لبنان
11 كانون الأول 2023, 09:45

يونان: نعلن تضامننا الكامل مع أولادنا في الجنوب... إنّهم سياج الوطن

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد مولد يوحنّا المعمدان وعيد القدّيسين بهنام وسارة، رسم بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان ثمانية من أبناء رعيّة مار بهنام وسارة- الفنار شمامسة مرنّمين وقرّاء ورقّى ستّة منهم إلى درجة الشّمّاس الأفودياقون (الرّسائليّ)، وألبسهم القمصان البيضاء والهرّارات. ومن جهة ثانية أعلن التّضامن الكامل "مع أولادنا في الجنوب في هذا الزّمن الأليم الّذي يقضونه بسبب النّزوح والتّهجير والقذائف الّتي تنهمر على بيوتهم ومدارسهم ومؤسّساتهم"، واصفًا إيّاهم بـ"سياج الوطن".

يونان الّذي ترأّس القدّاس بمعاونة النّائب العامّ لأبرشيّة بيروت البطريركيّة المطران متياس شارل مراد، والقيّم البطريركيّ العامّ وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد، وكاهن الرّعيّة الأب ديفد ملكي، وأمين السّرّ المساعد في البطريركيّة وكاهن إرساليّة العائلة المقدّسة الأب كريم كلش، بحضور فعاليّات الرّعيّة وأبنائها، ألقى عظة بعنوان "لا بل يُدعَى يوحنّا"، تحدّث خلالها عن "اليوم الّذي هو الأحد السّادس من الآحاد الّتي تسبق عيد الميلاد حسب طقسنا السّريانيّ، وفيه نحتفل بميلاد يوحنّا المعمدان، هذا الّذي قال عنه يسوع: أعظم مواليد النّساء. إنّنا إذا تأمّلنا بحياة يوحنّا المعمدان، من الحبل به في بطن أمّه أليصابات، ودعوته للتّكرُّس الكلّيّ لله تعالى، ودعوته للشّعب كي يتوب ويعتمد في نهر الأردنّ، والشّهادة للحقيقة حتّى قطع الرّأس، نرى فيه هذا النّبيّ الّذي يصل العهد القديم بالعهد الجديد، والقريب جدًّا من الرّبّ يسوع الفادي، والّذي نحتفل بعد ما يقرب من أسبوعين بميلاده بالجسد، هو الّذي أصبح مثلنا بشرًا".  

وأضاف بحسب إعلام البطريركيّة: "نحتفل اليوم أيضًا، في العاشر من كانون الأوّل، بكلّ الفرح والفخر، بعيد مار بهنام وأخته سارة ورفاقهما الأربعين شهيدًا، والّذين يذكر عنهم تاريخنا الكنسيّ أنّهم استشهدوا في أوائل القرن الرّابع. إنّهم شهداء أبرار نفتخر بهم، يذكّروننا أنّ كنيستنا هي دائمًا على درب الشّهادة، وهذا ليس بغريب عنّا، لأنّنا منذ بدء المسيحيّة حتّى اليوم، نحن كمسيحيّين، نحتمل كلّ أنواع الآلام والاضطهاد بسبب إيماننا بالرّبّ يسوع. وهذا الأمر يجعلنا نستذكر ما كتبه بولس الرّسول عن النّاموس والإيمان، فالنّاموس كلمة يونانيّة تعني القانون، الشّريعة، إذ في أيّام بولس كانوا يعتقدون أنّهم إذا تمّموا الشّريعة ومتطلّبات القوانين، فهذا يعني أنّهم يتمّمون إرادة الله، فيعود بولس ليركّز على أنّ الإيمان هو أهمّ من الشّريعة.  

حتّى اليوم نعرف أنّ هناك من يعتقد أنّه إذا تمّم بعض الفرائض، فيكون حينها قد أكمل كلّ متطلّبات الإيمان. وهذا ليس فعلاً متجاوبًا مع دعوتنا المسيحيّة، فالإيمان هو أهمّ، وبالطّبع القوانين والشّرائع، أيّ النّاموس، هي ثمرة إيماننا. فإن لم يكن لنا إيمان، لا تعطي هذه الثّمرة المفعول الّذي نحتاجه.  

إنّ القدّيس بولس يذكّر المؤمنين أيضًا أنّه يتمخّض بهم، أيّ أنّه هو الّذي وَلَدَهم بالإيمان، وهذا الأمر يؤكّد أنّ المكرَّسين للخدمة في الكنيسة هم الآباء، بمعنى الآباء الرّوحيّون الّذين يلدوننا بالإيمان، ويمنحوننا ولادة الرّوح، وهنا يبرز دورهم وكيف عليهم أن يعكسوا حقيقةً الرّبّ يسوع في حياتهم. وهذا الشّيء مطلوب من كلّ أعضاء الإكليروس، من كاهن الرّعيّة، وإخوته الكهنة، والمطران، والبطريرك، فعليهم جميعًا أن يعرفوا دورهم الخطير بولادة المؤمنين روحيًّا، كي يكونوا لهم الآباء الحقيقيّين".  

وتكلّم يونان عن رسامة الشّمامسة الجدد، فقال: "اليوم أيضًا نفرح بمنح الرّسامة بدرجات المرنّم والقارئ والأفودياقون أيّ الرّسائليّ لثمانية من أولادنا الأعزّاء الّذين يتقدّمون بكلّ اندفاع كي يخدموا الكنيسة، ويكونوا مثالاً في الخدمة، ليس بالكلام فقط، بل بالفعل أيضًا، وهذا ما نحتاج إليه من خدّام الكنيسة، ونحن نعلم أنّ الشّمّاس بالسّريانيّة تعني الخادم. نسأل الرّبّ أن يباركهم في هذا الخطوة الّتي يقومون بها، كي يصبحوا مثالاً لرفاقهم الشّباب ولآباء العائلات، فيُضحُوا بالحقيقة المؤمنين الخادمين حسب قلب الرّبّ".  

وتناول الوضع الرّاهن في لبنان، فقال: "تعلمون أنّنا اليوم نتهيّئ للاحتفال بعيد ميلاد الرّبّ يسوع، وعلى غرار السّنوات الأخيرة، فالجوّ الّذي نعيشه ليس كما كنّا نتمنّاه، جوَّ فرح وارتياح نفسيّ، جوًّا عائليًّا، وجوَّا محبَّبًا لأولادنا الأعزّاء. ومع ذلك، علينا أن نجعل كلّ ما يسمح الرّبّ أن يحدث في حياتنا سببًا لفرحنا الدّاخليّ. فالبارحة، على سبيل المثال، أدخَلْنا الفرح والبهجة بعيد الميلاد إلى قلوب ما يقرب من 350 طفلاً وطفلة، وهم بشكل عامّ من المهجَّرين العراقيّين في لبنان، كي يشعروا ويعيشوا فرح الميلاد رغم كلّ الظّروف الأليمة الّتي تحيط ببلدنا وبكنائسنا.  

إنّ الزّيارة الّتي قمنا بها يوم الخميس الماضي إلى الجنوب اللّبنانيّ، بمعيّة غبطة أخينا البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي، وأساقفة ورؤساء رهبانيّات، باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، كي نعلن تضامننا الكامل مع أولادنا في الجنوب في هذا الزّمن الأليم الّذي يقضونه بسبب النّزوح والتّهجير، وبسبب القذائف الّتي تنهمر على بيوتهم ومدارسهم ومؤسّساتهم، فنؤكّد لهم أنّهم سياج الوطن، سياج لبنان، لو مهما حصل. فقد سمح ربّنا أن يتألّموا كي يشاركوا في آلام الوطن لبنان، لينهض من هذه المعاناة المخيفة الّتي أوقعه فيها الّذين هم مسؤولون فيه، ولا نريد أن نعدّد الأسباب الآن، فللأسف لم يكن هؤلاء المسؤولون أهلاً لمسؤوليّاتهم في الفترة الأخيرة".  

وتضرّع "إلى الرّبّ يسوع كي يخفّف عن أولادنا في الجنوب آلامهم، ويقوّيهم في محنتهم، كي يكونوا حقيقةً معترفين بالإيمان، ومستعدّين للشّهادة والاستشهاد من أجل الرّبّ يسوع والكنيسة وبقاء المؤمنين في تلك المنطقة الّتي نقدّرها كثيرًا ونفكّر دائمًا بأهلها الأحبّاء.

نسأل الرّبّ يسوع أن يجعلنا دائمًا الرّسل الحقيقيّين، مثلما عرفنا من إنجيل لوقا عن الأحداث الّتي حدثت قبل عيد الميلاد، من بشارة زكريّا وبشارة العذراء مريم وزيارتها إلى أليصابات واليوم ميلاد يوحنّا. نبتهل إليه كي يجعلنا على الدّوام متجذّرين بإيماننا بالرّبّ يسوع، وشهودًا لإنجيل المحبّة والفرح والسّلام، والّذي حمله يسوع إلى العالم، بشفاعة أمّنا مريم العذراء الّتي هي أمّ الكنيسة، وبشفاعة مار بهنام وأخته سارة ورفاقهما الشّهداء، فيعيننا الرّبّ ويقوّينا في مشوارنا المسيحيّ نحو سعادة السّماء".