لبنان
07 كانون الثاني 2025, 08:50

يونان في الدّنح: يكفينا ألمًا ومعاناة وخوفًا وقلقًا!

تيلي لوميار/ نورسات
في يوم عيد الدّنح، احتفل بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة مار بهنام وسارة- الفنار، تخلّلته رتبة الدّنح وتبريك المياه.

وخلال القدّاس، ألقى يونان عظة تحدّث فيها عن "عيد الدّنح، عيد الغطاس، عيد عماد الرّبّ يسوع"، وقال بحسب إعلام البطريركيّة: "الدّنح كلمة سريانيّة تعني "الظّهور"، فَلْتَدُم النّعمة علينا جميعًا في هذا العيد المهمّ والأكثر ابتهاجًا منذ بداية المسيحيّة بعد عيد قيامة الرّبّ يسوع. ونحن نحافظ على هذا العيد العظيم، متذكّرين التّدبير الخلاصيّ بعماد يسوع في نهر الأردنّ، حيث كُشِفَ لنا السّرّ العظيم الّذي يبقى أعظم أسرارنا، سرّ الثّالوث الأقدس. يسوع يعتمد وهو الإبن، ونسمع صوت الآب يقول: هذا هو ابني الحبيب به رضيت، والرّوح القدس ينزل ويحلّ على رأس يسوع بشبه حمامة، الأقانيم الثّلاثة ظهرت لنا في عماد الرّبّ يسوع. لذلك اليوم هو عيد الدّنح ܕܶܢܚܳܐ، أيّ ظهور الرّبّ يسوع في نهر الأردنّ إلهًا مخلّصًا.

سمعنا من القراءة الأولى من سفر الخروج أهمّيّة الماء، فالله خلق الكون، والماء هو رمز الحياة، لا بل هو الّذي يعطي الحياة. لا يمكننا أن نمتنع عن الماء لأنّه عنصر أساسيّ لأجسادنا، لذلك ومنذ القدم، في كثير من الدّيانات، يُستعمَل الماء كرمز للحياة، وكذلك للغسل والتّطهير، ومار يوحنّا كان يعمِّد لمغفرة الخطايا.  

في الرّسالة إلى العبرانيّين سمعنا أنّ الرّبّ الإله أمين لوعده، الوعد بالخلاص، فكاتب هذه الرّسالة يذكّرنا أن نكون واثقين بالرّجاء، لأنّ الرّبّ وعدَنا، حتّى في هذه الأيّام الصّعبة والأليمة الّتي نمرّ بها، أكان في لبنان، أو في منطقة الشّرق الأوسط حيث الاضطرابات والقلاقل، وحتّى في هذه الأزمنة في العالم حيث نسمع ونشاهد مشاهد الجرائم والخطيئة منتشرةً في كلّ مكان، وبشكل خاصّ في منطقتنا. لكنّنا سنظلّ شعب الرّجاء الّذي يثق ثقة كاملة بالرّبّ، فالرّبّ هو معنا، وقد وعد أن يكون مع كنيسته ومع تلاميذه ومع المؤمنين إلى نهاية العالم، لذلك لا يجب أن نخاف أو أن نرهب.

هناك ظروف وأحداث كثيرة تحيط بنا، ونحن نتساءل لماذا تحدث؟ يكفينا ألمًا ومعاناة، تكفينا هذه الدّوّامة من الخوف والقلق، لاسيّما تجاه المستقبل، يكفينا ذلك! لكنّ الرّبّ لا يتجاهل تضرّعنا وصلواتنا، وهو يدير أمور حياتنا بكلّ معانيها وأبعادها.

ما يجري اليوم في لبنان، حيث ننتظر أن يحصل انتخاب لرئيس للجمهوريّة يكون على قدر المسؤوليّة. جميعنا نريد رئيسًا يحبّ لبنان، وأمينًا لرسالته، وتكون لديه الجرأة كي يتمكّن أن يسيّر أمور هذا البلد المتدهورة منذ سنوات طويلة، للأسف، لأنّ هذا البلد الجميل والرّائع كان لفترة طويلة نوعًا من الرّهينة بأيدي حزب وجهة معيّنة. نسأل الرّبّ أن يلهم النّزاهة والجرأة لنوّاب الجمهوريّة، كي ينتخبوا بأقصى سرعة الرّئيس الّذي نحتاج إليه."

وتطرّق يونان "في الوقت عينه إلى الأوضاع في سوريا، حيث لا تزال الاضطرابات والقلاقل والتّحدّيات الكثيرة الّتي تواجه مصير هذا البلد الّذي نريده أن يكون بلدًا آمنًا. نعم، يقولون تحرّر البلد، لكن من حقّنا أن نتساءل أين هي المكوّنات الّتي تُعتبَر صغيرة في هذا البلد؟ فسوريا كلبنان بلد غنيّ بالتّعدّديّة، دينيًّا وإثنيًّا ولغويًّا. لذلك على الحكومة الجديدة في سوريا أن تكون أمينة لرسالة هذا الوطن الّذي لم يعرف التّعصُّب الدّينيّ أبدًا، وعلى المسؤولين أن يجمعوا الجميع، كي يلتقوا بهدف واحد ويؤسّسوا بلدًا ديمقراطيًّا، بمعنى أن يشارك الشّعب في الحكم، بلدًا مدنيًّا، بمعنى أنّ تُحترَم كلّ الحقوق لأفراد الشّعب كافّةً بمقتضى مفهوم المواطَنة الحقيقيّة، فيُترَك الدّينُ لحرّيّة الإنسان وضميره وعلاقته مع الله، أمّا الوطن فيجب أن يجمع كلّ المواطنين بالأمانة الحقيقيّة لهذا الوطن. نضرع إلى الرّبّ، بجاه هذا العيد المبارَك، أن يلهم القائمين على إدارة سوريا اليوم للنّجاح في مشروعهم بجمع الشّعب كلّه حولهم بالنّزاهة والوحدة".

وأنهى يونان عظته مقدّمًا "التّهنئة لإشبين يسوع"، وقال: "ونحن كإكليروس، وكآباء وأمّهات، نقدّر الشّبّان والشّابّات كثيرًا، وعلينا أن نعطيهم هذا الرّجاء الّذي وهبَنا إيّاه ربّنا، وهم بدورهم عليهم ألّا يتردّدوا في محبّتهم لله ولوطنهم ولمجتمعهم وللعائلة الّتي تجمع الأب والأمّ والأولاد، وألّا يخافوا أمام تحدّيات المستقبل، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، وبحماية وشفاعة الشّهيدين بهنام وأخته سارة شفيعَي هذه الكنيسة. نتمنّى لكم جميعًا أعيادًا مجيدة وسنة جديدة مبارَكة بالصّحّة والخير والسّلام".