سوريا
19 شباط 2024, 10:20

يونان في عيد مار أفرام السّريانيّ: نعتزّ بهذا القدّيس الذي تؤدّي كلّ الكنيسة الجامعة على مختلف طوائفها ترانيمه، وتنشد أناشيده، وتصلّي صلواته

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكيّ مار اغناطيوس يوسف الثّالث يونان قدّاسًا احتفاليًّا بمناسبة عيد القدّيس مار أفرام السّريانيّ شفيع الكنيسة السّريانيّة وملفان الكنيسة الجامعة والأحد الثّاني من زمن الصّوم الكبير، وذلك في كاتدرائيّة الرّوح القدس في الحميديّة – حمص، سوريا بحسب إعلام البطريركيّة.

وفي عظته بعد تلاوة الإنجيل المقدّس، أعرب يونان عن فرحه وسروره "لأنّنا نلتقي في هذه الكاتدرائيّة، بيت الله، كي نمجّد الله قبل كلّ شيء، وكي نحتفل بالذّبيحة الإلهيّة في هذا العيد المبارك، عيد القدّيس مار أفرام السّريانيّ، والأحد الثّاني من زمن الصّوم الكبير، والذي فيه تُحيِي الكنيسة السّريانيّة تذكار أعجوبة شفاء الأبرص التي اجترحها الرّبّ يسوع".

وتحدّث عن "القدّيس مار أفرام السّريانيّ، ابن نصيبين الواقعة في تركيا اليوم على الحدود السّوريّة – التّركيّة بالقرب من مدينة القامشلي في سوريا. في اللّغة السّريانيّة نقول "ܐܰܦܪܶܝܡܣܽܘܪܝܳܝܳܐأفرام السّريانيّ، أيّ أفرام السّوريّ، لأنّ كلمة السّريان جاءتنا من لغات أجنبيّة تعبيرًا أو دليلاً عن الوطن سوريا، في الوقت الذي كانت تُعرَف فيه سوريا بلادًا واسعةً شرقًا وشمالاً وجنوبًا". نعتزّ بهذا القدّيس الذي، تؤدّي كلّ الكنيسة الجامعة على مختلف طوائفها ترانيمه، وتنشد أناشيده، وتصلّي صلواته منذ أجيال وأجيال، هذا القدّيس الشّهير من القرن الرّابع قد شاركَ مطرانَه، مطرانَ نصيبين، مار يعقوب النّصيبينيّ، بحضور المجمع النّيقاويّ الذي عُقِد في نيقية سنة 325، وإن شاء الله سيحتفل جميع المسيحيّين في العام القادم بذكرى مرور 1700 سنة على انعقاده كأوّل مجمع مسكونيّ، والمسكونيّ أيّ الذي يشمل كلّ الكنائس شرقًا وغربًا.  مار أفرام عُرِف بغزارة تآليفه، إذ ألّف الميامر والمداريش، أيّ الأشعار والأناشيد التي تشرح لنا الكتاب المقدّس. وقد كتب أحد المؤرّخين المسيحيّين: إن فُقِدَ الكتاب المقدّس، لا سمح الله، نجده في مؤلّفات مار أفرام السّريانيّ. أفرام عُرِفَ بزهده، لذلك تحتفل الكنيسة السّريانيّة، الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة، بأعياد عديدة للقدّيس مار أفرام، ولكنّ العيد الرّسميّ الأهمّ هو في السّبت الأوّل من زمن الصّوم الكبير، لأنّ أفرام اشتهر بتقشُّفه وزهده. كما اشتهر أفرام أيضاً بتواضعه، فقد بقي شمّاسًا، واعتذر عن قبول الرّسامة الكهنوتيّة لتواضعه، وهو الذي أنشد يعظّم سرّ الكهنوت بأناشيده. فقال: ܟܳܗܢܳܐܪܰܒܡܶܢܡܰܠܰܐܟ̈ܶܐܘܰܡܥܰܠܰܝܡܶܢܢܽܘܪ̈ܳܢܶܐالكاهن أعظم من الملائكة وأسمى من النّورانيّين. ويتابع متأمّلاً بعظمة سرّ الكهنوت: ܥܰܠܦܰܓܪܳܐܫܰܪܝܳܐܢܽܘܪܳܐܘܥܰܠܟܳܣܳܐܫܰܠܗܶܒܺܝܬܳܐ܆ܘܒܶܝܬܢܽܘܪܳܐܠܫܰܠܗܶܒܺܝܬܳܐܩܳܐܶܡܟܳܗܢܳܐܘܰܡܚܰܣܶܐها هي النار حالّة على الجسد، واللّهيب على الكأس، وما بين النّار واللّهيب يقف الكاهن مستغفرًا.

في هذه المناسبة نتذكّر أنّ الدّعوة الكهنوتيّة هي دعوة سامية من قِبَل الرّبّ، وليست وظيفة، بمعنى أنّ الكاهن يقدّم ذاته كي يمثّل الرّبّ يسوع على المذبح، ويقدّم الأسرار باسم الرّبّ يسوع وباسم الكنيسة. لذلك على الكاهن أن يفي بوعوده الكهنوتيّة التي أعلنها أمام مطرانه يوم سيامته، بأنّه سيحافظ على هذه الدّعوة وهذه الأمانة، وعليه أن يكون مثال الخادم الصّالح، متشبّهًا بالرّبّ يسوع. وهنا نتذكّر ما قاله الإنجيلي متّى، إنّه سيظلّ هناك في العالم صالحون وأشرار، هذا هو سرّ الشرّ في الكون. ولكنّ المطلوب من الكاهن أن يكون من هؤلاء الصّالحين، فيقود شعب الله نحو الرّبّ يسوع. الكاهن إذًا هو مثالٌ للمؤمنين في التّواضع والوداعة والخدمة المتجرّدة، وفي التّقوى والصّوم.

نحن، أيّها الأحبّاء، نعيش أزمنة صعبة جدًّا، وجميعكم تعيشون هذه المعاناة منذ ما يقرب من 13 سنة، حربٌ أُعلِنَت على هذا البلد الطيّب بشعبه، حربٌ شعواء، للأسف أرادها الظّالمون الكبار في هذا العالم، كي يمزّقوا هذا البلد الطّيّب، هذا البلد الحضاريّ الذي أعطانا قديّسين بالآلاف، بينهم مار أفرام ومار يعقوب السّروجيّ، وهما ملفانان، أيّ معلّمان (دكتوران) في علوم الكتاب المقدّس. في هذه الذّبيحة الإلهيّة، ندعوكم كي تجدّدوا رجاءكم بالرّبّ يسوع، كما علّمنا مار بولس في رسالته إلى أهل روما، فعلينا أن نبقى رغم كلّ المعاناة أقوى من هذا الظّلم والقهر الذي حلّ بشعب سوريا الحبيبة".

وتضرّع "إلى الرّبّ يسوع، بشفاعة مار أفرام السّريانيّ السّوريّ، كي يحلّ الرّبّ أمنه وسلامه في هذا البلد الغالي علينا جميعًا، وكي يحمي جيشه الذي يضحّي بالكثير، ونحن نسمع من وقتٍ لآخر بهجمات التّكفيريّين، وبالضّحايا التي يقدّمها الجيش السّوريّ الذي يحمي البلاد".

ورفع الصّلاة "من أجل جميع المسؤولين الذين يريدون خير البلد، رغم كلّ المآسي والمصائب التي حلّت به، كي تعود سوريا مثالاً للبلد الغنيّ بتعدُّد كياناته، أكانت دينيّة أو مذهبيّة أو قوميّة. فسوريا هي بلد الحضارة في هذه المنطقة، ونسأل الرّبّ أن يحفظها ويزيل عنها كلّ المظالم، لاسيّما ما يُسمَّى بالعقوبات الاقتصاديّة الدّوليّة التي تنال قبل كلّ شيء من لقمة الشّعب الطيّب، ومن معيشة النّاس الأبرياء. إنّنا نجدّد رجاءنا بالرّبّ يسوع، رغم كلّ ما حلّ ويحلّ بنا".

وتوجّه بالشّكر "إلى سيادة راعيكم مار يوليان يعقوب الذي نحتفل بالذّكرى الأولى لسيامته الأسقفيّة في الشّهر القادم، ونطلب من الرّبّ أن يرافقه بنِعَمِه وبركاته، كي يكون الخادم الأمين لأبرشيّته، والأخ للخوارنة والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات، والأب الرّوحيّ لجميعكم، فيتمجّد اسم الرّبّ دائمًا".