لبنان
22 أيار 2020, 05:55

يونان في خميس الصّعود: يسوع معنا يشجّعنا ويعزّينا

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان قدّاس خميس الصّعود، في كنيسة مار إغناطيوس الأنطاكيّ- المتحف، واحتفل به أمين السّرّ المساعد الأب روني موميكا، بمشاركة القيّم البطريركيّ العامّ وأمين السّرّ الأب حبيب مراد، وكاهن رعيّة مار بهنام وسارة- الفنار الأب ديفد ملكي، وأمين السّرّ المساعد في البطريركيّة الأب كريم كلش، والرّاهبات الأفراميّات، وبحضور عدد قليل من المؤمنين.

وبعد الإنجيل ألقى البطريرك يونان عظة قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة الرّسميّ:

""وقال لهم يسوع: إنطلقوا إلى العالم كلّه، واكرزوا بالإنجيل في الخليقة كلّها".

أيّها الأحبّاء الحاضرون والمشاركون معنا في هذه الذّبيحة الإلهيّة، ذبيحة القدّاس لعيد الصّعود، والّذين يشاركوننا روحيًّا من قريب أو بعيد شرقًا وغربًا.

اليوم خميس الصّعود، وعيد صعود ربّنا يسوع المسيح إلى السّماء هو من أهمّ أعيادنا المسيحيّة. نحتفل به مع الكنيسة، إن كان في الشّرق أو في الغرب، الخميس يوم الأربعين بعد قيامة الرّبّ. وهذا ما تسلّمناه من تلاميذ الرّبّ يسوع، شهود القيامة، وتلاميذهم، من خلال أسفار العهد الجديد، سيّما مرقس ولوقا وأعمال الرّسل.

يذكّرنا القبر الفارغ دائمًا أنّ يسوع المصلوب قد ارتفع إلى أبيه السّماويّ. فالإنجيليّ لوقا البشير كاتب سفر أعمال الرّسل يعلّمنا في الفصل الأوّل من السّفر: "...إذ تراءى لهم مدّة أربعين يومًا وكلّمهم عن ملكوت الله...". وقال لهم: "...ولكنّ الرّوح القدس ينزل عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم واليهوديّة والسّامرة حتّى أقاصي الأرض. ولمّا قال ذلك، ارتفع عنهم... وبينما عيونهم شاخصة إلى السّماء، إذا رجلان قد مثلا لهم في ثياب بيض وقالا لهم: "أيّها الجليليّون، ما لكم قائمين تنظرون إلى السّماء! فيسوع هذا الّذي رُفِع إلى السّماء، سيأتي كما رأيتموه ذاهبًا إلى السّماء" (أعمال 1: 3-11).

"تكونون لي شهودًا حتّى أقاصي الأرض" هو شعاري الأسقفيّ عندما انتُخِبتُ وسُمِّيتُ أوّل أسقف على أبرشيّتنا، أبرشيّة سيّدة النّجاة في الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا.

يشبه موقف التّلاميذ موقفنا نحن وموقف المسيحيّين في كلّ العصور وكلّ الأماكن. عيوننا شاخصة إلى السّماء تترجّى الرّبّ كي يشفق علينا وعلى خليقته برمّتها، تترجّاه ألّا يغادرها، ولكنّ هذه العيون الّتي ترجو أن يبقى يسوع معها هي ذاتها الّتي تشهد بإيمان ثابت ورجاء راسخ بأنّ الرّبّ يسوع لم يتركنا، وبأنّه باقٍ معنا يرافقنا كما وعدنا حتّى نهاية العالم. لذلك نردّد مع جميع المسيحيّين قانون الإيمان كلّما نحتفل بالقدّاس الإلهيّ، فنقول: "وصعد إلى السّماء وجلس عن يمين الله الآب".

في صلاة الرّمش (أيّ المساء) لعيد خميس الصّعود في كنيستنا السّريانيّة، نصلّي وننشد: (ܥܶܢܝܳܢܳܐ ܒܥܺܐܕܳܐ ܕܣܽܘܠܳܩܶܗ ܕܡܳܪܰܢ): "ܟܰܕ ܐܰܒܺܝܠܺܝܢ ܗ̱ܘܰܘ ܬܰܠܡܺܝܕ̈ܶܐ܆ ܒܒܰܪ̱ܬ ܩܳܠܳܐ ܕܟܰܪܝܽܘܬܳܐ ܥܰܡ ܕܶܡܥ̈ܶܐ ܘܚܰܫ̈ܶܐ. ܡܦܺܝܣܺܝܢ ܗ̱ܘܰܘ ܟܰܕ ܐܳܡܪܺܝܢ: ܡܫܺܝܚܳܐ ܠܳܐ ܬܶܫܒܽܘܩ ܠܰܢ ܝܰܬܡ̈ܶܐ ܠܥܰܒܕ̈ܶܐ ܕܺܝܠܳܟ".

وترجمته: "كان التّلاميذ مكتئبين وبدموع الحزن والألم يبتهلون ويقولون: أيّها الرّبّ المسيح لا تتركنا نحن عبيدك يتامى".

فعلاً، عندما نحتفل بعيد الصّعود، نشترك بروح الإيمان، ولكن نحن أيضًا مكتئبون لأنّنا كبشر نفتقد ليسوع الّذي صعد إلى السّماء، إلّا أنّ الكنيسة تذكّرنا أنّ يسوع هو معنا، وأنه لم يتركنا، بل أرسلنا كي نكون له شهودًا، نكرز بإنجيل المحبّة والسّلام.

ومن مار بولس رسول الأمم، استمعنا إلى هذا النّص من رسالته إلى أهل أفسس، مذكّرًا إيّانا بوصيّة يسوع الّتي أوصى بها تلاميذه قبل آلامه وموته وقيامته: "أعطيكم وصيّة جديدة، أن يحبّ بعضكم بعضًا". بولس يذكّر كنيسة أفسس ويقول: "أطلب منكم الآن، أنا الأسيرَ بربّنا، أن تسيروا كما يليق بالدّعوة الّتي دُعيتم إليها، بكلّ تواضع ووداعة وأناة، محتملين بعضكم بعضًا بالمحبّة، ومجتهدين حريصين على حفظ وحدة الرّوح" (أفسس 4: 1-2).

هذا العيد، أيّها المبارَكون بالرّبّ، هو عيد مليء بالنِّعَم والتّوصيات الإنجيليّة والرّسوليّة، بأنّنا، وإن لم نبقَ مع يسوع بالجسد، ولكنّ يسوع هو معنا، وإن لم نرَه بعيوننا فهو يرافقنا، وإن كنّا في أوقات الضّيقات والمحن نفتقده، فهو يشجّعنا ويعزّينا.

وهنا أنوّه معكم إلى ما فاه به مار بولس بالذّات في رسالته إلى أهل روما، وهذا القول ينطبق تمامًا على أحوالنا وأوضاعنا اليوم في هذا العالم المبتلى بوباء كورونا الّذي تفشّى في جميع أنحاء الأرض، وسبّب لنا وللكثيرين القلق والألم والخوف والمرض والموت. فيقول مار بولس: "... بل نفتخر في الضّيقات، عالمين أنّ الضّيق ينشىء صبرًا، والصّبر تزكيةً، والتّزكية رجاءً، والرّجاء لا يخيّب. لأنّ محبّة الله قد فاضت في قلوبنا بالرّوح القدس المُعطى لنا" (روما 5: 3-5).

إلى الرّبّ يسوع مخلّصنا المرتفع إلى السّماء نبتهل، بشفاعة أمّه سيّدتنا مريم العذراء، الأمّ السّماويّة الّتي كانت الشّاهدة الأقرب لسرّ تجسّده وآلامه وموته وقيامته، والّتي افتقدته جسديًّا، لكنّها نعمت أن تلتقي به في انتقالها إلى السّماء، نتضرّع سائلين المعونة في شدائدنا، وتقوية إيماننا ورجائنا ومحبّتنا، آمين".

وقبل نهاية القدّاس، أقام يونان زيّاح التّكريم لوالدة الإله العذراء مريم، ثمّ بارك المؤمنين بأيقونتها.