأكاذيب؟ أم أنّنا سنضع الحجج الواهية عقبات أمامنا حتّى لا "نعمل ونعلّم وندعى عظماء في ملكوت السماوات"؟ "

قال المتروبوليت عوده: "يا أحبّة، بلدنا يمرّ بأوقات صعبة. إنّه يحترق. سيادته منتهكةٌ أينما كان، أبناؤه يُقتلون أو يهجّرون من بيوتهم والعالم يتفرّج. أزماتٌ كثيرةٌ تواجهه...وهو يحتاج إلى جهد كلّ لبنانيّ من أجل تخطّي محنته. هو بحاجة إلى رسل سلام ومحبّة وتواضع وتضحية. إنّه محتاجٌ إلى تكاتف أبنائه عوض تشرذمهم وتشاتمهم وصبّ الأحقاد. وطننا جريحٌ وهو محتاجٌ إلى أن يكون أبناؤه جميعهم كذاك السامريّ الصالح الشفوق ... لذا، على اللبنانيّين جميعًا، مسؤولين ونوّابًا وقادةً ومواطنين، أن يعودوا إلى لبنانيّتهم، إلى أصالتهم، إلى إيمانهم، وأن يناضلوا من أجل لبنان ويعملوا على إعادة بناء دولة قويّة، عادلة، مستقلة تعمل من أجل مصلحة أبنائها وكرامتهم، فلا تكون ورقة مساومة أو ساحة تصفية حسابات، بل مسموعة الصوت، تعرف ما يناسبها، وتعمل من أجل بقائها وازدهارها وسلامة أبنائها. هذا يستوجب انتخاب رئيس وتشكيل حكومة وإعادة بناء مؤسّسات الدولة لإعادة الحياة إليها.

لذا علينا أن نحدّد أولويّاتنا، ومهما طالت لائحتها يجب ألّا يترأّسها سوى واحد، هو الربّ، نعمل بهدي تعاليمه، ونكون رسلًا في هذا الزمن المتردّي، أمناء لبلدنا، مناضلين من أجل حرّيّته وسيادته، صنّاع سلام، ناشري محبّة، لا نخجل من إيماننا ومن الإعلان عمّا يصنعه الله من إحسانات في حياتنا، فنمجّده على الدوام، آمين".