لبنان
31 تشرين الأول 2022, 10:30

يونان في تكريس كاتدرائيّة مار جرجس- الباشورة: بادروا دون إبطاء إلى انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، عشيّة أحد تقديس البيعة، رتبة إعادة تقديس وتكريس كاتدرائيّة مار جرجس التّاريخيّة في الباشورة- الخندق الغميق، بيروت، لبنان. ثمّ احتفل بالقدّاس الإلهيّ على المذبح الجديد للكاتدرائيّة. وقد عاونه مطران أبرشيّة سيّدة النّجاة في الولايات المتّحدة الأميركيّة برنابا يوسف حبش، ورئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركيّ لأبرشيّة الموصل وتوابعها وأمين سرّ السّينودس المقدّس أفرام يوسف عبّا، ورئيس أساقفة دمشق يوحنّا جهاد بطّاح، والنّائب العامّ لأبرشيّة بيروت البطريركيّة متياس شارل مراد، والنّائب البطريركيّ في البصرة والخليج العربيّ أثناسيوس فراس دردر، ورئيس أساقفة الحسكة ونصّيبين يعقوب جوزف شمعي، وبمشاركة وحضور المطارنة: أثناسيوس متّي متّوكة، وربولا أنطوان بيلوني، وفلابيانوس يوسف ملكي، الّذين سيموا كهنة في الكاتدرائيّة نفسها عام 1954.

كما شارك البطريركان بشارة بطرس الرّاعي ويوسف العبسيّ، والسّفير البابويّ المطران باولو بورجيا، والمطران خريسوستوموس ميخائيل شمعون ممثّلاً البطريرك إغناطيوس أفرام الثّاني، والمطران شاهيه بانوسيان ممثّلاً البطريرك آرام الأوّل. كما شارك بدعوة خاصّة من يونان مطران أبرشيّة أيخشتيت اللّاتينيّة في ألمانيا غريغور ماريا هانكي، والأبوان جان وكريستوف موسكات من مالطا.

هذا فضلاً عن مطران جبل لبنان وطرابلس للسّريان الأرثوذكس ثيوفيلوس جورج صليبا، ومطران بيروت للسّريان الأرثوذكس اقليميس دانيال كورية، ومطران الكلدان في لبنان ميشال قصارجي، ولفيف من الآباء الخوارنة والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات والإكليريكيّين من مختلف الكنائس، وأمين عامّ مجلس كنائس الشّرق الأوسط ميشال عبس، وعدد من الفعاليّات.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى يونان عظة قال فيها: "أيّها المبارَكون بالرّبّ

نرحّب بكم جميعًا، شاكرين بشكلٍ خاصّ القادمين من بعيد وقريب، لاسيّما صاحب السّيادة المطران غريغور ماريا هانكي، مطران أبرشيّة أيخشتيت في ألمانيا، والأبوين جان وكريستوف من مالطا.

نجتمع في هذا المساء المبارك، ليلة أحد تقديس البيعة في طقسنا السّريانيّ الأنطاكيّ، كي نحتفل بتقديس وتكريس كاتدرائيّة مار جرجس، الّتي يحقّ لنا أن ندعوها "أيقونة" لحضورنا في هذا الحيّ من وسط بيروت.

بالرّغم من دوّامة البؤس والقلق والخوف، الّتي يعرفها لبنان منذ سنوات، حيث انتُهِكت حقوق المواطنين النّزيهين، وأضحى بلدنا أضحوكةً بين الشّعوب، يرثيه الأصدقاء ويتباكون عليه، ونراهم يفقدون الأمل ببقاء لبنان الحضارة والرّسالة والجمال، وتعاليًا على لا مسؤوليّة مَن سبّب الأزمات السّياسيّة والاقتصاديّة الخانقة الّتي حلّت بلبناننا الحبيب، جئنا نجدّد فعل الرّجاء بقيامة هذه الكاتدرائيّة من الرّماد وغبار النّسيان، لأنّ ملاقاة الرّبّ في هيكل قدسه تملأ قلوب المؤمنين بالفرح والسّلام.  

"بيت الرّبّ" هنا، كما تعلمون، فُجِعَ بالدّمار الآثم، بسبب الفتنة المشؤومة الّتي حلّت بلبنان في سبعينيّات القرن الماضي. وظلَّ مهمَلاً لأربعين سنةً خلتْ... ومنذ تسلُّمِنا الخدمة البطريركيّة، كنّا نتوق إلى ترميمه، كي تعود الكاتدرائيّة على اسم شفيع بيروت، مار جرجس، إلى سابق عهدها من هندسة جميلة وحضور روحيّ، في الشّارع الّذي كان يُسمَّى شارع سوريا في الخندق الغميق. إعتبرنا هذا التّرميم أمانةً في أعناقنا، لنقيم ذكرى العديد من الأساقفة والكهنة وآلاف المؤمنين على اختلاف طوائفهم، والّذين كانوا يقصدون بيت الله هذا، ليصلّوا وينشدوا الفرح والسّلام بين حناياه. كما أنّنا أردناه إحياءً لرمزٍ فريدٍ، هو العيش المشترك بمصداقيّة، وقد برع به سكّان هذا الحيّ المنكوب طوال عقودٍ من الزّمن. كما أنّه علامة رجاءٍ لبيروت المستقبل، وللبنان المزدهر والّذي سيقوم من هذه الوهدة السّحيقة الّتي أوقعه فيها أولئك المسؤولون الّذين لم يكونوا على قدر الأمانة والثّقة الّتي منحهم إيّاها اللّبنانيّون، لا بل علامة رجاء للحضور المسيحيّ في الشّرق بأسره.

بُنِيَت هذه الكاتدرائيّة على اسم مار جرجس، شفيع بيروت، في السّبعينيّات من القرن التّاسع عشر، أيّ في عهد المتصرّفيّة الّذي منح فسحةً من التّسامح والأمل لمكوّناتٍ وطنيّةٍ تميّزت بالجِدّ والأمانة للبنان، ساحلاً وجبلاً وسهلاً. بَنَتْها عائلاتٌ عُرِفت بتقواها وسخائها، كعائلة آل طرازي الّتي كانت تستضيف في منزلها الأساقفة والكهنة القادمين للخدمة الرّوحيّة والرّعويّة دون مقرّ لهم في بيروت. وفي مقدّمتهم الفيكونت فيليب دي طرازي، العلّامة والمؤسّس لدار المكتبة الوطنيّة اللّبنانيّة.

هذه الكاتدرائيّة الّتي كانت تستقبل وتجمع المؤمنين للصّلاة، وتحيا الشّهادة الحقّة للألفة بين الجميع، اشتهرت أيضًا باستقبالها رؤساء لبنان في عهدٍ قلّ فيه التّمييز بين أكثريّة وأقلّيّات، إذ كان رئيس البلاد يزورها ويحضر احتفالاتها شخصيًّا، ولاسيّما قدّاس ثاني يوم العيد، وكذلك المفوَّض السّامي ثمّ السّفير الفرنسيّ في قدّاس دوريّ يُقام على نيّة فرنسا.

بُنِيَت هذه الكاتدرائيّة على يد المثلّث الرّحمات البطريرك مار إغناطيوس جرجس شلحت، وأحاطها بالتّكريم خلفاؤه البطاركة العظام، أمثال: العلّامة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثّاني رحماني، ومعترف الإيمان البطريرك مار إغناطيوس جبرائيل الأوّل تبّوني، والّذي فيها سام ثمانية كهنة جددًا في تشرين الأوّل من عام 1954.

نشكره تعالى على النِّعَم الّتي أفاضها على كنيستنا في هذا الشّهر، تشرين الأوّل الجاري. فقد كنّا قبل أسبوعين في زيارة حجّ تاريخيّة إلى تركيا، حيث التقينا برئيس البلاد، الّذي أكّد لنا على وعده بإعادة مقرّنا البطريركيّ في ماردين، تلك المدينة الشّهيدة والشّهادة على إيمان الآباء والأجداد. وهناك احتفلنا بتكريس كنيسة دير مار أفرام الّتي رمّمها أولادنا ذوو الهمّة والسّخاء، وقد شارك معنا جمعٌ غفيرٌ منهم، رافقونا من اسطنبول في زيارات حجّ ملؤها الحنين المؤثّر إلى وحدة الكنيسة السّريانيّة، إلى كنائس وأديار في ماردين وجبل طور عبدين، لا يزال لها الأثر الرّائع والخالد في تاريخنا السّريانيّ المتجذّر هناك.

"أنتَ هو المسيح ابن الله الحيّ" (متّى 16: 16)، نعم هذه الحقيقة الّتي سمعناها من نصّ الإنجيل المقدّس بحسب القدّيس متّى، الّذي نتلوه في أحد تقديس البيعة وفي كلّ رتبة تقديس كنيسة جديدة، هذه الحقيقة أعلنها شمعون أيّ سمعان بطرس بإلهام من النّعمة الإلهيّة، وبها جاهر بإيمانه بأنّ يسوع هو المسيح المنتظَر الّذي عنه تكلّم الأنبياء، وأنّه ابن الله الّذي صار إنسانًا ليكشف لنا وجه الله. فأطلق يسوع على بطرس "الصّخرة" ܟܺܐܦܳܐ، وعلى إيمان بطرس أسّس كنيسته، صخرةً أبديّة "لا تقوى عليها أبواب الجحيم" (متّى 16: 18).

وكما أنّ الكنيسة مبنيّة على إيمان بطرس والرّسل والمؤمنين حتّى اليوم وإلى منتهى الدّهر، كذلك نحن مدعوّون لنبني حياتنا، أقوالنا وأعمالنا ومبادراتنا ومواقفنا، على هذا الإيمان بالمسيح وتعليمه وتعليم الكنيسة. فالمؤمن الحقيقيّ، من أيّ دينٍ كان، يرفع الصّلاة إلى الله مستلهمًا نوره كي تأتي أعماله وحياته برمّتها تمجيدًا لله. فيا ليت المسؤولين في العالم يستلهمون الله، ويعملون من أجل تعزيز المحبّة والسّلام والأخوّة.

أيّها الأحبّاء

من هذه الكاتدرائيّة المتجذّرة في صلب مدينة بيروت، قلب لبنان وعاصمته، نطلق نداء الرّجاء الحقيقيّ النّابع من الثّقة الكاملة بالرّبّ والاتّكال التّامّ عليه تعالى، مردّدين النّشيد السّريانيّ المعروف منذ القدم: "ܥܰܠ ܐܰܠܳܗܳܐ ܬܽܘܟ̣ܠܳܢܰܢ"- على الله اتّكالنا، كي ينهض لبنان من كبواته، ويتعالى على الجراح، وينقض التّنبّؤات المضلِّلة، مُذكّرًا بأسطورة "طائر الفينيق" الّذي ينفض الرّماد عنه ليحيا من جديد في عرين الأرز!

إنّها نناشد أصحاب السّعادة النّوّاب بأن يقوموا فورًا بواجبهم الّذي يمليه عليهم الضّمير وحسّ المسؤوليّة والوكالة الّتي منحهم إيّاها المواطنون، فيبادروا دون إبطاء إلى انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، يجمع اللّبنانيّين، ويكون على قدر تطلّعاتهم، ويقود سفينة الوطن سائرًا بها إلى برّ الأمان والسّلام، ومعيدًا لبنان إلى سابق عهده من التّطوّر والازدهار. تعاونه في ذلك حكومة فاعلة ومنتجة تكون على مستوى آمال اللّبنانيّين التّوّاقين إلى الخروج في الأزمات الّتي يتخبّطون فيها.  

لا بدّ لنا هنا من كلمة شكر وتقدير للّذين أكملوا مشروع التّرميم بسخاء ونزاهة، متجاوزين مقولة الصّراع بين الأديان، لأنّ المؤمن الصّادق به تعالى، يتجاوز الأقوال والنّظريّات، ليسلك فعليًّا طريق المحبّة والسّلام والانفتاح وقبول الآخرين، لاسيّما شركة "زين" الّتي عمل المسؤولون فيها معنا للوصول إلى هذا الإنجاز الرّائع والعظيم.

ونشكر أيضًا الأب يوسف درغام الّذي قام برسم وتجهيز المذابح الثّلاثة بالموزاييك. ونشكر المونسنيور حبيب مراد الّذي يكدّ منذ أشهر كي نحتفل ونقيم معًا هذا الاحتفال.

نجدّد رجاءنا كاملاً بالرّبّ يسوع، ونعلن ثقتنا بالمسؤولين النّزيهين في خدمتهم لشعبهم، كي يعود لبنان أخضرَ بمواطنيه وأرضه.

نختم بهذا النّشيد السّريانيّ المعبّر الّذي رنّمناه في رتبة التّقديس: «ܥܺܕܬܳܐ ܙܡܰܪܝ̱ ܫܽܘܒܚܳܐ ܒܦܽܘܡ ܝܰܠܕܰܝ̈ܟܝ̱܆ ܒܝܰܘܡܳܐ ܕܩܽܘܕܳܫܶܟܝ̱ ܫܰܦܝܳܐ. ܘܰܐܣܶܩܝ̱ ܠܶܗ ܩܳܠ̈ܰܝ ܬܶܫܒܽܘܚܬܳܐ܆ ܠܰܡܫܺܝܚܳܐ ܕܶܐܬܳܐ ܘܡܰܟ̣ܪܶܟܝ̱ » "أيّتها الكنيسة رنّمي المجد بأفواه أولادك في يوم تقديسك البهيّ. وارفعي أصوات التّسبيح للمسيح الّذي جاء وخطبك"، له المجد في وحدة أبيه وروحه القدّوس، آمين".

وقبل انتهاء القداس، ألقى المونسنيور حبيب مراد كلمة شكر بعنوان «ܒܪܺܝܟ ܕܰܒܢܳܐ ܠܥܺܕܬܶܗ ܘܰܐܬܩܶܢ ܒܳܗ̇ ܡܰܕܒܚܳܐ» "مباركٌ هو من بنى كنيسته وثبّت فيها مذبحًا"، فشكر البطريرك يونان بإسم الجميع على جهوده "ليكتمل هذا الإنجاز الرّائع جدًّا". كما شكر بإسمه البطاركة والأساقفة والإكليروس والعلمانيّين الحاضرين، تمنّى في الختام أن يبقى "هذا الصّرح علامة رجاء وشعلة أمل في أرض وطننا الحبيب وشرقنا".

وقبل البركة الختاميّة، توجّه يونان إلى فناء الكاتدرائيّة، فأزاح السّتار عن اللّوحتين الرّخاميّتين التّذكاريّتين.

وفي ختام الرّتبة، منح الحاضرين بركته الرسولية.