يونان: الرّبّ لن يتركنا مهمَلين أبدًا
"في هذا الأحد الّذي هو الأخير من زمن الصّوم الكبير قبل أحد الشّعانين، نتأمّل بهذه الأعجوبة المؤثّرة، شفاء أعمى أريحا، طيما بار (أيّ إبن) طيما، والمعروف في الجماعة المسيحيّة الأولى، لذلك ذكر القدّيس مرقس اسمه في الإنجيل بشكل خاصّ، فهناك عجائب كثيرة صنعها يسوع لا نعرف أسماء الّذين صنعها لهم، على عكس هذا الأعمى الّذي كان معروفًا. فقد كان مهمَّشًا، والعميان عامّةً وحتّى فترة قريبة كانوا نوعًا ما مهمَلين ومهمَّشين، ويُنظَر إليهم بأنّهم أصحاب عاهة، فيشفق النّاس عليهم. ونادرًا ما كانت البشريّة تهتمّ بهم، لاسيّما من ناحية إفساح المجال أمامهم للكلام والقراءة والكتابة. ولدينا مشاهير العميان في يومنا الحاليّ، منهم الإيطاليّ أندريا بوتشيلّي، الرّائع بصوته وأناشيده، وهو مؤمن صالح تغلّب على هذه العاهة، وتزوّج ورُزِق أولادًا ثمّ أحفادًا".
وأضاف: "هذا الأعمى كان يتسوّل على الطّريق، كما نعاين وللأسف الشّديد الكثيرين من المتسوّلين في هذه الأيّام على الطّرقات، ونتأثّر كثيرًا حين نرى الصّغار متروكين يتسوّلون، بينما يجب أن يكونوا في المدارس، وأن تعتني بهم الدّولة من أينما أتوا. سمع الأعمى أنّ يسوع قادم إلى أريحا، فبدأ يصيح معلنًا إيمانه: يا ابن داود ارحمني. دعاء ابن داود، إن راجَعْنا الإنجيل المقدّس بحسب متّى، نجد أنّ يسوع أتى من عشيرة داود، ومن سلالته. وحين ذهب يوسف ومريم ليكتتبا في عهد الأمبراطور الرّومانيّ أوغسطس قيصر، ذهبا إلى بيت لحم، هذه البلدة الواقعة جنوب القدس، وهي تُعتبَر مدينة داود.
طلب يسوع من الجمع أن يسمحوا للأعمى أن يأتي إليه، وكالعادة نحن أنانيّون لا نفكّر سوى بأنفسنا، فنجد أنّ الأعمى ظلّ يصرخ، وكأنّ الباقين انزعجوا من صراخه. فدعاه يسوع وشفاه، لأنّه أظهر إيمانًا صادقًا بقوّة يسوع، ولم يطلب منه حسنةً إلّا أن يبصر. والإنجيل يخبرنا أنّه حين سمع الأعمى بأنّ يسوع دعاه وطلب رؤيته، ترك هذا الأعمى رداءه وألقاه في الأرض كي يهرع إلى الرّبّ يسوع.
نأخذ عبرةً لنا من مَثَل هذا الأعمى، فلا يجب أن نيأس أبدًا مهما كانت ظروفنا صعبة، بل أن نسأل الرّبّ ملتمسين منه بإلحاح أن يساعدنا وينيرنا ويمنحنا هذه الحاجة، أيّ النّعمة الرّوحيّة، كما يعلّمنا مار بولس، فلا نفكّر فقط بالأمور المادّيّة، بل أيضًا بنور الخلاص، والرّبّ لن يتركنا مهمَلين أبدًا. صحيح هناك ظروف نُضطَرُّ فيها بشريًّا أن ننتظر ونصبر، لكن مهما كانت صعوباتنا وآلامنا وتحدّيات الحياة، فيقيننا الرّاسخ أنّ الرّبّ هو معنا ويرافقنا".
وفي ختام عظته، تضّرع يونان "إلى الرّبّ يسوع، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، وبتوسُّلات طيما بار طيما الأعمى الّذي كان من أوائل الّذين تبعوا يسوع في الجماعة المسيحيّة الأولى، وبشفاعة مار إغناطيوس النّورانيّ، شفيع هذه الكنيسة، وهو من أشهر الآباء الرّسوليّين، وقد قال عنه البابا بنديكتوس السّادس عشر بأنّه كان أقرب الآباء الرّسل من يسوع، وفي تعاليمه وفي استشهاده، وفي مسيرة حياته الّتي كانت مثالًا حيًّا على محبّته للرّبّ وقربه منه، نبتهل إلى الرّبّ كي يباركنا ويبارك عائلاتنا، ويجعلنا على الدّوام رسلًا أمناء لكلمته، نحيا بها وننشرها من حولنا".