لبنان
05 آب 2024, 08:30

"ألا تهزّ ضمائرهم جريمةٌ أودت بحياة أبرياءٍ بينهم أطفالٌ في عمر الورود":المطران عوده

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المطران إلياس عوده، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس بخدمة القدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس يوم الأحد 4 آب/أغسطس رافعًا فيه الصلاة لأجل راحة نفوس ضحايا انفجار التاريخ عينه 2020.

 

قُرئ الإنجيل من متّى (6: 28-34) وكانت للمطران عوده كلمة قال فيها: "يأتي المقطع الإنجيليّ الذي سمعناه اليوم بعد شفاء الربّ يسوع للمجنونَين في كورة الجرجسيّين، التي بادل أهلها إحسان الربّ بمطالبته بالرحيل عنهم فغادرهم «وجاء إلى مدينته». يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم: «مدينته هنا تعني كفرناحوم. ثلاث مدنٍ استقبلت الربّ يسوع: في ميلاده بيت لحم ومعناها "بيت الخبز"، التي تجسّد فيها وقدّم نفسه خبزًا لكلّ جائعٍ، وفيها أتى إليه البسطاء كالرعاة، والحكماء المتواضعون كالمجوس، أي اليهود والأمم. بعد عودته من مصر استقرّ في الناصرة التي معناها "الغصن" حتّى يلتقي به كلّ من أراد الاتّحاد به كما يتّحد الغصن بالكرمة (يو ١٥: ٢). المدينة الثالثة هي كفرناحوم التي اختارها الربّ موطنًا له، ومعنى اسمها "بلدة التعزية أو الراحة"، والربّ نفسه هو الموضع الذي تجد فيه كلّ نفسٍ راحتها وتعزيتها".

أضاف المطران: "عندما سمعوا أنّ الربّ في بيتٍ، "اجتمع كثيرون حتّى لم يعد يسع ولا حول الباب". يقول آباؤنا القدّيسون إنّ المؤمن الحقيقيّ، متى حلّ فيه المسيح، كما في ذاك البيت، يجتمع حوله الناس مشتهين عطر المسيح ونوره المنبعثيْن من حياة هذا المؤمن وفضائله. المسيح خاطب الناس بالكلمة، بشّرهم كمعلّمٍ، أمّا المؤمن الممتلئ من المسيح فيبشّر بحضوره وحياته لأنّه صار، بإيمانه المعبّر عنه في كلّ ما يقول ويفعل، أيقونةً حيّةً للمسيح القائل: «ليضئ نوركم هكذا قدّام الناس لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات» (مت ٥: ١٦)".

تابع المطران عوده: "يروي لنا الإنجيليّان مرقس ولوقا ، في سردهما للحادثة عينها، أنّ أصحاب المخلّع لم يستطيعوا الوصول به إلى السيّد بسبب الجموع، لكنّ إيمانهم بالسيّد الشافي ومحبّتهم لصديقهم دفعاهم إلى حفر سقف البيت ليدلّوا منه المخلّع أمام السيّد. من هنا، أهمّيّة أن يحمل المؤمنون أثقال بعضهم فيتمّموا بذلك «ناموس المسيح» (غل ٦: ٢). يقول القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلان: «هل فقدت الأمل بسبب كثرة خطاياك؟ أطلب صلوات الآخرين من أجلك...,الربّ يتنازل من أجلها فيتحنّن عليك ويشفيك»".

وقال عوده أيضًا: "مقابل هذه المحبّة نجد الكتبة الذين، عوض أن يفرحوا بشفاء المخلّع ويعظّموا أعمال الله، اتّهموا الربّ بالتجديف. هذا يعني أنّهم لم يعرفوا من الله إلّا ما رأوه بقصر نظرهم ويباس قلوبهم وظلام ضمائرهم، فيما كان عليهم أن يبادروا هم إلى حمل المخلّع نحو السيّد، وهم مدّعو الأمانة لوصايا الله، وغايتها حمل النفوس المخلّعة إلى الخلاص. الربّ لم يبادل الجفاء والقسوة بالمثل، بل تنازل إليهم وعلّمهم على مقدار فهمهم، هو الذي «يريد أنّ جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحقّ يقبلون» (١تي ٢: ٤). كشف لهم قلوبهم عندما قال لهم «لماذا تفكّرون بالشرّ في قلوبكم»، مؤكّدًا بذلك أنّه هو الله العالم خفايا القلوب وديّانها. ثمّ أراهم، بما يناسب محدوديّة فكرهم المادّيّ، أنّه هو غافر الخطايا ومانح الشفاء التامّ، وهو تابع قائلًا: «ما الأيسر: أن يقال مغفورةٌ لك خطاياك أم أن يقال قم فامش». ثمّ فتح لهم باب التوبة الحقيقيّة والعودة إلى الله، عندما أمر المخلّع أن يقوم ويحمل سريره ويذهب إلى بيته، فعاينوه واقفًا معافًى، حاملًا سريره وعائدًا إلى بيته الآمن الذي هو حضن الله".

أضاف المطران عوده: "نستذكر اليوم مصابًا أليمًا أصاب قلب عاصمتنا بيروت منذ أربع سنواتٍ...أربع سنواتٍ والجرح ما زال نازفًا لأنّ التحقيق لم يكتمل والحقيقة لم تظهر والجاني لم يحاسب أين المسؤولون من الواجب الملقى على عاتقهم؟ ألا تهزّ ضمائرهم جريمةٌ أودت بحياة أبرياءٍ بينهم أطفالٌ في عمر الورود، وتدفعهم إلى كشف سرّها ومعاقبة فاعليها؟ ألا يهتمّون بأرواح المواطنين وآلام ذويهم؟ أين القضاة والمحامون والزعماء والشعب كلّه؟ ألا يدمي مشهد أهالي الضحايا قلوبهم. ولو كان أبناؤهم بين الضحايا هل كانوا يسكتون عن الجريمة ويتغاضون عن الحقيقة؟ معيبٌ السكوت عن جريمةٍ بحجم عاصمة، ومعيبٌ تقاذف المسؤوليّة عوض مساعدة القضاء على جلاء الحقيقة. ما نفع دولةٍ لا قانون فيها ولا عدالة؟ ...متى ينتفض الجسم القضائيّ على السياسة والسياسيّين ويمنع كلّ يدٍ تمتدّ لتعطيل عمله وتشويه صورته ودوره؟ ومتى ينتفض على نفسه لينقّي نفسه...؟  

4 آب يومٌ أسودٌ في تاريخ بيروت وفي الذاكرة. وهو جرحٌ مفتوحٌ لن يندمل ما لم تظهر الحقيقة. أملنا أن يستفيق الضمير ويبزغ نور العدالة ويحاسب كلّ مجرمٍ كي لا تتكرّر الجريمة. هنا أسأل كلّ مقصّرٍ أو مشتركٍ أو مسبّبٍ للكارثة، أو عالمٍ بخفاياها: لو كان أبناؤك بين الضحايا ماذا كنت فعلت؟ لذلك حاسب نفسك لتريح ضميرك أوّلًا ثمّ اذهب إلى التحقيق وقل ما تعرف علّك تساهم في كشف الحقيقة.

في الدول الراقية يستقيل المسؤول أو يُقال إذا حصل خللٌ في إدارته...عندنا لم يتزحزح أحدٌ من المسؤولين من مركزه... متى يصير لبنان دولة مقاومةٍ من أجل الحقّ والعدل والخير؟

نصلّي اليوم من أجل راحة جميع النفوس التي انتقلت في 4 آب 2020، أو بعده، ومن أجل من لا يزال يعاني جسديًّا ونفسيًّا ومادّيًّا. نصلّي من أجل الوصول إلى العدالة المنشودة في هذا الملفّ، وغيره من الملفّات، كما نسال الربّ أن يحمي وطننا من كلّ شرٍّ وتجربةٍ وحربٍ وعدوان، وأن يحمي جيش لبنان ليظلّ الحصن والحامي..."