سوريا
14 شباط 2023, 08:50

يونان زار حلب متفقّدًا أبناءها بعد الزّلزال

تيلي لوميار/ نورسات
زار بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، يومي السّبت والأحد، سوريا متفقّدًا أوضاع المؤمنين بعد الزّلزال المدمّر، يرافقه رئيس أساقفة حلب المطران ديونوسيوس أنطوان شهدا، ورئيس الأساقفة السّابق لأبرشيّة الموصل وتوابعها المطران يوحنّا بطرس موشي، والقيّم البطريركيّ العامّ وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد، وأمين السّرّ المساعد في البطريركيّة وكاهن إرساليّة العائلة المقدّسة للنّازحين العراقيّين في لبنان الأب كريم كلش.

وبعد جلسة أبويّة مع الآباء والكهنة، غادر والوفد المرافق متوجّهين إلى حلب، حيث زار أوّلاً محافظها حسين دياب بحضور وزير الصّحّة حسن غبّاش، للوقوف على أحوال المدينة بعد الزلزال المدمّر. ثمّ زار دار مطرانيّة حلب وتوابعها في حيّ العزيزيّة وتفقُّد أحوال الأبرشيّة والمتضرّرين، ثمّ تفقّد الأبنية المهدَّمة، لاسيّما البناء حيث توفّي الأب عماد ضاهر، وأقام تشمشت (خدمة) الموتى، رافعًاً الصّلاة إلى الله، وسائلاً الرّحمة للرّاقدين، والعافية للجرحى والمصابين، والسّلامة للمتضّررين.

بعد الظّهر، توجّه إلى مركز إيواء النّازحين من جرّاء الزّلزال، في مجمّع الآباء السّالزيان- مركز جورج وماتيلد سالم في حلب، واطّلع على آليّة العمل، واستمع إلى معاناة النّاس مشجّعًا إيّاهم على التّمسّك بالرّجاء رغم كلّ المحن والصّعوبات والتّحدّيات. ثمّ رفع الصّلاة من كنيسة القدّيسة ماتيلد في المجمَّع.

بعدها تفقّد يونان الأبنية المهدَّمة في منطقة المشارقة في حلب، واستمع إلى بعض الأشخاص الّذين كانوا شهود عيان لحظة وقوع الزّلزال، ولاسيّما لحظة تهدُّم الأبنية. وإبتهل البطريرك بحرارة إلى الرّبّ من أجل انتهاء عمليّة الإغاثة بأقصى سرعة وأن تنتج خلاص من بقيوا تحت الأنقاض، سائلاً الله أن يعضد الّذين يعملون جاهدين في الإغاثة.  

هذا وتفقّد يونان مساءً قاعة كاتدرائيّة سيّدة الانتقال للسّريان الكاثوليك الّتي تحوّلت إلى مركز إيواء للنّازحين، واطّلع على أوضاعهم، معربًا لهم عن قربه الرّوحيّ منهم، سائلاً الله أن تنتهي هذه الأيّام الصّعبة بأقصى سرعة، وواضعًا كلّ الإمكانيّات المتاحة لمساعدتهم. وبارك باقةً من الأطفال المتواجدين مع أهلهم في القاعة، وحثّ الجميع على الصّمود والثّبات بالرّجاء الّذي لا يخيب، والاتّكال على الله.

أمّا صباح الأحد فاحتفل البطريرك يونان، في كاتدرائيّة سيّدة الانتقال في حلب، بقدّاس أحد الموتى وراحةً لنفوس ضحايا الزّلزال، مصلّيًا كذلك من أجل شفاء المصابين ومساعدة المتضرّرين.

في عظته والّتي ألقاها تحت عنوان "لا تخف أيّها القطيع الصّغير"، استهلّها يونان قائلاً: "أودّ أوّلاً أن أقول لكم الحمدلله على سلامتكم. لقد كنّا في قره قوش- العراق بمناسبة رسامة المطران الجديد لأبرشيّة الموصل، عندما سمعنا فجر الإثنين الماضي بالنّكبة الّتي حلّت هنا بمدينة حلب وبمناطق أخرى في سوريا وتركيا. لذلك نشكر الله على سلامتكم، وعلى أنّكم تقدرون أن تأتوا إلى الكنيسة بالرّغم من هذه الأيّام والأوقات العصيبة".

وتأمّل بكلمة الرّبّ يسوع "لا تخف أيّها القطيع الصغير"، وقال: "هذا الكلام للرّبّ يسوع، لطالما ردّدناه في السّنوات الماضية، سنوات الصّراعات الّتي لا معنى لها، والّتي حصلت هنا في سوريا الحبيبة، والمصائب والضّيقات الّتي حلّت بالعراق، واليوم أيضًا تحلّ للأسف في لبنان بهذا الجمود السّياسيّ والاقتصاديّ المعيشيّ.

إنّ ربّنا يسوع المسيح وعد تلاميذه قائلاً: لا تخافوا، أنا معكم كلّ الأيّام حتّى انقضاء الدّهر. طبعًا نحن نتساءل ونقول بأنّ الرّبّ يسوع الإله سبحانه وتعالى، ماذا يعني بهذا الكلام؟ نحن نعاني مختلف المصائب، العاهات الجسديّة والنّكبات النّفسيّة لما حصل لنا منذ سنوات. هذا الأمر يعود إلى حكمته تعالى.

سمعنا في الرّسالة إلى أهل كورنثوس، حيث يوصي مار بولس المسيحيّين الأوّلين هناك منذ أكثر من ألفي سنة: اثبتوا، لا تكونوا متزعزعين. فعلاً هذه النّكبة- الزّلزال يجعلنا نتزعزع، جسديًّا وربّما نفسيًّا أيضًا، لكنّ الرّسول بولس يطلب منّا: اثبتوا، لا تكونوا متزعزعين، لأنّ إيماننا بالرّبّ ورجاءنا وثقتنا به يجعلنا نبقى أقوياء غير متزعزين، بل ثابتين بهذا الإيمان وهذا الرّجاء، وعائشين المحبّة الّتي شهدناها في هذين اليومين، كيف أنّ الكنيسة، إكليروسًا ومؤمنين، تنفتح على الّذين تضرّروا وأصيبوا، وتخدمهم من كلّ القلب، ساعيةً كي تقدّم لهم كلّ ما يحتاجون إليه، لأنّ الجميع هم حقيقةً في دوّامة واحدة من الصّراع النّفسيّ والآلام الجسديّة.

يجب علينا أن نكون أقوياء، ولا يمكننا أن نكون كذلك وحدنا ما لم يكن الرّبّ معنا. من هنا نفهم معنى صلواتنا وتضرّعاتنا إلى الرّبّ كي يقوّينا، ونتذكّر، نحن الموجودين هنا، أنّه مهما كانت الآلام النّفسيّة والجسديّة الّتي نشعر بها، ومهما كانت ظروف حياتنا صعبة، بما أنّنا نلتقي مع الإخوة والأخوات الّذين يعانون أكثر منّا ويفزعون أن يذهبوا إلى منازلهم، فإذن من واجب دعوتنا المسيحيّة أن نسأل الرّبّ أن يقوّينا حتّى نقبل هذه المصائب وهذه التّجارب الّتي نُمتحَن بها".

وذكّر أنّ "اليوم هو الأحد المخصَّص للصّلاة من أجل موتانا المؤمنين. فكما تعلمون، بحسب طقسنا السّريانيّ الأنطاكيّ، نخصّص الأسبوع الأخير من الأسابيع الّتي تسبق الصّوم الكبير لموتانا الّذين فارقونا إلى الحياة الأخرى، وبإيماننا ورجائنا نسأل الرّبّ أن يكون هو مكافأتهم.  

إنّنا نصلّي من أجل موتانا، ونصلّي أيضًا من أجل جميع الضّحايا الّذين سقطوا في هذا الزّلزال المخيف، سواء أكانوا هنا في حلب، أو في باقي المناطق في سوريا وتركيا وسواها. نصلّي ضارعين إلى الرّبّ كي يعزّي قلوب ذويهم وعائلاتهم وأهلهم وأولادهم. ونصلّي من أجل الجرحى والمصابين، كي يستطيعوا تخطّي هذه الأزمة الصّعبة من الآلام وينهضوا معافين. نصلّي من أجل جميع المواطنين هنا في حلب الّذين امتحنهم هذا الزّلزال، لكنّه في الوقت عينه جمعَ حميع المواطنين من كلّ الدّيانات والطّوائف كي يفكّروا مليًّا ويختبروا بأنّ الله سبحانه وتعالى، مهما بدا وكأنّه ينسى أهل هذه المدينة، إلّا أنّه سيبقى على الدّوام الآب السّماويّ الّذي يحتضن الجميع".

وأكّد على أنّه "هنا نرى كيف استقبلتم الجميع في الكنيسة، الإكليروس والمؤمنين المشاركين في رسالة الخدمة في هذه الأبرشيّة، فتحتم لهم أبواب الكنائس وقاعاتها، واستقبلتموهم كإخوة وأخوات لكم دون أيّ تمييز أو تفرقة".

وأنهى عظته مبتهلاً "إلى الرّبّ كي يقوّينا حتّى نتابع مسيرتنا الإيمانيّة رغم كلّ الصّعوبات والتّحدّيات، وإلى أمّنا السّماويّة مريم العذراء سيّدة الانتقال، نلجأ بكلّ ثقة بنويّة، ونقول لها: يا أمّنا ابقي معنا واحمينا واحمِ حلب واحمِ سوريا، واجعلي النّاس يعرفون أن يعيشوا بالمحبّة والمصالحة الحقيقيّة، حتّى نستطيع أن نكمل مشوار حياتنا حسب قلب الرّبّ يسوع".

وأقام يونان تشمشت (خدمة) الموتى المؤمنين، راحةً لنفوس جميع الموتى، ولاسيّما الّذين رقدوا من جرّاء الزّلزال المدمّر، بعدها منح بركته وانتقل إلى صالون الكاتدرائيّة الرّسميّ واستقبل المؤمنين.

وعند الظّهر، استقبل يونان مطران الأرمن الكاثوليك في حلب بطرس مراياتي الّذي ثمّن زيارته الأبويّة لتفقّد أبنائه في هذه المدينة بعد الزّلزال المدمّر، طالبًا بركته الأبويّة لحلب وأهلها.

ثمّ تفقّد يونان دار مطرانيّة حلب للسّريان الأرثوذكس، حيث استقبله مطران الأبرشيّة بطرس قسّيس ولفيف من كهنتها وأعضاء مجالسها الملّية، وجمع من المؤمنين. هناك أدّى صلاة الشّكر في في كاتدرائيّة مار أفرام، وجدّد صلاته من أجل الضّحايا والمنكوبين، وتفقّد النّازحين إلى قاعات المطرانيّة وباركهم وشجّعهم بكلمات أبويّة ومعزّية، ثمّ انتقل إلى صالون المطرانيّة حيث دارت أحاديث محبّة أخويّة، وجرى التّطرّق إلى الأوضاع الرّاهنة في سوريا ومنطقة الشّرق الأوسط، لاسيّما أحوال مدينة حلب بعد الزّلزال المدمّر.