يونان: البابا كان فرحًا بزيارته وفخورًا بنا نحن المسيحيّين
خلال القدّاس الّذي خدمه جوق الرّعيّة، بحضور ومشاركة حركة مار بهنام وسارة- الفنار، وأخويّة الحبل بلا دنس، بحضور جموع غفيرة من المؤمنين، ألقى يونان عظة قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة: "اليوم هو الأحد السّادس من الآحاد السّابقة للميلاد، وهو أحد ميلاد يوحنّا المعمدان. سمعنا من الإنجيل المقدّس عن فرحة زكريّا الكاهن وزوجته إليصابات بميلاد يوحنّا المعمدان، وكلمة يوحنّا تعني الله تحنّن. حين ذُكِرَ اسمُ يوحنّا، قال عنه يسوع إنّه أعظم مواليد النّساء. كان ميلاد يوحنّا عجيبًا، وكانت حياته كلّها مكرَّسة لله، حتّى أنّه ذهب للعيش في البرّيّة يتأمّل ويصلّي، وختم حياته بالاستشهاد مثل الرّبّ يسوع. وبإستطاعتنا القول إنّ يوحنّا المعمدان هو أكثر الأشخاص تشبُّهًا بالرّبّ يسوع. حتّى في الكنيسة الأولى، كانت هناك جماعات كثيرة تلتزم بتعاليم يوحنّا وتؤسِّس تنظيمات أو جماعات تعتبر يوحنّا قدّيسًا خاصًّا، لأنّه هيّأ الشّعب لمجيء المخلّص. إذًا كان يوحنّا حلقة وصل بين العهد القديم والعهد الجديد".
وأضاف: "يوم الغد، 8 كانون الأوّل، هو عيد الحبل بمريم العذراء بلا دنس، وهو عيد الأخويّة في هذه الرّعيّة العزيزة. كما أنّنا نعيّد اليوم أيضًا في رعيّتكم المباركة عيد القدّيسين بهنام وأخته سارة الشّهيدين، وهما قدّيسان عاشا في القرن الرّابع، وكانا مثال الإيمان بالرّبّ يسوع. وها هو دير مار بهنام القريب من الموصل وسهل نينوى، الدّير المشهور من القرون الأولى، وسنة 2014 اقتحمَتْه جماعات داعش، ونشكر الله أنّنا استطعنا ترميم هذا الدّير الشّهير بعد طرد هذه الجماعات. ولدى زيارة الموصل وسهل نينوى وقره قوش، بالإمكان زيارة هذا الدّير وزيارة دير مار متّى النّاسك، الّذي عمَّد بهنام وأخته سارة، وهو دير تابع للكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة الشّقيقة.
بهذه المناسبة، لا نزال جميعنا نتكلّم ونتبادل الفرح الحقيقيّ لزيارة قداسة البابا لاون الرّابع عشر إلى لبنان، ولو أنّها كانت زيارة قصيرة، لأقلّ من يومين، إلّا أنّها كانت زيارة نعمة، ربّنا افتقدَنا، افتقد لبنان، وبشكل خاصّ افتقد المسيحيّين في لبنان بزيارته. لقد قرّر قداسته زيارة لبنان، وربّما لم تكن لديه معرفة بمسيحيّي لبنان وبهذا التّنوُّع الدّينيّ والطّائفيّ في هذا البلد. لذلك، كما شعرنا كلّنا، إنّ قداسة البابا كان فَرِحًا بزيارته، وفخورًا بنا، نحن المسيحيّين، وكوَّن فكرة حقيقيّة عن لبنان الصّغير، الّذي ليس وطنًا فقط، بل هو رسالة، بحسب قول البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني.
شاركْنا، كبطريرك الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة، في زيارة قداسة البابا إلى تركيا، ورافقناه إلى نيقية، وتدعى اليوم إزنيق، في تركيا، وهي الّتي عرفت أوّل مجمع مسكونيّ ضمّ أكثر من 300 مطرانًا في ذاك الحين، عام 325، في بداية القرن الرّابع، وكانت غالبيّة المطارنة من الشّرق، ولم يكن هناك سوى ممثِّل البابا لاون ومطرانان اشتركا من الغرب، والباقون كلّهم من الشّرق. وهذا الأمر يدفعنا إلى التّساؤل: أين نحن المسيحيّين في الشّرق؟ كيف سمح ربّنا أن يتراجع عددنا كثيرًا، فحصل هذا التّهجير والهجرة؟!. شاركْنا قداسةَ البابا في نيقية الّتي أعطَتْنا قانون إيماننا، وحاولْنا كلّ جهدنا أن نكون مع قداسته ونذكّره أنّنا، نحن المسيحيّين في تركيا، حتّى لو كنّا قليلي العدد، ففي إسطنبول مثلًا، يعيش المهجَّرون من ماردين وديار بكر وقرى طور عبدين في شرق تركيا، بعدما تهجّروا إلى هناك، كما إلى العراق وسوريا ولبنان، كي يكوِّن قداسته فكرة عن المعاناة الّتي عانيناها نحن المسيحيّين بسبب الظّروف المعروفة".
وأكّد يونان أنّ "بهنام وسارة شهيدان نفتخر بهما، وهما يعطياننا المثال بتكريس حياتهما كلّها للرّبّ. ومع أنّهما كانا في عمر الشّباب، فقد قبلا أن يضحّيا بذاتهما. إنّه أمر عظيم جدًّا لا نفهمه، كيف أنّ الإنسان، حين يحبّ الرّبّ يسوع، لا يتخلّى عن إيمانه، بل يضحّي بذاته من أجل الإيمان بالرّبّ. ولدينا المثال على ذلك في الآلاف من الشّهداء والشّهيدات".
وتابع: "يوحنّا المعمدان إذن هو أعظم مواليد النّساء، فقد كان المبشِّر، الكاروز، أيّ الّذي يكرز بمجيء المسيح. لم يكن لديه فايسبوك ولا وسائل تواصل اجتماعيّ كي يتكلّم وينشر أفكاره، بل عاش دعوته وقدّم ذاته للرّبّ مدافعًا عن الحقّ. ونحن أبناء وبنات الحقّ، الّذين يحرِّرنا الحقّ من ذاتنا الخاطئة ومن أهوائنا وادّعاءاتنا، إذ نعتقد أنّنا أفضل النّاس، صحيح علينا ألّا نستخفّ بذواتنا، لكن علينا أيضًا أن نعي أنّ دعوتنا المسيحيّة هي دعوة من الله بواسطة الكنيسة الّتي تحثّنا كي نعيش معًا حياة المسيحيّين الأوّلين".
وتضرّع يونان في الختام "إلى الرّبّ يسوع، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة الحبل بلا دنس، ومار يوحنّا المعمدان والشّهيدين بهنام وأخته سارة، وبجاه صلوات هؤلاء القدّيسين الأبرار من أجلنا، كي يؤهّلنا أن ندرك أنّه اختارنا في هذه الظّروف الصّعبة، في هذه المعاناة الّتي نعيشها، إذ ليست هناك عائلة بيننا إلّا وتعيش التّشتُّت بين المقيم في الوطن والمغترب في الخارج. إلى الرّبّ يسوع نبتهل ليمنحنا أن نقبل مشيئته، ونتذكَّر أنّنا دُعِينا كي نعيش حسب قلبه الأقدس، وأنّنا أعضاء في جسده السّرّيّ الّذي هو الكنيسة، فنبني بعضنا البعض بالمحبّة والحقّ".
