لبنان
14 تشرين الأول 2024, 08:20

"أين رافـعو راية الإنـسـانيّـة وأهمـيّة الحياة؟": المطران عودة

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المطران الياس عوده راعي أبرشية بيروت للروم الأرثوذكس بقداس نهار الأحد ١٣ تشرين الأول في كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت بحضور فاعليات سياسية ومدنية وحشد من المؤمنين وكان للمطران عودة كلمة تناول فيها شوؤن روحية ووطنية.

 

تعيّد كـنيـسـتنـا الـمقدّسـة للآباء الثّلاثمئة والسّبعة والسّتّين المجتمعين في مدينة نيقية فـي المجمع المسكونيّ الـسّـابـع الّـذي عقد عـام ٧٨٧ عـلى عـهد الإمبراطور قسـطنطين وأمّه إيريـنـي للدفاع عن عقيدة إكرام الأيقونات. لذلك، رتّب أن يقرأ عـلى مسامع المؤمنين مقطعٌ من رسالة بولس الرّسول إلى تلميذه تيطس، أسقف كـريـت، يقول لـه فـيـه «صادقةٌ هي الكلمة» ويـعـنـي الكلمة الإلهيّة الّتي تسلّمها الرّسل من الرب يسوع الـمسـيـح نفسـه، وبـدورنـا تسـلّمنـاها نحن جـميـعًا، بـواسـطـة الرّسل وخلفائـهم من الأساقفة، ونعيشها هي نفسها اليوم ونسلّمها للأجيال المقبلة. إنّها كلمة الله، كلمة الحياة، الكلمة الّتي تنير طريقنا لإيصـالنا إلـى الملكوت السّماويّ. هي صادقةٌ لأنّه أوحي بها للرّسل والتّلاميذ والمعلّميـن من الروح الـقدس الـفـاعل فـي دواخلنـا. وقد دافـع عـنهـا شـهداء سـطّروا إيـمـانـهم وأمـانتهم لـهذه الكـلمـة بـحبر دمـائـهـم.

طلب الرّسول بولس من تلميذه تيطس أن يتكلّم بيقين على مصداقيّة الإنجيل، لكي يقود المؤمنين إلى عـيش شهادة المحبّة، «حتّى يهتمّ الّذين آمنوا بالله في القيام بالأعمال الحسنة» (تي 3: كلّ مؤمن يقبل كلمة الله هو رسولٌ في حياته ليقوم بأعمـال المحبّة. الأعمـال الصّـالحة هي الشّـغـل الـشّـاغـل للإنـسـان المـسيـحيّ، وهي «لخير النّاس ومنفعـتهـم»، ولـها منفعةٌ مزدوجـةٌ. إنّها مفيدةٌ في المقام الأوّل لأولئك الّـذيـن يقومـون بـها، لأنّـهم لا يـعيشـون إيمانهم نظريًّا فقط، بل يشرعون في تطبيقه العـمليّ، كما أنّها مفيدةٌ لمن يتلقّونها، لأنّها تخفّف آلامهم ومعاناتهم. لكنّ هذه الأعمال لا تنبع من ذواتنا لأنّنا بشرٌ بطّالون، إنّما من إيماننا بالرّبّ يسوع، كما يقول الرّسـول بـولس: "لكن حين ظـهر لـطـف مـخـلّصـنـا الله وإحـسانـه، لا بـأعمال برّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلّصنا... حتّى إذا تبرّرنا بنعمته نصير ورثةً حسب رجاء الحياة الأبديّة" (تي 3: 4-7).

أضاف المطران عوده قائلًا:  الإيمان وحده ليس كافيًا، والأعمال الصّالحة وحدها ليست كافيةً. يـجب أن تجسّد الأعمال الصّالحة إيماننا بالكلمة، وتحوّله إلى شهادة عمليّة للمحبّة. الطّريق إلى الخلاص هو الإيمان، والتّسليم للمشيئة الإلهيّة. لـذا وجب أن يكون الإيمان شهادةً حيّةً يقدّمها الإنسان في حياته اليوميّة، وليس منهجًا نظريًّا. "أمـا الذي يـعمـل ويـعلّـم فـهذا يدعـى عظيـمـاً فـي ملـكـوت الـسـمـوات"، "الإيمان من دون أعمال ميتٌ" (يع 2: 20). فـالإنسان المؤمن غير العامل يشبه شجرةً غـيـر مثمرة. والأعمال الصّالحة ترضـي الله وهي ثمرة الإيمان. الله يفرح بـالإنسان المؤمن المحبّ الـذي يخدم أخاه المتألّم باسم الرّبّ يسوع الـمـسـيح ويـكـون نـوراً مـشـعّاً كـمـا قـال لنـا الـربّ يـسـوع فـي إنـجـيـل الـيـوم: "أنـتـم نـور الـعـالـم... فـلـيـضىء نـوركـم قدّام الـنـاس ليروا أعـمـالـكـم الـصـالـحـة ويمـجّدوا أبـاكـم الـذي فـي الـسـمـوات".

اليوم، ماذا يعنينا أن نعيّد لآبـاء المجمع السّابع وعقيدة إكرام الأيقونات؟ لأنّـنـا في هذا الوقت ندرك أهمّيّـة الأيقونة، ونفهم خلق الله الإنسان علـى صورته ومثاله، لأنّنا فـي زمن يجب علينا فيه التّرفّع عـن التّحزّب الأعمى والتّعصّب والتّزمّت وكلّ ما من شأنه أن يبعدنا عن أخينا الإنسان، والنّظر إلـى الآخر علـى أنّه صورةٌ لله الخـالق. على أبناء الله الواحد أن يحبّوا بعضـهم بعضًـا، ويعتنـوا ببعضـهم، لأنّه سيسألون عن ذلك أمام العرش الإلهيّ في يوم الدّينونة الأخير. لن نسأل عن مدى حفظنا للعقائد، علـى أهمّيّتها، بل عن مدى تفـعيل هذه العقائد وحسن تثميرها لما فيه خير الآخرين. العقيدة الوحـيدة الـلّازمة هي «المحبّة» الّـتي تتولّد منها كلّ الخصال الحميدة. مـحـبّـة الله والـقـريـب، ومـحـبّـة الـوطـن الـذي شـاءنـا الله فـيـه، وعـلـيـنـا الـمـحـافظة عليـه كـحـدقـة الـعيـن، وعدم الـتـفـريط بـه.  

أردف المطران قائلًا : في هذه الظروف المصـيريـة، عـلـى الـلـبـنـانـيـيـن عامـةً، والـمـسـيـحيين منهم خاصةً، والقادة الـمـسـؤولـين بـشـكـل أخـصّ، الإبتـعاد عن الـمـمـاحـكـات والـترفّـع عن الأنـانيّة والمـصـلـحـة، والمـبـادرة الـفوريـة إلى إنقاذ البلد باتّخـاذ المبـادرات الـنـافـعـة التـي لا تخدم إلاّ لبنان. علـيـهـم مسؤولـيةٌ وطنيّـةٌ كـبـيـرةٌ ومـطـلـوبٌ مـنهـم دورٌ وطنـيٌّ كبيرٌ هو انتـخـاب رئـيس بأسـرع وقـت، بالطرق الديـمقـراطـيّة، وبـحـسـب ما يـمـلـيـه الدستور، ليـحمـل قضيّـة لبنان وصـوتـه إلـى الـعالـم، يفـاوض بـاسـمـه ويدرأ عنـه المخاطر.  

إنـتـخـاب رئـيـس لـلبـلاد لـيـس تفصـيـلاً فـي حـيـاة الـشـعوب ومـسـيـرة الأوطـان لأنّ الـرئـيـس هـو قـائـد الـسـفيـنـة ومـوجّـهـهـا، ولـبـنـان بـحـاجـة مـاسّـة إلـى رئـيـس يـعمـل مـع حـكـومـة مـتـجـانـسـة عـلـى حـمـايـة لـبـنـان ووقف الـقتـال والـتـدمـيـر والـتـهـجـيـر، واعـتـمـاد كـلّ الـوسائـل الـدبـلـوماسيّة لبـلوغ هـذا الهدف.  

هنا لا بدّ من التساؤل أين حماة حقوق الإنسان؟ أين رافـعو راية الإنـسـانيّـة وأهمـيّة الحياة؟ أين الأمم كلّها لا يحرّكها موت البشر وتـهـجـيـرهـم بالآلاف في لـبنـان وفلـسـطـين وغيـرهمـا مـن البـلـدان التـي تفتك بـهـا الـحروب والمـجـازر؟  

أضاف المطران  في الأيّام العصيبة الّتـي نعيشـها اليوم، تزداد الحـاجـة إلـى الشـهادة للحق، كما تزداد احتياجات النّاس إلى كلّ من الخيرات المادّيّة والدّعم الروحيّ، لذلك نـحـن مـدعوون إلـى أن نشهد لمحبّة الربّ يسوع المسيح الذي هو الطريق والحقّ والحياة، من خلال الأعمال الصّالحة الّتي تولّد الأمان والـطّمأنينة، وتعكس محبّة المسيح وسلامه للعالم أجمع، وتؤكّد علـى أنّ الكلمة التي نبشّر بها هي صادقةٌ، آمين.