العراق
30 آذار 2021, 14:00

يونان ترأّس رتبة النّهيرة في مار كوركيس- برطلّة- العراق

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، عصر الأحد، برتبة النّهيرة، في كنيسة مار كوركيس- برطلّة- العراق، بعد أن ترأّس صلاة الرّمش (المساء). وقد تخلّلت الرّتبة القراءات المقدّسة من الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، وبخاصّة مثل العذارى الحكيمات والجاهلات، إضافة إلى التّرانيم السّريانيّة الشّجيّة بلحن الآلام.

وألقى يونان خلال الرّتبة موعظة قال فيها:

""المجد للصّالح الّذي بحبّه أظهر مجده لبني البشر"

سيادة الأخ الجليل مار أثناسيوس متّي عميد مجمعنا المقدّس الجزيل الاحترام،

نُسَرّ أن تكونوا معنا في هذا المساء في رعيّة مار كوركيس في برطلة، كي نشترك بالصّلاة ونطلب من الرّبّ أن يديمكم بالصّحّة والعافية.

إخوتنا أصحاب السّيادة:

مار يوحنّا بطرس راعي الأبرشيّة الجزيل الاحترام

مار أفرام يوسف رئيس أساقفة بغداد الجزيل الاحترام

مار أثناسيوس فراس النّائب البطريركيّ على البصرة والخليج العربيّ الجزيل الاحترام

إخوتنا الآباء الكهنة الأفاضل، ونشكر حضور الآباء الكهنة الأفاضل من الكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة الشّقيقة لمشاركتنا في هذا الاحتفال، بدء أسبوع الآلام الخلاصيّ في مسيرتنا نحو قيامة الرّبّ.

أعزّاءنا الشّمامسة الّذين رتّلوا صلاة الرّمش والسوتورو

الرّهبان والرّاهبات والمؤمنين الأحبّاء، حفظهم الرّبّ

نشكر كاهن رعيّتكم الأب بهنام بينوكا الّذي يغمركم بالمحبّة بحسب روح الرّاعي الصّالح، وينظّم الخدمة في هذه الرّعيّة بهمّة ونشاط.

معنا أيضًا الأبوان حبيب وكريم من أمانة السّرّ في البطريركيّة، وكذلك الأب مجيد سكرتير مطرانيّة الموصل

إنّنا مسرورون جدًّا أن نرى صغارنا وقد أضحوا شمامسةً خدّامًا مرنّمين وقارئين، وقد استمعنا بفرح إلى بعضهم يقرأون الكتاب المقدّس.

نحتفل في هذا المساء برتبة النّهيرة، وهي رتبة خاصّة بالكنيسة السّريانيّة. ونعرف أنّ هناك بعض الكنائس الّتي ابتدأت تحتفل بها مؤخّرًا، ولكن في تقليدنا السّريانيّ، تفتتح رتبة النّهيرة أسبوع الآلام الخلاصيّة مساء أحد الشّعانين، وسنستمع دون شكّ إلى المثل الجميل الرّائع، مثل العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات. هذا المثل، نستطيع القول، بلغة السّينما والأفلام، إنّ بطلاته عشر نساء. يروي لنا يسوع مثلاً عن اللّقاء الأخير بالعريس السّماويّ ويضع بطلاته النّساء. كانت المرأة دائمًا لدى المسيحيّين وفي المسيحيّة الشّخص المكرَّم والمحترم والّذي تعطى له الحقوق كافّةً، ولا عجب، فالسّلطانة الأولى لجميع القدّيسين هي مريم العذراء. لذلك نفتخر أن تكون المرأة، سواء أكانت فتاةً أو متزوّجةً، تشارك في حياة الرّعيّة وحياة الكنيسة، ونفتخر بأمّهاتنا اللّواتي يبذلنَ كلّ الجهد بالتّضحية والتّفاني والصّمت كي تنشأ العائلة حسب قلب الرّبّ.

في هذا المثل الّذي تعرفونه جيّدًا، هناك انتظارٌ لمجيء العريس، الختن السّماويّ، خمس عذارى حكيمات، وقد سمّاهنّ يسوع حكيمات، لأنّهنّ أخذنَ الزّيت الكافي لمصابيحهنَّ، لأنّ العريس سيأتي في اللّيل، وخمسٌ أخريات لم يحملنَ معهنّ الزّيت الكافي، وطبعًا في اللّيل ينقص زيت العذارى الجاهلات، ويطلبنَ من الحكيمات بعضًا من الزّيت. فتجيب الحكيمات أنّه لن يكفي لهنّ أيضًا، لذلك يجب أن يعرفنَ كيف يتدبّرنَ أمرهنّ. فتذهب العذارى الجاهلات لابتياع الزّيت في ذلك الوقت، أين يمكن ابتياع هذا الزّيت في اللّيل؟ ويأتي العريس، والمدعوّات المستعدّات يدخلنَ معه إلى فرح العرس. تأتي الجاهلات متأخّراتٍ، يقرعنَ الباب، ربّنا ربّنا افتح لنا، فيجيبهنّ الرّبّ من الدّاخل: للأسف تأخّرتنّ.

يطلب منّا يسوع في هذا المثل، لأوّل وهلةٍ وأوّل قراءةٍ، أنّ علينا الاستعداد لأنّنا لا نعلم متى تأتي ساعة موتنا، لأنّ الموت هنا هو الدّخول في الحياة الأبديّة. فيطلب منّا يسوع أن نكون مستعدّين، وهذا أمر مهمّ جدًّا. نتذكّر ونعرف اليوم ونختبر ونعاني من هذا الوباء المخيف الّذي ينتشر ويتفشّى في العالم كلّه، هذا الوباء المُسمَّى "كوفيد 19" أو كورونا، هذا الوباء ينتشر، وقد يأخذ معه ويغيّر أعزّ أعزّائنا وأكثر النّاس، إن كانوا كبار السّنّ أو الأقلّ عمرًا أو حتّى الرّياضيّين. ولا نعلم من أين أتى هذا الوباء ولا كيف سينتهي، ولكن المطلوب منّا أن ننتبه ونأخذ الاحتياطات قدر الإمكان.

إذن نستطيع أن نقرأ هذا المثل في كلّ يوم وكلّ وقت وكلّ الأزمنة، ونحن نعلم أيضًا أنّكم، أحبّاءنا، أنتم الّذين هُجِّرتم قسرًا واختُطِف بعضكم وقُتل البعض الآخر، إن كان عندنا في سهل نينوى أو في مناطق أخرى، كما في كاتدرائيّتنا سيّدة النّجاة في بغداد. لذلك نحن نختبر ونعاني كلّ يومٍ الألم والاضطهاد وحتّى الاستشهاد أيضًا.

نشكر الرّبّ الّذي أعطانا بركة أن يزورنا قداسة البابا فرنسيس بهذه الزّيارة التّاريخيّة، صحيحٌ أنّ قداسته لم يأتِ إلى برطلة، لكنّه جاء إلى كنيسة الطّاهرة الكبرى في قره قوش، وبرطلة وقره قوش، مهما كان هناك من تمايز أو اختلاف، فنحن جميعًا شعبٌ واحد. زيارة البابا فرنسيس إلى العراق زيارة تاريخيّة، فقد جاء لكي يحمل الرّجاء للشّعب العراقيّ بكامله، وبخاصّة للمسيحيّين الّذين عانوا الكثير لعقودٍ ثلاثةٍ ماضية. لا نميّز نفسنا، ولا نقول إنّنا الوحيدون الّذين أصابتهم المصائب في هذه السّنوات الأخيرة، ولكنّ الواقع واضحٌ. نحن مكوِّنٌ صغيرٌ، نعم مكوِّنٌ أصيلٌ في العراق، ولكنّنا مكوِّنٌ صغيرٌ، فخسارة العائلة فردًا أو فردين من أعضائها هي خسارة كبيرة، وأنتم تعرفون أنّ لديكم من أُرغِموا على الاغتراب والتّهجير، لديكم إخوةٌ وأبناءٌ في بلاد المهجر، ولا شكّ أنّهم يرافقونكم في هذه المعاناة، ويحاولون جهدهم كي يساعدوكم على البقاء متجذّرين في أرض الآباء والأجداد.

لقد تألّم يسوع مخلّصنا ومات، ولكنّه قام. فإذن نحن عندما ندخل في أسبوع الآلام، ليس فقط ندخله ونسكب الدّموع، ولكن أيضًا ندخله بروح الرّجاء والفرح حتّى في الآلام، لأنّنا ندرك أنّ يسوع معنا، يسوع مخلّصنا، ويسوع يرافقنا في هذه الحياة الدّنيا. نسأله من كلّ قلوبنا أن يملأنا بالتّعزية والفرح والرّجاء، حتّى نستطيع أن نقيم الصّلوات والابتهالات في هذا الأسبوع الخلاصيّ، ونسير صعودًا نحو مجد القيامة، مبشّرين وشاهدين، ليس فقط بأقوالنا، ولكن بأعمالنا الصّالحة أيضًا، ومعلنين أنّنا تلاميذ الرّبّ يسوع، رب المحبّة والسّلام والرّجاء. هذا ما نطلبه من الرّبّ، بشفاعة أمّنا مريم العذراء ومار كوركيس شفيع هذه الكنيسة وقدّيسينا وشهدائنا، آمين."

وقام البطريرك يونان خلال الرّتبة بتطواف حبريّ داخل الكنيسة في ثلاث دورات، يتقدّمه الأساقفة والإكليروس، ليتوجّهوا بعدئذٍ ومعهم جميع المؤمنين إلى خارج الكنيسة، حيث وقفوا جميعًا خلف البطريرك أمام الباب الرّئيسيّ للكنيسة. وهناك تلا البطريرك بعض الصّلوات، ورنّم الإكليروس التّرنيمة الكنسيّة المؤثّرة: عال هاو ترعو بارويو" (على الباب الخارجيّ)، وترجمتها: "أمام الباب الخارجي كان شمعون (سمعان بطرس) واقفًا وهو يبكي، ويقول: ربّي افتح بابك أنا تلميذك، إنّ السّماء والأرض تبكيان عليّ، فقد أضعتُ مفاتيح الملكوت."

وجثا بعدها يونان أمام الباب الخارجيّ وقرعه ثلاثًا بالصّليب، قائلاً: "تَرعو درحميك (باب مراحمك)"، ثمّ فُتِحَ الباب ودخل الجميع إلى الكنيسة، ومنح الجميع بركته الأبويّة.