العراق
08 شباط 2023, 11:20

يونان استهلّ زيارته الرّسوليّة والرّسميّة إلى بغداد

تيلي لوميار/ نورسات
وصل بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان مساء الإثنين إلى مطار بغداد الدّوليّ قادمًا من أربيل، ليستهلّ زيارة رسوليّة ورسميّة إلى أبرشيّة بغداد، مترئّسًا وفدًا كنسيًّا.

وفي صباح الثّلاثاء، افتتح يونان برنامجه بزيارة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، بحضور وزيرة الهجرة والمهجّرين إيفان فائق جابرو والنّائب في البرلمان العراقيّ د. دريد جميل، وأثنى يونان للمناسبة على دور زيدان في إحقاق الحقّ وسيادة القانون في العراق رغم كلّ الظّروف، مؤكّدًا على العلاقة المبنيّة على الاحترام والتّفاهم بين مختلف مكوّنات الشّعب العراقيّ، ولاسيّما بين المسيحيّين والمسلمين، ومستهجنًا قيام أشخاص أو جماعات بالقتل باسم الله. من جهته، نوّه زيدان بدور المكوّن المسيحيّ في بناء العراق وتعزيز اللّحمة بين مواطنيه، مبديًا دعمه الكامل لتعزيز الحضور المسيحيّ في العراق.

ثمّ كانت زيارة رسميّة لرئيس جمهوريّة العراق عبد اللّطيف جمال رشيد، أعرب خلالها يونان عن اعتزازه "بالعراق، هذا الوطن الغالي، وهو أرض الآباء والأجداد، والّذي فيه يعيش جميع المواطنين، ولا سيّما أبناء شعبنا المسيحيّ، بالتّعاون والتّكاتف من أجل بناء وطنهم ونهضته وعودته إلى سابق عهده، إذ أنّ المسيحيّين هم أبناء الأرض الأصليّون، وهم لا يطالبون بالامتياز أو التّميّز عن إخوتهم في الوطن، إنّما بالعيش بالمساواة والعطاء للوطن والإخلاص له وحده مهما صعبت الظّروف ومهما عظمت التّحدّيات".

وأكّد على "ضرورة أن نعطي أبناء شعبنا المسيحيّ دفعًا للاطمئنان إلى سلامة العيش في أرضهم، بالوحدة والمساواة والحفاظ على الحقوق والواجبات كاملةً، لأنّ لا وجود للعراق كوطن جامع بدون جميع المكوّنات، وفي صلبها المكوّن المسيحيّ".

وأثنى على "الجهود الكبيرة الّتي يبذلها فخامته مع جميع المسؤولين من أجل استتباب الأمن وتحقيق النّهوض بالعراق"، مشدّدًا على "الإيمان بالمواطنة واحترام التّنوّع الّذي يزخر به المجتمع العراقيّ وكلّ المنطقة، ودعم العيش بسلام ومحبّة، بغية الحفاظ على الوجود المسيحيّ في أرض العراق المبارَك".

ومن جهته، أكّد الرّئيس العراقيّ "أنّ مسيحيّي الشّرق هم سكّان المنطقة الأصليّون إلى جانب باقي المكوّنات في المجتمع، وأنّ التّفرقة صنعها أعداء الإنسانيّة، وأنّ أبناء كلّ المكوّنات هم أهل هذا البلد، بالتّساوي فيما بينهم، ويوحّدهم هدف خدمة المجتمع وتحقيق الأمن والاستقرار لأجيالنا، ومن الواجب توفير بيئة آمنة ومستقرّة ومزدهرة للأجيال المقبلة بلا صراعات ونزاعات، وهذا ما نعمل عليه".

ولفت إلى أنّ زيارة يونان إلى العراق "هي مبادرة طيّبة ترسّخ انطباعًا للجميع بأنّ المجتمع واحد لا فرق فيه بين مواطن وآخر، وتُبرِز الاستقرار الّذي تشهده بغداد وباقي المحافظات"، مشيرًا إلى "ضرورة إيلاء المحافظات الاهتمام، ومهيبًا ببعض وسائل الإعلام الًتي لا تنقل الصّورة الحقيقيّة للأوضاع في العراق بأن تعلن الحقيقة وتركّز على الإنجازات المحقَّقة، حيث أنّ حوادث الإرهاب باتت نادرة في البلد".

وشدّد أنّ "منطقة الشّرق الأوسط بحاجة إلى الأمن والاستقرار، ويجب حسم المشاكل العالقة عبر الحوار والتّلاقي"، منوّهًا إلى أنّ "المشاكل القائمة ليست مستعصية وبالإمكان حلّها، بتضافر الجهود والوحدة بين جميع أبناء الوطن".

أمّا مساءً فاحتفل يونان بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة مار يوسف في حيّ المنصور- بغداد، على نيّة ضحايا الزّلزال، ومن أجل العثور على المفقودين وشفاء الجرحى ومعونة المنكوبين والمتضرّرين، بمشاركة لفيف من الإكليروس وحضور عدد من الفعاليّات الرّسميّة المحلّيّة وجمع من المؤمنين.

وفي عظته بعد الإنجيل المقدّس، أعرب البطريرك يونان عن فرحه بالاحتفال بالقدّاس في هذه الرّعيّة، ولفت إلى أنّ "أصحاب السّيادة المطارنة الموجودون معنا اليوم، جاؤوا معنا كي يتطلّعوا معكم إلى المستقبل، ومع جميع الخيّرين وأصحاب الضّمير والنّزيهين، وكي يشجّعوا معنا الجميعَ على المشاركة في هذه النّهضة الإنسانيّة والأخلاقيّة والوطنيّة في العراق الّذي يبقى دائمًا غاليًا على قلبنا".

وتابع: "نستطيع القول إنّها الزّيارة العشرون الّتي نقوم بها إلى عراقنا الغالي منذ تسلُّمنا مهام الخدمة البطريركيّة في بداية عام ٢٠٠٩. وقد رافقْنا هذا الوطن في أفراحه، كما في أحزانه ومآسيه، وهذا معروف، وليس هناك من ضرورة لتعداد الأفراح والأحزان.

جئنا اليوم إليكم في رعيّة مار يوسف هذه، ومار يوسف هو شفيعنا الشّخصيّ، كي نشترك معًا في هذه الذّبيحة الإلهيّة، مهنّئين ومقدّرين جهود راعي الأبرشيّة الهمام المطران يوسف عبّا، وكاهن الرّعيّة الخوراسقف بيوس قاشا، والشّمامسة وأعضاء المجالس والنّشاطات في الرّعيّة، كي يبقوا دومًا متأصّلين بالإيمان والرّجاء والمحبّة، وكي يخدموا الجميع، يخدموا إخوة يسوع الصّغار الّذين سمعنا الرّبّ يسوع يتحدّث عنهم".

وأردف: "من هم هؤلاء الصّغار، إنّهم الشّعب الطّيّب الّذي يسعى إلى تأمين لقمة العيش لحياته، والّذين يؤمنون بالألفة والمحبّة والبساطة، ولكن وللأسف في كثير من البلدان هم المهمَّشون والمنسيّون".

وأكّد أنّ "الرّبّ يسوع يذكّرنا في الإنجيل المقدّس أنّ دينونتنا لن تكون بحسب إنجازاتنا، أكانت علميّة أو سياسيّة أو اجتماعيّة أو ثقافيّة عالميّة، ولكنّ دينونتنا ستكون حسبما نعطي للمحتاج والجائع والعريان، وحسبما نعطي الحنان للمريض، ونزور المحكوم عليهم كي نساعدهم لينخرطوا في بداية حياة جديدة".

وتابع: "جئنا إلى العراق كي نحتفل برسامة مطران جديد، هو أخونا في الأسقفيّة، مار بنديكتوس يونان، رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ونصلّي من أجله كي تكون خدمته الأسقفيّة حسب قلب الرّبّ".

وإختتم عظته سائلاً "الرّبّ يسوع الّذي هو مثالنا ومخلّصنا وفادينا، أن يبارك هذه الرّعيّة، ويبارك عائلاتكم، ويساعد المسؤولين بنِعَمِه، كي يعود العراق إلى سابق عهده، بالحرّيّة والأخوّة والسّلام الّذي يستحقّه كلّ مواطن صالح في هذا البلد".

وكان كاهن الرّعيّة الخوراسقف بيوس قاشا قد ألقى كلمة رحّب فيها بالبطريرك في بيته وبين أبنائه، مشيدًا بمحبّته الأبويّة ومتابعته الحثيثة لشؤون أبنائه قي كلّ وقت وفي كلّ مكان، ضارعًا إلى الرّبّ كي يديمه بالصّحّة والعافية، مرحّبًا أيضًا بالمطارنة والكهنة وجميع الحاضرين، وعارضًا لمحة عن الرّعيّة وأبرز الأعمال والنّشاطات والخدمات فيها.

وبعد البركة الختاميّة، انتقل يونان إلى قاعة الرّعيّة، حيث استقبل المؤمنين الّذين نالوا بركته الأبويّة، وقدّموا التّهاني للمطران الجديد يونان حنّو بمناسبة رسامته الأسقفيّة.

بعد القدّاس، زار يونان دير مار توما للرّاهبات الدّومينيكيّات في بغداد، واطّلع على أبرز النّشاطات والخدمة الّتي يقمن بها في بغداد، لاسيّما في المستشفى الّذي يدِرْنَه، وفي خدمات التّعليم المسيحيّ وسواها.

ورفع الصّلاة في كابيلا الدّير، مباركًا الرّاهبات، سائلاً الله أن يفيض عليهنّ نِعَمَه وخيراته، ويمنّ عليهنّ بدعوات مقدّسة بحسب قلبه القدّوس، ضارعًا مرّة جديدة من أجل ضحايا الزّلزال والمنكوبين والمغيثين.