يونان من قنّوبين: إنّ جذورنا وأهلنا ونسّاكنا السّريان بدأوا الحياة النّسكيّة في هذه المنطقة بالذّات
"إخوتي أصحاب الغبطة والنّيافة البطاركة الأجلّاء
سعادة النّائب نعمت افرام، ممثّل فخامة رئيس الجمهوريّة
إخوتي الأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات
المنظّمون لهذا المؤتمر الخاصّ بالتّراث المسيحيّ المشترك في وادي قاديشا
إنّ جذورنا وأهلنا ونسّاكنا السّريان بدأوا الحياة النّسكيّة في هذه المنطقة بالذّات، منطقة وادي قاديشا، الوادي المقدّس، كما في وديان سوريا وجبالها، وفي وديان وجبال بلاد ما بين النّهرين وآسيا الصّغرى ونزولاً إلى بلاد مصر بلاد النّيل.
هنا يحضرني قولٌ لأحد آباء الكنيسة السّريانيّة الأنطاكيّة من القرن الثّالث عشر، المعروف بـ "ابن العبريّ"، والملقَّب بـ "دائرة معارف القرن الثّالث عشر"، وقد كان مفريانًا للكنيسة السّريانيّة الأنطاكيّة، وكلمة مفريان تعني ممثّلاً للبطريرك الأنطاكيّ من القسم الشّرقيّ من البطريركيّة. هذا العلاّمة يكتب ويقول: «ܝܽܘܠܦܳܢܳܐ ܣܰܘܩܳܐ ܕܐ̱ܢܳܫܳܐ ܘܡܰܪܕܽܘܬܳܐ ܚܰܝ̈ܶܐ ܕܢܰܦܫܳܐ܆ ܘܰܐܝܢܳܐ ܕܠܳܐ ܐܰܚܶܒ ܐܶܢܽܘܢ܆ ܠܡܺܝܬܳܐ ܕܳܡܶܐ ܕܠܳܐ ܢܰܦܫܳܐ». وترجمتها: "العلم نفَس الإنسان، والتّراث حياة النّفْس، وكلّ من لا يُعنَى بهما، أيّ بالعلم والتّراث، يشبه الميت بلا نفْس".
هذا الوادي الذي تشعّ منه عطور القداسة، وبخور التّقوى النّسكيّة، هو مركزٌ لتراثنا وحضارتنا. ولم يكتفِ الذين عاشوا حياة النّسك بالكلام، ولكنّهم أبرزوا المثال الحقيقيّ لاتّباع الرّبّ يسوع القائل: من أراد أن يتبعني فليحمل صليبه ويأتي ورائي.
علينا اليوم، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء بالرّبّ، أن نتذكّر أنّ جذورنا السّريانيّة الآراميّة هي في خطر الزّوال بسبب الظّروف التي أحاطت ببلادنا. طبعًا نحن ننشد ونصلّي ونطالع اللّغة السّريانيّة في كتبنا التّقوية، ولكن تُرى هذا يكفي لكي نبقى أمناء لهؤلاء الذين قضوا تلك الأعجوبة بحياة مكرَّسة كلّيًّا للرّبّ، حياة النّسك والزّهد والتّقوى، حياة السّجود والخشوع للرّبّ!
ألم يحن الوقت كيما نتظافر جميعنا وننقذ هذه اللّغة وهذه الثّقافة التي كانت قبل 4000 سنة وإلى مجيء الرّبّ يسوع، حيث كانت السّريانيّةُ اللّغةَ المعروفةَ في كلّ منطقة الشّرق الأوسط حتّى باكستان شرقًا وحتّى أثيوبيا جنوبًا، هذه اللّغة التي تكلّمها مخلّصنا الرّبّ يسوع وأمّنا مريم العذراء والرّسل والتّلاميذ؟!
أليس من الواجب علينا أن نتعاضد ونوحّد كلّ جهودنا ونجاهر أمام العالم أجمع، الأمم المتّحدة، الولايات المتّحدة الأميركيّة، أوروبا، والصّين، بأنّ هذه الثّقافة وهذا الحضور الحضاريّ في هذه المنطقة من شرق البحر المتوسّط هما في خطر جدّي بالزّوال. وكلّنا نعلم ماذا حصل لنا في البلاد المشرقيّة بدءًا من أفغانستان وإيران، فبلاد ما بين النّهرين وأسيا الصّغرى، واليوم قسم من سوريا، وجميعنا نشعر بخطر الذّوبان والغياب في لبنان.
نسأل جميع الحاضرين معنا اليوم أن يفكّروا معًا بهذا الموضوع، لاسيّما إخوتنا البطاركة، كي نقوم بجهد مشترك، فنفعِّل هذا الطّلب وهذا الموضوع وهذا الحقّ، بأن نحيي لغتنا وثقافتنا وحضارتنا السّريانيّة. صحيحٌ أنّ السّريان الآراميّين لم يؤسِّسوا دولاً قويّة تبقى إلى اليوم، ولكنّهم اشتهروا بنشر هذه اللّغة والثّقافة والحضارة، وأعطوا الإيمان بنشر الإنجيل في العالم كلّه، بتقواهم وعلمهم وثقافتهم.
بما أنّ فخامة رئيس الجمهوريّة ممثَّلٌ بيننا اليوم بسعادة النّائب نعمت افرام، بأن أذّكر جميع المسؤولين، أنّه حان الوقت لكي نعمل جدّيًا للمحافظة على الصّيغة اللّبنانيّة التي تحمي جميع المواطنين، أكثريةً كانوا أم أقلّية. فنكافئ ذوي الكفاءة، ونشجّع شبّاننا وشابّاتنا على البقاء ثابتين ومتجذّرين في لبنان، لا سيّما بدءًا من هذا الوادي المقدّس إلى جباله وسهوله".