العراق
12 نيسان 2022, 08:45

يونان ترأّس رتبة النّهيرة في برطلّة- العراق وواصل زيارته الرّسوليّة

تيلي لوميار/ نورسات
في إطار زيارته إلى العراق، قام بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان بزيارة تفقّديّة إلى كنيسة مار كوركيس القديمة في برطلّة- العراق حيث استقبله والوفد المرافق، كاهن الرّعيّة الأب بهنام بينوكا وأعضاء مجلسها، والمهندس المشرف والعاملين معه، وباركهم واطّلع منهم على شرحٍ وافٍ عن أعمال التّرميم الجارية.

أمّا مساءً فترأّس رتبة النّهيرة، الوصول إلى الميناء، في كنيسة مار كوركيس، وكانت له عظة تحت عنوان: "نحن ساهرون، ننتظر عودتك أيّها الرّبّ يسوع"، فقال: "نعم، أيّها الأحبّاء، نحن ساهرون نصلّي في هذا المساء في برطلّة بالفرح والرّجاء، ونقدّر لصاحب النّيافة مار تيموثاوس موسى الشّماني مطران أبرشيّة دير مار متّى مع الوفد المرافق من الإكليروس والمؤمنين، اشتراكهم معنا في هذه الرّتبة المقدّسة، رتبة النّهيرة، استعدادًا للدّخول إلى أسبوع الآلام الخلاصيّ نحو القيامة.  

في شهر آذار الماضي، كنّا قد التقينا مع قداسة أخينا مار إغناطيوس أفرام الثّاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس، ونحن دومًا في تواصل أخويّ، لأنّنا أبناء وبنات كنيسة واحدة، نشترك في الصّلوات معًا ونتواكب، نسير معًا مسيرة أخويّة نحو مجيء الرّبّ يسوع الّذي نصلّي دائمًا ونرجو أن يكون مجيئًا لنا نحن المدعوّين لمشاركته في فرحه السّماويّ.  

يشترك معنا أيضًا صاحبا السّيادة مار أفرام يوسف عبّا المدبّر البطريركيّ لأبرشيّة الموصل وتوابعها ورئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السّينودس المقدّس، ومار أثناسيوس فراس دردر النّائب البطريركيّ في البصرة والخليج العربيّ، والآباء الخوارنة والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنون من مجالس الرّعية والجوق والأخويّات.

نحن في مسيرة نعيشها دومًا بالرّجاء، لا نستطيع أن نعطيكم دروسًا في الرّجاء، لأنّكم أنتم تعيشون حقيقةً الرّجاء المؤسَّس على الإيمان بالرّبّ يسوع.  

يعلّمنا رسول الأمم مار بولس بأنّه لا يكفي الإيمان بأنّ يسوع هو مخلّصنا، لكن علينا أن نجاهد في الألم كما جاهد هو أيضًا لأجل خلاصنا. لذلك كلّ ما يحدث لنا من آلام وضيقات وصعوبات، وما نجابهه من تحدّيات، نتحمّله بمفهوم الثّقة الكاملة بالرّبّ يسوع، لأنّه هو الّذي سبقنا على درب الآلام الخلاصيّ، فالألم بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين هو درب الخلاص. نحن لا نفتّش عن الألم، لأنّ التّفتيش عن الألم هو نوع من المرض النّفسيّ، لكنّنا نقبل كلّ ما تسمح به العناية الإلهيّة بروح المسيح ذاته الّذي كان هو الكاهن والذّبيحة في آنٍ معًا، كما أنشدنا في أناشيدنا السّريانيّة في صلاة الرّمش اليوم منذ قليل.  

إذًا ليست قضيّة سهلة أو بسيطة نردّدها، بل علينا أن نفهم معناها، بأنّ يسوع كلمة الله المتأنّس، الإله الكامل والإنسان الكامل قَبِلَ أن يجتاز هذا الدّرب الأليم ويقرّب ذاته لأبيه فداءً عنّا نحن الّذين يحبّنا هو ويريد منّا أن نحبّه.  

ولكن كيف نحبّه؟  

سمعنا من الإنجيل المقدّس الّذي أعلنه صاحب النّيافة مار تيموثاوس موسى، أنّ أمّ ابني زبدى يعقوب ويوحنّا جاءت إلى يسوع طالبةً أن يكون ابناها هما المترئّسَين، واحد عن يمين يسوع وواحد عن شماله، عندما تأتي في ملكوته، لأنّه كان هناك فكرٌ أنّ المسيح سيأتي ويؤسّس الملكوت الأرضيّ. فأجابها يسوع سائلاً التّلميذين: هل تستطيعان أن تشربا الكأس الّتي أشربها أنا؟ فقالا نعم نحن مستعدّان. إلّا أنّ يسوع ينبّههما بأنّ شرب الكأس ليس قضيّة بحدّ ذاتها، وكأنّ أحدًا يقوم بعمليّة كي ينال عليها أجرًا، بل شرب الكأس هو اتّباع الرّبّ يسوع في درب الآلام، ودرب الآلام يتطلّب أن يكون الشًخص متواضعًا ووديعًا ويعرف أن يتحرّر من أنانيّته ومن كبريائه، كي يكون خادمًا للكلّ.  

نحن أحبّائي في هذه الرّعيّة في برطلّة الّتي ندرك تمامًا آلامها وصعوباتها، مدعوّون أن نكون شهودًا للمحبّة الّتي تخدم، المحبّة المتواضعة، المحبّة الوديعة. ونحن نهنّئكم لأنّكم، مهما عصفت العواضف، تبقون متجذّرين في أرض آبائكم وأجدادكم، حتّى تظلّوا شهود الخلاص والمحبّة فيما بينكم وبين الأكثريّة الّتي تعيشون معها.  

نهنّئ الأب بهنام بينوكا للخدمة الرّاعويّة الّتي يقوم بها تجاهكم، وقبل أن نبدأ صلاة الرّمش، زرنا معه كنيسة مار كوركيس القديمة الّتي هي أقدم كنيسة في هذه المنطقة هنا، وتعود إلى مئات السّنين، والّتي يقوم الأب بهنام مع المساعدين ومجلس الرّعيّة بالسّعي إلى ترميمها، لأنّها حقيقةً إرث وتراث سريانيّ عريق في بلاد ما بين النّهرين، تراث تاريخيّ وحضاريّ وروحيّ للعراق بأسره.

نسأل الرّبّ يسوع أن يساعدنا كي تبقى مصابيحنا دائمًا موقدةً مثل البتولات الحكيمات، فنصبح أهلاً أن نلقاه في مجيئه الثّاني، آمين".

بعدها، طاف البطريرك يونان بموكب حبريّ داخل الكنيسة يتقدّمة الأساقفة والإكليروس، ثمّ توجّهوا مع المؤمنين إلى خارجها، ووقفوا أمام البابا الرّئيسيّ حيث تلا البطريرك صلوات خاصّة وبالمناسبة، وجثا وقرع على البابا ثلاث مرّات بالصّليب قائلاً: ܬܪܥܐ ܕܪ̈ܚܡܝܟ تَرعو درحميك (باب مراحمك)، ثمّ فُتِحَ الباب ودخل الجميع إلى الكنيسة، حيث منح الجميع بركته.  

ومساءً، زار يونان دير سيّدة الشّهداء للرّاهبات الدّومينيكيّات للقدّيسة كاترينا السّيانيّة- بخديدي (قره قوش)، وأقام في كنيسته صلاة الشّكر وبارك الرّاهبات واستمع منهنّ إلى أبرز نشاطاتهنّ مثنيًا على خدمتهنّ، وداعيًا لهنّ بالنّجاح والتّوفيق، مانحًا إيّاهنّ بركته الرّسوليّة.

أمّا الإثنين فبارك البطريرك مدرسة الطّاهرة الأهليّة المختلطة للرّاهبات الدّومينيكيّات- القسم الابتدائيّ ثمّ ثانويّتها، وأكّد لتلاميذتها أنّ الرّبّ يحبّهم وهو معهم في كلّ حين، حاثًّا إيّاهم على عدم الخوف أبدًا بالرّغم من كلّ الصّعوبات والتّحدّيات، داعيًا إيّاهم أن يفرحوا دائمًا "لأنّ الرّبّ يسوع حيٌّ بيننا على الدّوام"، وبعدها كرّس وقدّس كنيسة الطّاهرة في الثّانويّة.

هذا وتخلّل زيارة يونان إلى قره قوش اجتماع مع الآباء الكهنة في أبرشيّة الموصل وتوابعها في مقرّ المطرانيّة في بخديدي، أكَد خلاله أنّ "مسؤوليّتنا كرعاة روحيّين أضحت أكبر من قبل، فلا يكفي أن نقوم بخدمة الأسرار والوعظ، ولكن علينا أن نقوم بالنّشاطات والرّسالات، ونجعل المؤمنين يفتخرون بكنيستهم وكهنتهم"، متمنّيًا "أن يكون الكهنة الّذين يخدمون في الخطّ الأوّل من العمل بين النّاس، وأن يشعروا بانتمائهم الكنسيّ وبروح الخدمة الحقيقيّة وقبول الآخر ولو كان مختلفًا عنّي بفكره ونظرته"، مشدّدًا على أنّ "التّحدّي اليوم كبير جدًّا: كيف نحافظ على وجودنا في الشّرق؟ صحيح كلّ الكنائس تعاني، ولكنّ كنيستنا متشتَّتة ومتباعدة جغرافيًّا، ويجب أن نكون على مستوى هذا التّحدّي".

ودعا الكهنة لعيش الدّعوة الكهنوتيّة باتّباع الرّبّ، "وهذا الأمر ليس بوظيفة، فصاحب الوظيفة يعتبر أنّ من حقّه أن يترقّى ويكافَئ، لكنّ دعوتنا هي للخدمة بالتّواضع والوداعة، عملاً بقول معلّمنا الرّبّ يسوع: تعلّموا منّي فإنّي وديع ومتواضع القلب… من كان فيكم الأوّل فليكن للجميع عبدًا… صحيح أنّ الكاهن يسعى جاهدًا للدّفاع عن حقوقنا وحقوق شعبنا وأبنائنا، ولكن علينا ألّا ننسى بأنّ الأمر ليس قضيّة وظيفيّة".

إلى جانب ذلك، افتتح يونان مركز التّعليم المسيحيّ في مقرّ مطرانيّة حدياب، في باحة كنيسة مارت شموني-عينكاوه- أربيل، وترأّس صلاة التّدشين سائلاً الرّبّ أن يحلّ بركته ونعمته فيه، لما فيه خير أبرشيّة حدياب ونشر كلمة الرّبّ في نفوس المؤمنين.