"أوصى يسوع تلاميذه بالصبر، وبالثبات في الإيمان، وبمواصلة إعلان إنجيل الملكوت": البطريرك الراعي
بعد قراءة الإنجيل من الفصل الرابع والعشرين للقدّيس متّى، ركّز البطريرك الراعي تأمّله على الآية الثالثة: "ما هي علامة مجيئك ونهاية العالم" (متى 24: 3) وقال: "عندما كلّم الربّ يسوع تلاميذه عن خراب هيكل أورشليم، ظنّوا أنّها نهاية العالم. ذلك أنّ الهيكل هو كلّ شيء بالنسبة إليهم، وهو محطّ آمالهم، والصامد أبدًا. فسألوه: "متى يكون هذا وما هي علامة مجيئك ونهاية العالم"(متى 24: 3). لكنّ الربّ كلّمهم عمّا سيواجهونه من مضايق واضطهادات، وعمّا سيصيب العالم من حروب وزلازل، وعن ظهور مسحاء كذبة يضلّون الشعوب. فأوصاهم بأمرين: التسلّح بالصبر "فمن يصبر إلى النهاية يخلص"، "والكرازة بإنجيل الملكوت في الخليقة كلّها، وعندئذٍ يكون الانقضاء".
نجتمع في هذه الليتورجيا ونصلّي فيها من أجل نهاية الحروب، وإحلال سلام عادل وشامل في جنوبيّ لبنان وغزّة. ونصلّي لراحة نفوس القتلى وشفاء الجرحى الذين سقطوا من صفوف حزب الله في لأسبوع المنصرم".
تابع البطريرك كلامه قال: "نحن في زمن الصليب، وهو المرحلة الأخيرة من السنة الطقسيّة. إنّه زمن النهايات والواقعات الجديدة، ونعني الموت والدينونة الخاصّة والعامّة والخلاص الأبديّ والهلاك، ونعني مجيء المسيح الثاني بالمجد، ومجيئه اليوميّ في حياتنا، حيث يطلب منّا الشهادة له.
أمّا نبوءة الربّ يسوع عن خراب الهيكل، فقد تمّت على يد الرومان سنة 70 مسيحيّة... ولم يتمكّن اليهود من إعادة بنيانه حتّى يومنا لأنّهفقد قدسيّته ومبرّر وجوده، بعد قتل سيّده وربّه يسوع المسيح. وفي الواقع "عندما أسلم يسوع الروح"، إذا حجاب الهيكل قد انشقّ شطرين من الأعلى إلى الأسفل" (متّى 27: 50-51).
لم يجبهم يسوع على سؤالهم: "متى يكون هذا، وما هي علامة مجيئك ونهاية العالم" (متى 24: 3). بل دعاهم إلى الصبر مؤكّدًا: "من يصبر إلى المنتهى يخلص" (متى 24: 13). ودعاهم إلى الثبات في إيمانهم على الرغم من الاضطهادات والمضايق والتضليل، وإلى مواصلة إعلان إنجيل الملكوت، هذا الإنجيل يعني الاتّحاد بالله عاموديًّا، والوحدة مع الناس جميعهم أفقيًّا".
أضاف الراعي: "إنّ زمن الصليب يدعونا نحن المسيحيّين، إلى أن ننظر إلى الوطن السماويّ، من حيث يُعطى لنا نور جديد، وقوّة في التزامنا ومسيرتنا اليوميّة، الهادفة إلى نشر ملكوت الله، بالكرازة وشهادة الحياة، والأفعال والمبادرات. إنّها خدمة غالية يجب أن نقدّمها إلى عالمنا هذا، الذي غالبًا ما لا يقوى على رفع نظره إلى الأعلى، إلى الله، بسبب انغماسه في تيّارات الماديّة والاستهلاكيّة والنسبيّة؛ وبسبب تيّار الإلحاد المعاصر الذي يؤمن بوجود الله، لكنّه يضعه جانبًا لاعتباره غير مفيد وغير فاعل في الحياة اليوميّة، ويعطي الأهمّيّة والقدرة للمال والسلاح والسلطة، وهي الأصنام الجديدة".
أكمل البطريرك كلامه، قال: "يدعونا البابا فرنسيس إلى أن نتحرّر من "الأصنام الكبيرة والصغيرة" التي هي فينا، أو نلجأ إليها، أو نبحث فيها عن أماننا. إنّها أصنام نحتفظ بها وربّما تكون الطموح إلى النفوذ والتسلّط والسيطرة على الآخرين، وسكرة النجاح، ووضع الذات كمحور، والاعتقاد بأنّنا أسياد حياتنا الوحيدون...فضيلة التعبّد لله، وهي واجب من باب العدالة تجاه الله، تعني التجرّد من أصنامنا، واختيار الله كمحور لحياتنا، وكطريق أساسيّ لها" (راجع عظته في 14 نيسان 2013).
هذا السؤال مطروح علينا وعلى كلّ لبنانيّ بشأن الأصنام الكبيرة والصغيرة في حياة كلّ إنسان، وفي حياة الجماعة الصغيرة والكبيرة...
إنّ التقدّم الوحدويّ والسلميّ الذي حقّقه الشعب اللبنانيّ عبر المئة سنة المنصرمة لم يكفِ لإنشاء دولة لبنانيّة مستقلّةٍ ومستقرّة، قادرة على توحيد مكوّناتها، وطيّ صفحة الانقسامات التاريخيّة، الداخليّة، والحروب، وهذا غير ممكن من دون انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة...، رئيسٍ قادر على توحيد البلاد، رئيسٍ جدير بثقة اللبنانيّين والدول الصديقة.
فتبقى التعدّديّة اللبنانيّة، وحياد النظام السياسيّ، ووحدة الولاء للبنان كفيلة بحلّ الأزمات الداخليّة والخارجيّة.
لبنان في حزن شديد لما أوقعت إسرائيل من ضحايا لبنانيّة مدنيّة وحزبيّة وقياديّة في صفوف حزب الله أيّام الثلاثاء والأربعاء والجمعة...وإنّا نقدّر المستوى الطبيّ في المستشفيات التي فتحت أبوابها، وأوقفت كلّ إمكاناتها للمعالجة. هذا فضلًا عن ضحايا جنوبي لبنان ودمار المنازل وتهجير المواطنين. إنّنا نوجّه النداء إلى مجلس الأمن لوضع حدّ لهذه الحرب بالسبل المتاحة. فإذا تُرك المتحاربون، يفنون بعضهم بعضًا... فلا بدّ من فرض إيقاف الحرب والدعوة إلى مفاوضات السلام. السلام هو "صنيع العدالة" (أشعيا 32: 7)، وثمرة المحبّة النابتة من الأخوّة الإنسانيّة...فيا ليت المتحاربون يقفون لبرهة أمام نفوسهم وأمام الله، لرموا السلاح من أيديهم وطلبوا عطيّة السلام!
فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، لكي يعضدنا الله بنعمته فنصبر على المحن، ونواصل الكرازة بإنجيل الخلاص، فالله هو سيّد التاريخ وحده، ويتدخّل ساعة يشاء وكيفما يشاء. له المجد إلى الأبد، آمين.