لبنان
10 حزيران 2024, 10:30

"أصبحت كلّ قضيّة مُحِقّة تعنيني لأنّ المسيح يعنيني": المطران ميشال الجلخ

تيلي لوميار/ نورسات
سيم الأب ميشال الجلخ رئيسًا لأساقفة نِصِّيبين شرفًا للموارنة بوضع يد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أثناءالقداس الإلهي، الذي أُقيم على مذبح كابيلا القيامة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان بولس عبد الساتر وأنطوان بو نجم ، وشارك معه عميد دائرة الكنائس الشرقية في الفاتيكان الكاردينال كلاوديو غودجيروتي، وبعض من بطاركة الكنائس الشرقية وأساقفتها والسفير الباباويّ في لبنان باولو بورجيا، ورئيس الرهبانيّة الأنطونيّة الأبّاتي جوزيف بو رعد، ومجمع الرئاسة العامّة في الرهبانيّة، وفاعليّات سياسيّة وأمنيّة وديبلوماسيّة وقضائيّة ودينيّة ونقابيّة وإعلاميّة وتربويّة واجتماعيّة، وعائلة المطران الجلخ وأبناءَ قريته. وخدمت قداس السيامة جوقة الجامعة الأنطونية برئاسة المايسترو الأب توفيق معتوق والمرنّمة جومانا مدوّر

 

ألقى المطران الجديد كلمة شكر قال فيها:  

"في اللحظات المِفصَليَّة من العمر يتوقَّف المرء بُرهةً ليَجرُد ما عِنده من حسابات ويَستخلص منها العبرَ ربَّما، فتستوقِفُه مفارقات حياته ويرى ما لا يراه في زمنه العاديّ ويوميّاته الروتينيَّة. هذه هي حالي، إذ أرى اليوم، وبوضوح أشدَّ كيف أنَّ يد الربِّ رافقتني منذ البداية لتقودَني في أهمِّ القضايا كما في أصغر الأمور، وتخلِّصَني من عثرات الحياة وأضاليلها، ومن أوهام الدنيا العابرة وأباطيلها. لقد أكرمني الربُّ خير كَرَمٍ، وأنعم عليَّ أن أتذوَّق وأنظر باكرًا ما أطيب طعمَه وما ألذَّ العيشَ في سكناه. وإذا ما استعرضتُ طفولتي أقول إنِّي تعرَّفتُ، فتعلَّمتُ، بفضل أبي وأمِّي، أن أحبَّ الله أوَّلًا وآخرًا، وأعملَ برضاه. ومع دخولي الرهبانيَّة ومرحلة التنشئة تعرَّفتُ، فتعلَّمتُ، بفضل معلِّمِيَّ، أن أحبَّ رهبنتي ورسالتَها وسخاءها وروحانيَّتها وآباءها ونسَّاكها وقدِّيسيها. وفي مرحلة الدراسة في إيطاليا تعرَّفتُ، فتعلَّمتُ أن أحبَّ الكنيسة الجامعة بتنوُّعها وغناها وحضارتِها وعظمةِ فنونها المتعدِّدة. وفي بداية حياتي الكهنوتيَّة في روما تعرَّفتُ، فتعلَّمتُ أن أحبَّ الرهبانيّات الأخرى المارونيَّة منها والملكيَّة الكاثوليكيَّة والأرمنيَّة، وذلك بسبب تفاعلنا وبحكم مسؤوليّاتنا عن جماعاتنا وأديرتنا. وفي مدرسة الأنطونيَّة الدوليَّة عجلتون تعرَّفتُ، فتعلَّمتُ أن أحبَّ وأخدِم بيئتي وأهلي وأساتذتي وتلاميذي. وفي مجلس كنائس الشرق الأوسط تعرَّفتُ فتعلَّمتُ أن أحبَّ أخي الأرثوذكسيّ والإنجيليّ بحكم علاقاتي بهما وعَمَلِنا معًا. وفي الجامعة الأنطونيَّة تعرَّفتُ فتعلَّمتُ أن أحبَّ وأخدُم أخي الشيعيّ والسنِّيّ والدُرزي... وفي كلِّ هذا تعرَّفتُ فتعلَّمتُ أن أحبَّ كنيستي المارونيَّة وأفتخرَ بها وبتاريخِها وانفتاحها وإرثها وتضحياتها".

 

وتابع: "لقد أصبَحَتْ صَلاتي مجبولةً بصلاة أخي الضعيف الأرثوذكسيّ في الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة، وأخي الأرمنيّ المهجَّر قسرًا من ناغورنو-كراباخ، وأخي الأرثوذكسيّ الشرقيّ المستضعَف في إرتريا وإثيوبيا، وأخي الكاثوليكيّ المقهور في سورية، وأخي المسلم المشرَّد والمقتول في غزَّة. لقد أصبحت كلُّ قضيَّةٍ مُحِقَّة تعنيني لأنَّ المسيح يعنيني، وهو الحقُّ والحقيقة والعدل والعدالة. في أوكرانيا، كما في غزّة وسورية والعراق، وكما في كلِّ الحروب، إنسانيَّتُنا هي التي على المِحك. إنَّ الإنسان الذي فينا لا يُمكنُه أن يُغلق عينيه عمّا يدورُ حوله. كلّنا معنيُّون بالأخُوَّة وبالمحبَّة، لأنَّ الله محبَّة! خِبرة السنة الفائتة في دائرة الكنائس الشرقيَّة، المعطوفة على سنواتِ ثمانٍ سابقة، علَّمتني ألّا مَفرَّ من الاتِّكال على النفس، والتعاون الصادق من أجل خير أبنائنا وبناتنا في هذا المشرق، وعلَّمتني بالأخصّ أن أصلِّي من أجل شعوبنا وأوطاننا، ومن أجل كلِّ ضعيفٍ ومظلومٍ وفقيرٍ ومحتاج. إنَّهم وديعةُ الربِّ التي تسلَّمتُها: علَّني أستحقُّ يومًا أن أقولَ ما قاله السيِّد "لقد حَفِظتُهم باسمك" (يوحنا 17: 12). فكم من قضايا كنسيَّة تحتاج إلى صلاة نرفعُه إلى الله أكثر منها إلى معالجةٍ إداريَّةٍ بيروقراطيَّة بحتة.  وإنَّني، وأنا أحمل هذه الأمور كلّها في صلاتي ووجداني، لا أنسى قضيَّة وطني لبنان. أملي أن يتخطّى أزمته وصعوباته التي ليست بشيء إن كنّا على قلبٍ واحد: كلّنا نحبُّ هذا الوطن وكلّنا نرغبُ في العيش على أرضه، ما ينقصُنا هو قليلٌ من الزُّهد والتواضع والتراجع عن تعنُّتنا وأنانيَّتنا حتى نجد مكانًا مشترَكًا نلتقي فيه، لننطلق بهذا الوطن الفريد بتكاتفه الإنسانيّ، والجميلِ بصلابته الروحيَّة، والحاضنِ هُويّاتِه المتنوِّعة، والمتميِّزِ بمجتمعه المبنيّ على العائلة وقِيَمِها".

 

وقال: "أرفعُ الشكر إلى الله على كلِّ ما أعطانيه، هو مَن أشرق في قلبي لأُدرك أنَّني لست سوى "آنيةٍ من خَزَف، كما يقول الرسول بولس، تحمِل هذا الكنزَ ليظهر أنَّ تلك القدرةَ الفائقة هي من الله لا منّا" (2قور 4: 7). بتحيَّة البُنوَّة أشكر قداسة البابا فرنسيس، اليسوعيّ الذي أَوْلى الحياةَ المكرَّسة والكهنوتيَّة اهتمامًا فائقًا منذ تولّيه السُّدَّة البطرسيَّة. أشكُرُهُ ليس لأنَّه اختارني فحسب، بل لأنَّه من خلال اختياره إيّاي ميَّزَ الكنيسةَ المارونيَّة بكهنتها، وميَّز معها رهبانيّاتنا التي أرسَلَتْ وما زالت تُرسِل فعلةً للحَصاد وخدّامًا في حقل الربّ. أتوجَّه بالشكر العميق إلى صاحب الغبطة والنيافة مار بشارة بطرس الراعي على محبَّته الأبويَّة التي غمرني بها منذ سنينٍ وسنين، وبالأخصِّ منذ تعييني أمينَ سرِّ دائرة الكنائس الشرقيَّة مُرحِّبًا بهذه الخطوة ومُقدِّما كلَّ تشجيع ودعم. وكم يُسعدني أن يكون غبطتُه هو مَن وضع يده ورسمني أسقفَ شرفٍ على أبرشيَّة نِصِّيبين للموارنة العريقة بتاريخها وتراثها ومدرستها اللاهوتيَّة والفلسفيَّة. كيف لي ألّا أكون وفيًّا لأبوَّته ومقدِّرًا مواقفَه وهو الحريص على حَمْل الأمانة "بالشركة والمحبَّة. شكري الكبير لرهبانيَّتي الأنطونيَّة الممثَّلة بشخص رئيسها العام الأبّاتي جوزف بو رعد، كما وأيضًا بعرّابي المطران سمعان عطالله. هذه الرهبانيَّة التي أدينُ لها بأجملَ ما عندي وبأفضلَ ما قمت به.  فيها حَلَمتُ وفيها تأجَّجتْ نارُ الحقائق الإلهيَّة بداخلي، ومِن مَنهلها استقَيتُ المشورات الإنجيليَّة والمعارف الروحيَّة. أمّا شكري الخاصّ والحميم فهو لأمِّي سلوى وأبي الياس على عنايتهما بالعائلة وعلى تضحياتهما الدائمة وصلاتهما الثابتة. الشكر لكما على القِيَم التي زرعتماها فيَّ منذ نعومة أظفاري، وعلى احترامِكما خصوصيَّة خياراتي. لقد شكَّلتُما حجر الزاوية الذي بَنَيتُ حياتي عليه، وكنتما خيرَ مثالٍ في العطاء والتفاني والمجّانيَّة. أشكر الله عليكما وعلى حضوركما اليوم أمامي في هذه المناسبة. أعمِّم شكري هذا ليشمُلَ أخواي منصور وجورج وعقيلتَيهِما سميرة وكاتيا وأولادهم. إنَّهم ثروتي العائليَّة التي أنهل منها عطفًا وحنانًا وفرحًا".

ثمّ توجّه رئيس أساقفة نصّيبين للموارنة شرفًا إلى الحضور المشارك في سيامته، وإلى أبناء بلدته بحرصاف ورعيّتيه، ومن كانت له أيّ مساهمة في الاحتفاليّة، وجوقة الجامعة الأنطونيّة، والمرنّمة مدوّر، والإعلاميّين، ومحطّة تيلي لوميير، والـLBC...، بالشكر القلبيّ، الصادق.  

وختم المطران الجلخ كلمته بطلب الصلاة من الحضور والمتابعين للاحتفال، والشفاعة من مريم العذراء والقدّيس مارون، والقدّيس أنطونيوس وقدّيسي لبنان، والطوباويّ العتيد، البطريرك إسطفان الدويهي، مؤكّدًا حمل الجميع، من جهته، بصلاته.