العراق
26 آب 2019, 09:29

يونان من بغديده: سنظلّ هذه الكنيسة الشّاهدة للإنجيل والشّهيدة من أجل الإنجيل

ترأّس بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكيّ مار اغناطيوس يوسف الثّالث يونان القدّاس الإلهيّ أمس الأحد على مذبح كنيسة مار بهنام وسارة في قره قوش (بغديده) – سهل نينوى، العراق، عاونه فيه مار رئيس أساقفة الموصل وتوابعها يوحنّا بطرس موشي، ورئيس أساقفة بغداد والنّائب البطريركيّ على البصرة والخليج العربيّ وأمين سرّ السّينودس المقدّس مار أفرام يوسف عبّا، والأكسرخوس الرّسوليّ في فنزويلا مار تيموثاوس حكمت بيلوني، بمشاركة الآباء الكهنة، والرّاهبات الأفراميّات، والشّمامسة الذين خدموا القدّاس مع جوقة الرّعيّة، بحضور حشد من المؤمنين بحسب إعلام البطريركيّة.

 

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى يونان عظة بعنوان "بثباتكم وصبركم تشاطرون القدّيسين دعوتَهم إلى القداسة"، جاء فيها:  
"نفتخر بكم جميعًا في هذه الكنيسة التي شهدت لمسيرة رعيّتكم وسائر رعايا بغديده وأبرشيّتكم، مسيرة الشّهادة للرّبّ والاستشهاد من أجل الرّبّ. 
نعم، قبل عشرة أيّام، أعاد سيادة أخينا المطران مار يوحنّا بطرس راعيكم، تكريس هذه الكنيسة الجميلة على اسم مار بهنام وأخته سارة الشّهيدين. وأنا أذكر أنني حضرتُ وشاركتُ في تكريس هذه الكنيسة قبل 18 عامًا على يد صاحب السّيادة راعي هذه الأبرشيّة السّابق مار باسيليوس جرجس القسّ موسى وبحضور أغلبيتكم، وذلك خلال زيارتي الأولى إلى العراق حين كنتُ مطرانًا لأبرشيّة سيّدة النّجاة في الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا، وكانت لي الفرصة أن أُعجَب بهذه الكنيسة الجميلة التي بُنيت آنذاك، وقد أبدع المهندسون بتدشينها بهذه الحلّة الجميلة بدون أعمدة، وفي نفس الوقت تذكّرنا بخيمة العهد القديم والتي حلّ فيها الله، وكانت أوّل مثال للهيكل.
البارحة احتفلنا برتبة تولية ابن بغديده، سيادة أخينا المطران الجديد مار نثنائيل نزار سمعان، في كاتدرائيّة سلطانة السّلام في عينكاوة – أربيل، أسقفًا لأبرشيّة جديدة استحدثناها، هي أبرشيّة حدياب – أربيل وسائر إقليم كوردستان، ولو أنّنا نأسف أننا اقتطعناها من أبرشيّتكم العامرة، أبرشيّة الموصل وكركوك وكوردستان. وكان هذا الاستحداث لأبرشيّة قديمة منذ العصور الأولى ضروريًّا، كي نستطيع أن نؤمّن الخدمة الرّاعويّة لأولادنا في كوردستان، ونحن كنيسة شرقّية عرفت الكثير من التّهجير والتّرحال والانتقال من مكان إلى آخر. فالإبادة والاقتلاع هما المصير المؤلم جدًا للكثير من المسيحيّين في هذا الشّرق المعذَّب، لكنّ مار بولس يقول: بثباتكم وصبركم تشاطرون القدّيسين، هم الذين تشبّهوا بيسوع وتبعوه حاملين صليبهم، فعاشوا حياة القداسة، وقدّموا حياتهم ذبيحةً في سبيل إيمانهم، فكانت الآلاف المؤلَّفة من الشّهداء.
بوجودنا اليوم معكم نعبّر لكم عن إعجابنا الكبير بهذا الإيمان وبهذا الرّجاء الذي تعيشونه هنا في بغديده رغم كلّ المصائب والإعلام والدّعايات وكلّ ما يَرِدُنا من الشّرق والغرب والشّمال والجنوب، بأنّه من الأفضل أن تتركوا هذه الأرض وتنزحوا وتهاجروا إلى بلاد أخرى حيث يحترمونكم ويؤمّنون لكم الحياة السّعيدة.
إنّنا نزور دائمًا كثيرين من النّازحين واللّاجئين من أبناء كنيستنا، سواء في أوروبا أو الأميركيّتين أو أستراليا، وفي كلّ مرة نقيم القدّاس، ونقولها بصراحة، نشعر بشعورين متناقضين، أحدهما ضدّ الآخر: نفرح لأنّ شعبنا لا يزال متمسّكًا بإيمانه، فيأتي النّاس ويشاركون في القدّاس ويعبّرون عن فخرهم بتراثهم السّريانيّ، لكن في نفس الوقت تغمر الدّموع كياننا لأنّنا نرى أفراد العائلات معًا هناك. وإنّنا فيما نشكر الله أنّهم وصلوا بالسّلامة ونالوا نوعًا من المعيشة التي تحترم حرّيّتهم وتساعدهم على العيش بإنسانيّتهم وتأمين المستقبل الزّاهر لأولادهم، إلّا أنّنا نتأسّف لأنّ الكثيرين منهم لن يعودوا، فبالنّسبة لنا هذه خسارة كبرى فادحة، لأنّ العائلة التي تسافر تجعل الجيران والأقرباء يفكّرون بالسّفر هم أيضًا".

وأضاف: "أعود وأقول: بغديده هي لؤلؤة كنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة. بالتّأكيد نحترم حرّيّتكم، وبالأخصّ الشّبّان والشّابّات، لكنّنا نرجوكم أن تفكّروا بعمق أكثر، لأنّ انسلاخنا عن هذه الأرض يعني إفراغنا لأرض آبائنا وأجدادنا من الإيمان المسيحيّ. فلا نخدع أنفسنا، بل لننظر إلى تركيّا اليوم مثلاً، كم من المسيحيّين بقوا في هذا البلد، مع أنّ كثيرين من الرّسل بدأوا رسالتهم التّبشيريّة انطلاقاً منه كما بشّروا هنا في العراق وفي سوريا".
وتضرّع طالبًا: "كي تنتهي هذه المأساة أخيرًا، فيعيش المسيحيّون وسائر المكوّنات الصّغيرة ويحظون باحترام كرامتهم وحقوقهم المدنيّة، أكانوا أكثريّة أو أقلّيّة، إذ يجب أن يدرك كلّ مسؤول في هذه البلاد المشرقيّة أنّنا نعيش في القرن الحادي والعشرين، وأنّ شرعة حقوق الإنسان تكفل حقوق الإنسان لجميع المواطنين على حدٍّ سواء بدون تمييز. وهذا ما سنبقى نطالب به ونجاهر ونلحّ عليه في مطالبتنا أمام المحافل المحلّيّة والإقليميّة والدّوليّة في كلّ أنحاء العالم.

أنتم أبناؤنا وبناتنا السّريان الكاثوليك في بغديده بمثابة اللّؤلؤة بالنّسبة إلى كنيستنا، لا بل حدقة عين كنيستنا، لأنّ أكبر تجمُّع سريانيّ كاثوليكيّ في العالم هو هنا في بغديده. فلا نفكّر أنّنا إذا تركنا وغادرنا، فهذا يعني أننا سنكون بالتّأكيد سعداء. لكن نتذكّر أنّ هذه الأرض المباركة التي سُقيت بعرق آبائنا وأجدادنا وبدمائهم الزّكيّة يجب أن تبقى تشهد للرّبّ يسوع ولو قلّ عددنا".
وفي الختام، سأل المؤمنين الحاضرين "أن تعذروني لهذه الكلمات التي يجد فيها البعض نوعًا من الإلحاح الزّائد، لكنّنا بصبرنا وثباتنا نتشبّه بالقدّيسين كما يقول مار بولس، ونحن سنظلّ هذه الكنيسة الشّاهدة للإنجيل والشّهيدة من أجل الإنجيل، بشفاعة أمّنا السّماويّة مريم العذراء الطّاهرة، ومار بهنام وأخته سارة الشّهيدين، وجميع القدّيسين والشّهداء".