لبنان
12 آب 2024, 07:00

"الأرض الطيّبة هي عقل الإنسان وإرادته وقلبه": البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، يوم الأحد، بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة الصرح البطريركيّ-الديمان.

 

ألقى البطريرك الراعي كلمته التعليميّة من وحي الإنجيل عن مثل الزارع (لو8: 8) متأمّلًا في الآية "وبعض الحبّ وقع في الأرض الصالحة، ونبت فأثمر مئة ضعف".

قال البطريرك: كلمة الله مُشبَّهة هنا بحبّات القمح. الأرض الطيّبة هي عقل الإنسان وإرادته وقلبه. وهي إيّاها نعيشها ثقافةً وحضارة حياة وأخلاقيّة تميّز بين الصالح والطالح، بين الخير والشر. شبّهها الربّ يسوع بحبّة القمح، لأنّ فيها حياة بحدّ ذاتها، لكنّها تقتضي قبولًا في الفكر والقلب والإرادة. الفكر الذي يقبلها إنّما يقبلها حقيقة إلهيّة. تحرّره من كلّ شائبة تشوّهه، وبقبولها يولد الإيمان. عندما تقبلها الإرادة، تصبح قوّةَ رجاءٍ وصمودٍ وثبات في كلّ ما يوحي الإيمان. أمّا بقبولها في القلب فتتحوّل إلى محبّة لله والناس، وتعطي ثمار خير متنوّعة، وفقًا لحاجات المحيط الذي نعيش فيه".

تابع البطريرك الراعي عظته بالقول: "يحذّرنا الربّ يسوع من ثلاثة مواقف سلبيّة تجاه الكلمة الإلهيّة التي نسمعها أو نقرأها وهي في الواقع شخص يسوع المسيح، الإله-الإنسان :

الموقف الأوّل: عدم الاكتراث والإهمال، المشبّه بقارعة الطريق، حيث يسقط الحَبّ فتأكله الطيور وتدوسه الأقدام. تقع الكلمة الإلهيّة في أذن السامع وعقله، فيسلبها منه إبليس عند التجربة أو المصلحة الذاتيّة أو الصعوبة الأولى.

الموقف الثاني: السطحيّة والتحجّر. السطحيّة هي عدم وجود عمق روحيّ ونضج يهيّئ النفس لقبول الكلمة الإلهيّة والتفاعل معها. التحجّر هو التشبّث بالرأي، والانغلاق على الرأي الآخر والنظرة الأخرى. تمامًا مثل الحبّة التي تقع على الصخر، فما إن تنبت تيْبس لافتقادها إلى رطوبة. هذا شأن الذين يقبلون الكلمة بفرح، ولكنّهم سرعان ما يتراجعون عند التجربة الأولى".

تابع البطريرك الراعي مع الموقف الثالث: الانهماك بشؤون الأرض، من دون اعتبار للشؤون الإلهيّة. والظنّ أنّ بالمال أو بالسلطة أو بالسلاح نستطيع كلّ شيء، ولا شيء يُرجى من الله والشؤون الروحيّة. هذه الحالة مشبّهة بالزرع الذي سقط بين الأشواك فخنقه، وتمثّل فئة الذين يسمعون الكلمة، لكنّ الهموم والغنى وملذّات الحياة تعيقها، فلا تجد الكلمة طريقًا إلى عقولهم وقلوبهم وإراداتهم لكي تثمر".

أضاف الراعي: "يتكلّم الربّ يسوع على الشرط الأساس لقبول كلام الله، وهو قبوله، مثل الأرض الطيّبة. فعندما نقبل الكلمة الإلهيّة في صميم عقلنا وإرادتنا وقلبنا، تثمر أفعال خير، ومبادرات صالحة، ومواقف بنّاءة وإنجازات خير وعدل.

فكلمة الله، "حيّة وفاعلة" (عبر 4: 12): "إنّها تعمل في المؤمنين الذين يتقبّلونها كلمةً من الله، لا من البشر" (1 تسا 2: 13)، و"تعطي القدرة على بناء ملكوت الله" (أعمال 20: 32)، ملكوت الشركة ببعدَيْها: العموديّ أي الاتّحاد بالله، والأفقيّ أي الوحدة بين الناس جميعهم.

سماع كلام الله، قراءةً وإنصاتًا وتأمّلًا، واجب على كلّ مؤمن ومؤمنة. وهو واجب بخاصّة على كلّ مسؤول في الكنيسة والعائلة والمجتمع والدولة. لا يستطيع المسؤول الاستغناء عن سماع كلام الله، لأنّ هذا الكلام نور وحياة: نور للعقول، وحياة للقلوب. هو نور للعقول من دونه يضيع الإنسان في ظلمات عدم الوضوح والشرّ، وفي ظلمة الضياع والتحجّر في الفكرة والموقف والرأي والأفكار المسبقة، فيغيب الحوار، ويستولي القرار الشخصيّ المتفرّد.

وهو حياة للقلوب، حياة محبّة وحنان وأخوّة. فمن دونه بغْضٌ وكراهية وعداء".

أكمل البطريرك: "من هنا نقول إنّ كلمة الله تحرّر وتوحّد وتجمع. فيا ليت كلّ مسؤول عندنا يصغي في قرارة نفسه ووجدانه إلى كلام الله، لبدّل العديد من مواقفه السلبيّة، وأوّلها تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، فتستقيم بانتخابه المؤسّسات الدستوريّة".

ختم الراعي عظته بالدعاء: "لنصلِّ، لكي يلطف بنا الله، فنعود نصغي إلى كلامه، كلام النور والحياة، فتسلم حياتنا الخاصّة والعامّة. ونرفع نشيد المجد والشكران إلى الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".