"الحياة الأرضيّة ليست هي المبتغى، إنّما مبتغانا أن نحيا مع الله": المطران عوده
كانت للمطران عودة كلمة تمحورت حول جوهر رسالة المسيح، أي محبّة الإنسان وخلاصه، قال فيها:
في إنجيل اليوم آية تعبّر عن خلاصة الإنجيل بأسره، وعن كرازة الربّ يسوع بكمالها. قال الربّ: «لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد لكيلا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة» (يو 3: 16). هذه الآية هي جوهر رسالة الربّ يسوع، أي محبّة الإنسان وخلاصه.
تقسم هذه الآية إلى قسمين:
القسم الأوّل: «لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد» يشير إلى أنّ محبّة الله لا تقتصر على مجموعة مختارة من الناس، بل تمتدّ لتشمل البشريّة جمعاء... إنّها محبّةٌ شاملةٌ تتجاوز الحدود كلّها. نتيجتها أنّ الله «بذل ابنه الوحيد». يشير هذا إلى حقيقة أنّ الربّ يسوع، ابن الله، قد أتى إلى العالم ليخلّص البشريّة. جاء الربّ يسوع إلى الأرض ليعيش حياة كاملة. أخذ الطبيعة البشريّة بكمالها، ما عدا الخطيئة، وعلّم الناس عن محبّة الله، ومات في النهاية على الصليب ليخلّص البشريّة من خطاياها، قبل أن يقوم ويقيم الجميع معه.
القسم الثاني: «لكيلا يهلك كلّ من يؤمن به» يؤكّد أهمّيّة الإيمان بالربّ يسوع، الذي هو مفتاح الخلاص. الإيمان بالربّ يسوع يعني الاعتراف بأنّه ابن الله، وأنّه أمات الموت بموته على الصليب. الذين يؤمنون بالربّ يسوع لن يهلكوا، أي إنّهم لن يعانوا من الانفصال الأبديّ عن الله، بل ستكون لهم الحياة الأبديّة. هذه الحياة ليست مجرّد حياة تدوم إلى الأبد، لكنّها حياةٌ «حيث لا وجع ولا حزن ولا تنهّد»، مليئةٌ بالفرح والسلام. إنّها حياةٌ نعيشها في علاقة وثيقة مع الله.
تبرز لنا هذه الآية محبّة الله فتذكّرنا بأنّها ليست مشروطة أو محدودة، بل تمتدّ إلينا جميعا، بغضّ النظر عن أخطائنا الماضية أو الظروف الحاليّة. إنّها محبّةٌ تعطى مجّانا، بلا قيود. كذلك تشدّد الآية على أهمّيّة الإيمان، وتذكّرنا بأنّ الخلاص لا يكتسب من خلال الأعمال الصالحة أو الإنجازات الشخصيّة فقط، بل من خلال الإيمان بالربّ يسوع. هذا ما يسمّيه الرسول بولس: «الإيمان العامل بالمحبّة» (غل 5: 6).
هذا الإيمان عاشه القدّيسان يواكيم وحنّة فأنجبا والدة الإله التي كانت مثالًا للإيمان العميق بالربّ".
أضاف المطران عوده: "نعيّد اليوم لميلاد سيّدتنا والدة الإله، المؤمنة التي لم تشكّ أبدًا بكلام الربّ على الرغم من الصعوبات التي عرفت بأنّها ستواجهها بسبب قراراتها النابعة من إيمانها.
ميلاد والدة الإله فتح لنا طريق الخلاص لأنّها ستلد الربّ المخلّص الذي يعتق آدم وذرّيّته كلّها من الموت والخطيئة. ميلاد العذراء فرحٌ للمسكونة كلّها، ليس لأنّها ولدت بإرادة الله بما يفوق الطبيعة من زوجين عاقرين بل لأنّها مفتاح الملكوت والسلّم إليه.
مع ميلاد العذراء، نبدأ رحلتنا نحو الملكوت، ومع قبولنا بتجسّد ابن الله وإيماننا به، نعلن قبولنا للملكوت. هذا هو الرجاء والوعد بالحياة الأبديّة اللذان يتحدّث عنهما إنجيل اليوم".
أردف المطران، إذا كان ربّنا وخالقنا قد أحبّ الإنسان إلى حدّ افتدائه، فبذل ابنه الوحيد ليخلّصه، فكيف لإنسان أن يحتقر أخاه الإنسان أو يهمله أو يظلمه أو يسيء إليه؟ وكيف لحاكم أن يتغاضى عن مشاكل المواطنين وهو من شاء تولّي المسؤوليّة، ومن يمتلك القدرة؟ ألا يجدر بالحاكم والزعيم أن يلتفت إلى شؤون إخوته ويعمل من أجل خيرهم وإذا لزم الأمر افتداءهم؟ وأن يلتفت إلى شؤون وطنه ويعمل بصدق من أجل جعله جنّة لساكنيه، مفتديًا الوقت، غير ملتفت إلى الصغائر والضغائن. في السياسة اللبنانية لم يعد للوقت قيمةٌ ولم يعد الإنسان محور الحياة بل المصلحة....ألا يؤذي هذا البلد كلّه وناسه؟ هل أجمل من التلاقي حول قضيّة نبيلة؟ وهل أنبل من قضيّة الوطن ومصلحته؟
علينا أن نتذكّر أنّ هذه الحياة الأرضيّة ليست المبتغى، وأنّ لنا هدفًا هو أن نملك مع الله في الفردوس، كما فعلت العذراء بإيمانها وطاعتها ومحبّتها وتخلّيها عن أناها من أجل خير البشر، والتي تقف أمامنا مثالًا حيّا وقدوة نقتدي بها لنفوز بالحياة الأبديّة والكنز الثمين الذي لا يفنى، آمين.