"الأسرار الإلهيّة لا تُكشف إلّا للمتواضعين": المطران إبراهيم
خدمت قدّاس عيد التجلّي الذي ترأّسه المطران إبراهيم جوقة "وتر" بقيادة فادي نحّاس وحضر في الذبيحة الإلهيّة جمهور كبير من المؤمنين، وبعد قراءة الإنجيل، كانت كلمة للمطران قال فيها: "يكمن جوهر حدث تجلّي الربّ في رفع الحجاب الذي حال دون رؤيتنا المسيح كما هو. ثلاثة من التلاميذ رأوه بوضوح روحيّ تام...نحن نراه فقط باختيار منه وبالقدر الذي يسمح به الروح القدس.
ما يميّز حدث تجلّي المسيح هو نقطتان أساسيّتان: أوّلًا، هو كشَفَ عن هويّة المسيح، وثانيًا، عن كيفيّة تحوّلنا روحيًّا.
يسوع هو الذي كان في البدء، الذي كان مع الله وكان هو الله، الذي به صُنعت الأشياء كلّها، هو أيضًا النور والحياة للناس، ينير كلّ إنسان آتٍ إلى العالم (يوحنّا 1). إنّه يسكن في نور لا يُدنى منه (1 تيموثاوس 6:16) ولكنّه صار جسدًا وسكن بيننا (يوحنّا 1:14)، كما كتب الرسول الذي اختار المسيح أن يكشف له ذلك.
وبتجسّده، يصير هذا الجسد حجابًا يغطّيه عن نظر البشر إلّا إذا كانت لديهم العيون التي ترى ما وراء الحجاب".
أضاف المطران إبراهيم: "بطرس ويعقوب ويوحنّا شهدوا تجلّي المسيح. ما رأوه، من خلال قوّة الروح القدس، هو الملكوت، المسيح في مجد الآب."
نقرأ أنّ وجهه أضاء كالشمس وثيابه أصبحت بيضاء كالثلج، وهذا يعني أنّ المسيح أشرق بالمجد الذي هو طبيعته كإله؛ المجد الذي سيرافقه أيضًا عندما يأتي في نهاية الدهر؛ المجد الذي هو نور ألوهيّة الله.
يسمّي القديس غريغوريوس بالاماس هذا النور بـ "غير القابل للوصف، ألوهيّة الله وملكوته، جمال الطبيعة الإلهيّة وصفاؤها، رؤية القدّيسين وبهجتهم في العصر الذي لا نهاية له، الشعاع الطبيعيّ ومجد الألوهيّة."
وقال القدّيس يوحنّا الدمشقيّ: إنّ المسيح "تجلّى، ليس باتّخاذ ما لم يكن عليه، ولا بتغيّر إلى ما لم يكن عليه، بل بجعل ما كان عليه، مرئيًّا لتلاميذه، مفتّحًا عيونهم وجاعلًا إيّاهم يرون، بعد أن كانوا عميانًا".
هذا يعني أنّ التلاميذ لم يتمكّنوا فقط من رؤية ما وراء حجاب جسد المسيح، بل أُزيل الحجاب عن عيونهم. للحظة، تمكّنوا من رؤية المسيح بصدق، ليس بأعينهم الجسديّة، بل بعين روحهم بواسطة قوّة الروح القدس".
أكمل المطران إبراهيم شرحه قال: "كيف يحدث هذا؟ بعمل الروح القدس الذي يعمل بطريقتين.
الطريقة الأولى: هي عندما نكافح، بنعمة الله، للتغلّب على الأهواء وتطهير روحنا من هذه الشوائب - لأنّ الدخان هو للعين كما أنّ الأهواء والخطايا هي لروحنا. من خلال السقوط، جُرّدت طبيعتنا من هذا النور الإلهيّ، وأظلمت قلوبنا الحمقاء، لذلك، المسيح، برحمته لضعفنا وتشوّهنا بالخطيئة، أخذ طبيعتنا على نفسه وغطّاها بهذا اللمعان.
الطريقة الثانية التي يعمل بها الروح القدس هي "المفاجأة"، كما حدث لهؤلاء التلاميذ الثلاثة عندما أُعطيت لهم العيون لرؤية ملكوت المسيح. يكتب القدّيس مكسيموس المعترف أنّهم انتقلوا من الجسد إلى الروح، حيث أزيل حجاب الأهواء الذي يغطّي العقل وكُشفت لهم أسرار الله."
تابع المطران: "يشير الآباء إلى أنّ التجلّي حدث قبل أربعين يومًا من صلب المسيح ولهدف تقوية هؤلاء التلاميذ لمواجهة الحدث: "لكي يفهموا، إذا ما رأوك مصلوبًا" كما نرتّل في قنداق العيد، "أنّك تتألّم باختيارك، ويكرزوا للعالم أنّك أنت حقًّا ضياء الآب."
في حدث التجلّي يمكننا أن نرى:
أولاً: محبّة الله الواضحة في رواية التجلّي. نزل الله من السماء، من علوّ سموّه وسمائه، إلى خليقته التي على الأرض ومن فرط محبّته للبشر، انحدر إليهم ومن ثمّ رفعهم وأصعدهم من الأرض إلى قمّة الجبل، رمزِ سموّه وعليائه، حيث يكشف عن نفسه لأحبّائه بقدر ما يستطيعون استيعابه.
ثانيًا: الله هو الذي يفتح لنا العالم الروحيّ. الكشف عن ملكوت المسيح جاء فجأة لهؤلاء التلاميذ، بقدرة الروح القدس حيث يرفع الحجاب الناتج عن الأهواء الذي يحجب عين روحنا عن رؤية العالم الروحيّ.
ثالثًا: الدعوة لنا لنقتدي بجهاد القدّيسين للرسوخ في إيماننا وتقوية قناعاتنا، فحتّى إلّم نصل إلى القمّة مثل بعضهم، إلّا أنّهم، على الأقل، يظهرون لنا الطريق إلى الله".
وختم المطران إبراهيم تعليمه بالقول: "أخيرًا، لنتعلّم التواضع مثل مخلّصنا، الذي كان محتجبًا في الجسد، الذي وضع نفسه كإنسان على الرغم من أنّه خالق الإنسان. لأنّ "الأسرار الإلهيّة لا تُكشف إلّا للمتواضعين".