لبنان
03 آذار 2025, 12:15

يونان ترأّس قدّاس أحد عرس قانا ودهن جباه المؤمنين بالزّيت استعدادًا لبدء زمن الصّوم

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد عرس قانا الجليل والأوّل من زمن الصّوم، ترأّس بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان القدّاس الإلهيّ الّذي احتفل به القيّم البطريركيّ العامّ وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد، ودهن جباه المؤمنين بالزّيت استعدادًا لبدء زمن الصّوم، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكيّ، في الكرسيّ البطريركيّ- المتحف، بيروت، بمشاركة أمين السّرّ المساعد الأب كريم كلش، والشّمامسة، وجمع من المؤمنين.

وفي عظته بعد الإنجيل المقدّس، بعنوان "أمّا أنتَ فأبقيتَ الخمرة الجيّدة إلى الآن"، تحدّث المونسنيور حبيب مراد عن "هذا الأحد الّذي هو مدخل الصّوم، ونخصّصه لنحيي تذكار الأعجوبة الأولى التي صنعها الرّبّ يسوع، ففي هذا النّهار المبارك تفتتح الكنيسة زمن الصّوم بعرس، بفرح، بمناسبة جميلة جدًّا، فيها يصنع يسوع أوّل أعجوبة له، فيحوّل الماء إلى خمر فائق الجودة. وهكذا رتّبت الكنيسة هذه المناسبة في هذا اليوم كي تعلّمنا أنّ الصّوم هو مسيرة فرح، فرح مع الرّبّ، وفرح مع ذواتنا الّتي علينا أن نغيِّرها وننقّيها ونحوِّلها من الأعمال السّيّئة إلى الأعمال الجيّدة، وفرح مع الآخر بعطائنا له، لأنَّ الصّوم يترافق مع الصّلاة ومع أعمال الخير والصّدقة.

في هذا اليوم أيضًا، وغدًا تفتتح الكنيسة هذا الزّمن، زمن الصّوم المقدّس، بدهن جباه المؤمنين بالزّيت في رتبة المسامحة، كي نبدأ مسيرة صومنا بالمصالحة والمسامحة مع بعضنا البعض، ܫܽܘܒܩܳܢܳܐ. نفرح، فندهن جباهنا بالزّيت علامة الفرح مع الرّبّ الّذي يسير معنا في هذا العرس إلى أن يكتمل في النّهاية بذبيحة جسد ودم الرّبّ وعرسه السّماويّ في قيامته من بين الأموات في اليوم الثّالث.

إذا عدنا إلى نصّ الإنجيل المقدّس بحسب يوحنّا، والّذي استمعنا إليه للتّوّ، أعجوبة عرس قانا الجليل، يبدأ بالنّصّ بعبارة "في اليوم الثّالث"، ما معنى ذلك؟ إذا عدنا قليلًا إلى الوراء، نجد أنّه بعدما اعتمد يسوع على يد يوحنّا المعمدان في نهر الأردنّ وظهر الثّالوث الأقدس، الآب والابن والرّوح القدس، بدأ يسوع مسيرة عمله الخلاصيّ وتبشيره. ثمّ يقول "في الغد"، أيّ في اليوم الأوّل، حيث يوحنّا المعمدان يشهد عن يسوع: "هذا هو حمل الله الحامل خطايا العالم"، ويسوع يبشِّر الرّسل الأوَّلين أندراوس ويوحنّا ويعقوب ابنَي زبدى، وفي اليوم الثّاني، يبشِّر يسوع رسولين آخرين، فيلبّس ونثنائيل، أمّا اليوم الثّالث فهو عرس قانا الجليل. وفي الوقت عينه حين نسمع عبارة "اليوم الثّالث"، يتبادر إلى فكرنا عيد القيامة، تثبيتًا لهذا العرس السّماويّ الّذي اكتمل في قيامة الرّبّ من بين الأموات، وهذا العرس يكتمل معنا كلَّ يوم في ذبيحة القدّاس الّتي نحتفل ونشارك فيها، ونتناول جسد الرّبّ ودمه".

وأشار، بحسب إعلام البطريركيّة، إلى أنّ "هذه الأعجوبة حدثت في قانا الجليل، وحين يتمّ ذكر الجليل في الكتاب المقدّس، تُفسَّر بالمكان البعيد، أيّ البعيد عن أورشليم، وذلك للتّقليل من أهمّيّة المكان، إذ أنّه يبعد عن الهيكل، ممّا يقلِّل من الذّبائح الّتي يستطيع النّاس تقديمها، بسبب صعوبة الطّريق. لذا يختار الرّبّ أن يصنع الأعجوبة الأولى في الجليل، البعيد، ولا يبدأ عمله التّبشيريّ في أورشليم، بل في مكان بعيد. مع هذا كلِّه، ومع ضُعفِ هذا المكان وبُعدِه، بدأ يسوع من هناك، من ذاك المكان البعيد، كي يفتح رسالته على الأمم، فلا تنحصر في الشّعب اليهوديّ وحده".

وأكّد على أنّ "للعذراء مريم دور كبير جدًّا وحضور مهمّ، وهي تعود لتظهر مجدَّدًا تحت أقدام الصّليب: ما لي ولكِ يا امرأة، لم تأتِ ساعتي بعد. لكنَّ مريم كانت واثقة أنَّه سيستجيب طلبها وسينفِّذه، لأنَّ شفاعتها لديه لا تُقهَر. لذلك تعلَّمت الكنيسة من هذه الشّفاعة أن تتشفَّع هي أيضًا بأمِّنا مريم العذراء لدى ابنها، ربِّنا وإلهنا يسوع المسيح، كي تكون هي واسطة ومحامية ومساعدة لنا، تحمل طلباتنا إلى الرّبّ، فيستجيب الرّبّ لنا".

وتوقّف "عند كلام مريم مع الخدّام، إذ قالت لهم في الحال: مهما قال لكم فافعلوه، فطلب يسوع منهم على الفور أن يملأوا الأجاجين بالماء، ويقدِّموا للجميع كي يشربوا. أطاع الخدّامُ يسوعَ فورًا، وهذا أيضًا تعليمٌ لنا في حياتنا ورسالتنا، نحن كخدّام للكنيسة وجميع المؤمنين، فعلينا أن نطيع وصيّة ربّنا، وننفِّذ كلامه في حياتنا. وهكذا نحن، كما جاء هؤلاء الخدّام وغرفوا من هذه الخمرة وبدأوا يستقون ويوزِّعون على الجميع، نحن أيضًا نغرف من الكتاب المقدّس وكلام الله وتعليم الكنيسة، ونوزِّعه من حولنا".

وتأمّل في "قول لأحد الآباء السّريان: "ܪܶܡܙܳܐ ܟܰܣܝܳܐ ܕܪܳܡ ܡܶܢ ܗܰܘܢܳܐ ܙܳܚ ܥܰܠ ܡܰܝ̈ܳܐ ܕܰܐܓܳܢ̈ܶܐ܆ ܘܣܳܡ ܒܗܽܘܢ ܛܰܥܡܳܐ ܘܪܺܝܚܳܐ ܘܓܰܘܢܳܐ ܕܛܳܒܺܝ̈ܢ ܡܶܢ ܟܽܠ ܚܰܡܪ̈ܳܢܶܐ"، وترجمته: "سرٌّ خفيّ ٌّيفوق إدراك العقل حلَّ على مياه الأجران، ووضع فيها طعمًا ورائحةً ولونًا أطيب وأجود من كلّ الخمور". وهنا يتابع الآباء أنّه عندما يريد الرّبّ أن يحوِّلنا، كلًّا منّا في حياته، علينا أن يكون لدينا هذا الطّعم الّذي نتذوَّقه ونناله من كلام الرّبّ، وتفيض رائحتنا بعطر الرّبّ، ولوننا يُظهِر للآخرين أنّنا نعيش حقيقةً حياةً مسيحيّةً مؤمنةً وملتزمةً بتعليم الرّبّ. وهكذا يكون الخمر فائق الجودة، ونكون قد تركْنا الخمرة الجيّدة معه دائمًا".

وشدّد على أنّ "هذا العرس يذكّرنا بأهمّيّة الزّواج والعائلة، هذه الكنيسة الأولى، الكنيسة البيتيّة، الّتي فيها ينشأ الإيمان، وعندما نقول الزّواج والعائلة، نتذكّر أنّ الحياة ليست كلّها أيّام فرح وهناء، لأنَّ الخمر يأتي وقتٌ وتنفذ، وهكذا أيضًا رتابة الأمور والتّقليد والاعتياد تجعل الفرح ينفذ أحيانًا، لكن لنتذكَّر أنّه حين تحصل خيبة أمل أو موقف محرج أو نقص عند الطّرف الآخر، فالرّبّ هو وحده الكامل. لذا نتحمّل ضعفات بعضنا، ونحيا على الدّوام الأمانة لِما طلبه الرّبّ منَّا: مهما قال لكم فافعلوه، ونحن أجبناه بنعم عندما طبَّقْنا قوله. فحين ملأ الخدّام الأجاجين بالمياه، قالوا ليسوع نعم. ونحن أيضًا، في حياتنا: كأفراد قلنا للرّبّ نعم، فنتبعه ونكمل مسيرة حياتنا معه، وكعائلات وكمُقْدِمين على الزّواج وكمتزوِّجين قرَّرنا أن نلتزم ونسلّم حياتنا للرّبّ بنعم مشترَكة. فلنسلِّم حياتنا له بكلِّيّتنا، ولنُكمل مسيرتنا معه".

وإختتم عظته ضارعًا "إلى الرّبّ يسوع كي يعطينا النّعمة لنكون تلاميذ حقيقيّين له في حياتنا، سواء في العائلات، الأزواج والأولاد، أو كلّ شخص منّا في حياته، حتّى يُضحي هذا الزّيت الّذي سيمسحنا به غبطة أبينا البطريرك في نهاية هذا القدّاس، دليل فرح وتجديد المسيرة والالتزام مع الرّبّ، فنتبعه في حياتنا على الدّوام".