العراق
18 آب 2023, 05:00

يونان احتفل بعيد انتقال السّيّدة العذراء مريم وبركتها للكروم في كاتدرائيّة سلطانة السّلام، عينكاوه – اربيل

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكيّ مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بالقدّاس الإلهيّ بمناسبة عيد انتقال السّيّدة العذراء مريم بالنّفس والجسد إلى السّماء وبركتها للكروم، على مذبح كاتدرائيّة سلطانة السّلام في عينكاوه – اربيل، العراق، عاونه مطران أبرشيّة حدياب – اربيل وسائر إقليم كوردستان مار نثنائيل نزار سمعان، رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السّينودس المقدّس مار أفرام يوسف عبّا، النّائب البطريركيّ في البصرة والخليج العربيّ مار أثناسيوس فراس دردر، القيّم البطريركيّ العامّ وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد، أمين سرّ مطرانيّة الموصل الأب روني موميكا. وحضر كاهن الرّعيّة الخوراسقف نهاد القس موسى، وخدّم القدّاس شمامسة الرّعيّة وجوقتها، بحضور ومشاركة جماهير غفيرة من المؤمنين بحسب إعلام البطريركيّة.

في عظته بعد الإنجيل المقدّس، شكر البطريرك "صاحبَ السّيادة مار نثنائيل نزار على الكلمات الأخويّة اللّطيفة التي عبّرتَ بها عن المشاعر الطّيّبة باستقبالنا في هذه الزّيارة التي نسمّيها زيارة مفاجئة، كي نحتفل معًا بأكبر أعياد أمّنا السّماويّة، عيد انتقالها إلى السّماء نفسًا وجسدًا"، معبّرًا عن عميق فرحه برؤية المؤمنين واللّقاء بهم: "لقد ملأتم قلبنا بالفرح بهذه المشاركة الكبيرة والتي تستحقّ كلّ مديح، إذ أنّكم أردتم أن تشتركوا بالقدّاس في عيد أمّكم السّماويّة بهذه الأعداد الملفتة والمعزّيّة".

ونوّه غبطته إلى أنّه "عندما زارت مريم نسيبتها أليصابات وأنشدت تعظّم نفسي الرّبّ، قالت: وها إنّ جميع الأجيال تطوّبني، والطّوبى تعني التّهنئة. وسمعنا من الإنجيل المقدّس هذه المرأة التي كانت تسمع يسوع ولم تقدر إلّا أن تصيح: طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين أرضعاك. وسمعنا أيضًا جواب يسوع المختصَر: طوبى لمن يسمعون كلمة الله ويعملون بها. نعم أحبّاءنا، تستحقّ أمّنا السّماويّة كلّ تطويب وكلّ تهنئة، ونحن أولادها نتشفّع بها، ليس فقط بالكلام، بل نطلب شفاعتها في حياتنا المسيحيّة التي علينا أن نعيشها شاهدين للرّبّ يسوع. وفي الرّسالة إلى العبرانيّين، سمعنا قول الرّسول: اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم، وتعرفون ما معنى قساوة القلب، وهي تعني أن نحرم الآخرين من محبّتنا وحناننا وتفهُّمنا لأوضاعهم وصعوباتهم، وأن نتّهمهم أو نتشكّى منهم إذا حصل إشكال بدل أن نتفهّمهم".

ولفت إلى أنّنا "قبل أسبوع رجعنا من زيارات طويلة إلى أميركا الشّماليّة، الولايات المتّحدة وكندا، زرناها من الشّرق إلى الغرب، ومن الشّمال إلى الجنوب، وكانت آخر زياراتنا أسبوعًا كاملاً في جاكسونفيل – فلوريدا، حيث احتفلنا بالقدّاس في الرّعيّتين اللّتين تتقدّمان وتزدهران، ويخدمهما كاهنان من العراق، الأب نعمةالله عجم من قره قوش، والأب فادي مطلوب من بغداد. إنّهما كنيستان تتنافسان كي يكون مؤمنوهما حقيقةً مسيحيّين صالحين في هذا المجتمع الكبير الذي يجذبنا من بعيد نوعًا ما، لكن فيه مشاكل كبيرة، لاسيّما اليوم على صعيد العائلة، وخاصّةً للأولاد، لأنّ العولمة للأسف تجعل البعض الذين لا يكونون حقيقةً مسيحيّين يفكّرون أنّ الأرض فقط هي بيتنا، وبأنّ علينا أن نفكّر فقط براحتنا ولذّتنا، دون أن يكون لدينا هذا البُعد الذي يقودنا إلى الله".

وأشار إلى أنّنا "كنّا هناك، والتقينا بكثيرٍ من أولادنا، منهم أقرباؤكم وأهلكم وأصدقاؤكم، وهنّأناهم لأنّهم وصلوا أخيرًا إلى مرحلة جمعوا فيها بعضهم في بلد نقول إنّه يحترم حرّيّات الدين والأخلاق والحرّيّات المدنيّة. وكنّا نقول لهم: نهنّئكم، والواقع أنّكم تكثُرون ونحن في الشّرق ننقُص. صحيح نريد أن يكونوا مرتاحين وسعداء في حياتهم ويستطيعوا أن يتابعوا تربية أولادهم ويصلوا إلى تحقيق أحلامهم على الأرض، لكن بالنّسبة لنا هي خسارة مهما برّرنا ما نسمّيه الهجرة. كلّ إنسان حرّ، يذهب حيث يفكّر وحيث لديه النّيّة والطّموح، لكن كما تعلمون الخسارة هي لنا".

وأعرب للمؤمنين عن "الشّكر لحضوركم اليوم هنا بهذه الأعداد الكبيرة جدًا، فأنتم مؤسَّسون على صخرة الإيمان، بينما في البلاد التي كنّا نسمّيها بلادًا مسيحيّة، للأسف هذا الإيمان نوعًا ما يخفّ، كيلا نقول يتبخّر في كثير من المدن، خاصّةً المدن الكبيرة. فنحن نودّ أن يتقدّم أولادكم دائمًا، وينجزوا دروسهم، ويحصلوا على الشّهادات العليا ويتفوّقوا، إذ منهم من يودّون أن يدخلوا في معترك المجتمع والسّياسة، وآخرون لديهم كفاءات فنّيّة وصناعيّة وتجاريّة، فليس الكلّ متشابهين".

وشدّد على أنّه "بالنّسبة لنا، نريد أن نلفت نظركم إلى شيء يعزّ علينا جدًا، وكنّا نقوله ونردّده دائمًا حيث كنّا نخدم، خاصّةً لمدّة 22 سنة في الولايات المتّحدة وكندا، حيث كنّا نقول للمؤمنين: أحبّاءنا لن نكون كلّنا علماء وأطبّاء ومهندسين وفنّانين وتجّارًا ناجحين، لكنّنا نستطيع جميعنا أن نبدع بالمحبّة، لا يستطيع أحد منّا أن يقول إنّه ليس بمقدوره أن يبدع بالمحبّة. ولربّما تقولون إنّ المحبّة كلمة على مسامع وأفواه الكثيرين، كلا، المحبّة، كما سمعنا من الرّسالة إلى العبرانيّين، يجب أن تكون بقلب لديه الحنان والرّفق، ويعرف أن يتجاوز كلّ الاختلافات في الرّأي والمواقف، وليس الخلافات التي تجعل الناس يبتعدون عن بعضهم. المحبّة مهمّة جدًا، أوّلاً المحبّة لدينا نحن الرّعاة الكنسيّين، إذ علينا أن نعرف أن نعيشها حتّى نعرف أن نعظ عن المحبّة، وثانيًا لدى الآباء والأمّهات الذين عليهم أن يعرفوا أن يعيشوها قبل أن يعظوا ويوجّهوا أولادهم وشبابهم، وثالثًا لدى كلّ مكرَّس ومكرَّسة".

وإختتم متضرّعًا "إلى الرّبّ يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء، في عيدها الكبير هذا، كي يقوّينا لنبقى الشّعب المؤمن والرّاسخ في أرضه رغم كلّ الصّعوبات وكلّ ما نعرفه من إهانات وضغوطات واضطهادات سابقة. علينا أن ندرك أنّ آباءنا وأجدادنا عاشوا الكثير من الآلام والمضايق، ونحن سنظلّ مثلهم أمناء للرّبّ يسوع ولأمّنا مريم العذراء، كي يرى الجميعُ يسوعَ فينا عندما نحبّ بعضنا البعض".