العراق
11 نيسان 2022, 07:50

يونان أحيا الشّعانين في قره قوش وتقدّم المسيرة السّنويّة التّقليديّة

تيلي لوميار/ نورسات
في كنيسة الطّاهرة الكبرى- بخديدي- قره قوش- العراق، احتفل بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، صباح الأحد بقدّاس الشّعانين، عاونه فيه السّفير البابويّ في العراق المطران ميتيا ليسكوفار، والمدبّر البطريركيّ لأبرشيّة الموصل وتوابعها ورئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السّينودس المقدّس المطران يوسف عبّا، ومطران أبرشيّة حدياب- أربيل وسائر إقليم كوردستان نثنائيل نزار سمعان، والنّائب البطريركيّ في البصرة والخليج العربيّ أثنانسيوس فراس دردر، بمشاركة لفيف من الآباء والشّمامسة، وجموع غفيرة من المؤمنين.

في بداية الاحتفال، أقام يونان رتبة تبريك الأغصان ثمّ طاف بزيّاح حبريّ داخل الكنيسة، حاملاً صليبًا مزدانًا بأغصان الزّيتون، ويسير أمامه الأساقفة والإكليروس، فضلاً عن الأطفال الّذين يحملون الشّموع المضاءة احتفالاً بعيد دخول الرّبّ يسوع إلى أورشليم.  

وفي موعظته بعد الإنجيل المقدّس، بعنوان "ما أجمل قدمَي المبشِّر بالسّلام والخير"، تأمّل يونان بعيد الشّعانين ودخول الرّبّ يسوع إلى أورشليم، فقال: "نعم، منذ بدء الخليقة ينشد الإنسان السّلام، السّلام هو نعمة إلهيّة، السّلام هو عطيّة من الرّبّ، السّلام هو الّذي يحمله ملك السّلام الرّبّ يسوع لجميع البشر، وبشكل خاصّ للّذين يؤمنون برسالته، رسالة الحبّ والرّجاء"، وأكّد أنّ شعب بخديدي يعيشون بالرّجاء والثّقة الكاملة بالرّبّ، مهما عصفت العواصف وكثرت التحدّيات، واشتدّت الاضطهادات، "فإنّ شعب بخديدي مدعوٌّ كي يبقى ثابتًا في أرضه، في هذه الأرض الطّيّبة مهما حصل".

وأضاف: "لذلك هذا اليوم هو عيد الفرح: افرحي يا أورشليم لأنّ ملككِ آتٍ إليكِ، وهو عيد السّلام لأنّ يسوع جاء بالتّواضع والوداعة والبساطة، لا لكي يتسلّط على الآخرين، لا لكي يقوم بأعمال عنف، لا لكي يفرض ذاته أنّه هو المسيح المنتظَر، لكنّه جاء متواضعًا. ركب حمارًا بسيطًا لا كما الّذين يحكمون ويخيفون العالم بجبروتهم". وأنهى ضارعاً "إلى هذا الرّبّ المتواضع، ملك السّلام، كي يملأ قلوبنا سلامًا، ويعطينا القناعة برسالتنا المسيحيّة في هذا المحيط الّذي أصبحْنا فيه مكوِّنًا صغيرًا. لا نستعمل تعبير أقلّيّة، ولكنّنا مكوِّنٌ صغيرٌ كالتّلاميذ، نشهد لمحبّة الله مِن حولنا. أوشعنا مباركة للجميع."

وفي نهاية القدّاس، منح البطريرك يونان البركة بالصّليب.

ثمّ ترأّس احتفالات التّطواف والمسيرة السّنويّة والتّقليديّة والتّاريخيّة في شوارع بخديدي- قره قوش- العراق، بمشاركة المطران ميتيا ليسكوفار ولفيف من المطارنة والآباء والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات، والمسؤولين المدنيّين والعسكريّين، والمنظّمات الكنسيّة من أخويّات ومؤسّسات، إضافة إلى مشاركة أكثر من عشرين ألف مؤمن ومؤمنة من أبناء البلدة.

وفي التّفاصيل، بدأت المسيرة من أمام كنيسة الطّاهرة الكبرى ومقرّ المطرانيّة نحو كنيسة مار يوحنّا المعمدان حيث ألقى البطريرك يونان كلمة قال فيها: "أيّها الأحبّاء، لا أستطيع أن أعبّر عن فرحتي بالكلمات، فنحن البشر نبقى دومًا مقصّرين عن أداء الشّكر الحقيقيّ للّذين يستحقّون الشّكر، للمدح وللتّعبير عن فخرنا ببخديدي وأبنائها وبناتها، الّذين كما كنتُ أردّد سابقًا: بخديدي هي لؤلؤة كنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة في العالم. ولا أبالغ إن قلتُ اليوم إنّها النّبض لقلب هذه الكنيسة، ليس فقط في بخديدي، بل في العراق والعالم.

نعم، هذه المشاركة الشّعبية الرّائعة تعبّر عن انتماء أولادنا في بخديدي لكنيستهم السّريانيّة العريقة الّتي اجتازت على ممرّ تاريخها الطّويل الكثير من المحن والاضطهادات، وليس أقلّها ما حدث لنا قبل سنوات من تهجير وتهجّر في بلاد العالم.

اليوم عيد الشّعانين، عيد الفرح، كلّنا نفرح بيسوع الّذي أتى ليملك على قلوب البشر بالسّلام والمحبّة.

كلّنا نفرح مع أولئك الأطفال والتّلاميذ والجموع البسيطة الوديعة الّتي استقبلت يسوع في دخوله إلى أورشليم.

نعم يسوع كان عارفًا بما سيحلّ به وهو الّذي تنبّأ عن آلامه وموته وقيامته، ولكنّ الشّعب كان يرى فيه ذاك المخلّص، رغم كلّ مظاهر الضّعف التي كانت في يسوع والتّلاميذ البسطاء.

اليوم عيد الشّعانين، إنّه عيد الرّجاء، نحتاج جميعنا إلى الرّجاء، ونبثّه في قلوبنا وقلوب أولادنا الصّغار وشباننا وشابّاتنا وعائلاتنا الشّابّة، أكانت الموجودة هنا في بخديدي، في سهل نينوى، في شمال العراق، في العراق كلّه، أو كانت مضطرَّة للتّغرّب، ولكنّ حنينها يبقى دائمًا قويًّا، لأنّ هذه الأرض الطّيّبة لن ينساها أولادها أبدًا.

اليوم عيد السّلام، كم نحتاج إلى السّلام، في العائلات، في الكنيسة، في الرّعايا، نحتاج إلى كهنة يعرفون أنّهم دعوا إلى الخدمة المتواضعة والوديعة على مثال الرّبّ يسوع الّذي قال: تعلّموا منّي فإنّني وديع ومتواضع القلب.

نحتاج إلى المؤمنين والمؤمنات الّذين يستعدّون للمشاركة في تدبير شؤون هذه الأبرشيّة الغالية علينا، ونشكر هنا سيادة المطران المدبّر البطريركيّ يوسف عبّا، على تعيينه وتسميته لأعضاء المجلس الأبرشيّ الاستشاريّ.

نحتاج إلى رهبان وراهبات يعلّموننا معنى التّكرّس للرّبّ يسوع وخدمة كلّ من يحتاج إليهم، إن كان في التّربية أو في الأمور الاجتماعيّة، أو في الرّوحانيّات في كنيستنا، وما أكثر وما أجمل العمل الرّهبانيّ في أبرشيّتنا وفي بخديدي.

نحن رسل الفرح والرّجاء والسّلام.  

أشكر جميع الّذين ساهموا في هذا العرس البخديديّ، من كهنة وشمامسة ورهبان وراهبات ومؤمنين ومؤمنات من جميع الرّعايا، أعضاء الجوق، الأخويّات، المدارس، الحركات الرّسوليّة، والمسؤولين المدنيّين والأمنيّين والعسكرييّن، أشكرهم وهم يعرفون كم أنّ بخديدي عزيزة عليهم، ولم يدَعوا هذا اليوم المبارك ينتهي من دون أن يشتهروا في العراق أجمع بمحبّتهم للرّبّ ولكنيستهم.

أتمنّى وأدعو لكم بأعياد مباركة تقضونها بالفرح والرّجاء والسّلام. أوشعنو بريخو المجد للآب والإبن والرّوح القدس الإله الواحد آمين".

وكان المدبّر البطريركيّ لأبرشيّة الموصل وتوابعها ورئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السّينودس المقدّس المطران أفرام يوسف عبّا قد ألقى كلمة أعرب فيها عمّا يختزن قلبه من مشاعر في هذا العرس الرّوحيّ، مثمّنًا حضور البطريرك ومشاركته وترؤّسه هذا العرس، "فهو الأب والرّأس والرّاعي، وواهب البركات والعطايا الغزيرة، والمُدافع الصّلب عن كنيسته وحقوق شعبه المشروعة بالعيش الكريم بكلّ ما أُوتِيَ به من جرأةٍ وقوّةٍ قلَّ نظيرهما في دنيا النّفاق هذه".

كما ألقى ليسكوفار كلمة بالإيطاليّة، قام بنقلها إلى العربيّة المطران نزار سمعان، وفيها أعرب عن شعوره بالكثير من الفرح والرّجاء المتأتّيين من القلوب المملوءة من الرّبّ يسوع المخلّص، واعدًا بنقل هذه الصّورة والمشاهد الرّائعة الّتي عاينها في قره قوش إلى البابا فرنسيس، ناقلاً إليهم أيضًا بركته الرّسولية إلى الجميع، منهيًا كلمته بعبارة "الرّبّ معكم".  

ثمّ واصلت المسيرة تقدّمها إلى أمام دار المطرانيّة، حيث منح البطريرك يونان البركة الختاميّة بالصّليب الكبير المُزدان بأغصان الزّيتون، بعد أن أدّى الأساقفة والكهنة والشّمامسة تشمشت (خدمة) والدة الله مريم العذراء.

وكان البطريرك يونان قد وصل بعد ظهر الجمعة إلى مطار أربيل الدّوليّ، في زيارة رسوليّة إلى أبرشيّتي الموصل وتوابعها وحدياب- أربيل، استهلّها بافتتاح المقرّ الرّسميّ الجديدة لمطرانيّة الموصل وتوابعها في بخديدي- قره قوش، ثمّ ترأّس مساءً رتبة درب الصّليب في كنيسة مار يوحنّا المعمدان- بخديدي، متوّجًا يومه بتدشين حضانة العائلة المقدّسة للرّاهبات الأفراميّات.

أمّا السّبت فاحتفل بالقدّاس الإلهيّ في سبت إقامة لعازر، على مذبح كنيسة البشارة- الموصل، ليستقبل بعده المسؤولين الأمنيّين والعسكريّين في الموصل في صالون الكنيسة.

ثمّ تفقّد أعمال التّرميم في كاتدرائيّة الطّاهرة الكبرى وفي كنيسة مار توما- الموصل، وافتتح ودشّن ظهرًا جناحًا جديدًا في دير مار بهنام الشّهيد التّاريخي في ناحية نمرود- سهل نينوى، والّذي سيخصّص لسكن الرّهبان.

أمّا مساءً، فأقام البطريرك يونان صلاة الرّمشو لأحد الشّعانين، في كنيسة مار أفرام السّريانيّ- بخديدي، ومنح الأب جورج جحّولا إنعام لبس الصّليب والخاتم، وأعلن ترقيته إلى الدّرجة الخوراسقفيّة.

بعدها ترأّس في مبنى كلّيّة مار أفرام اجتماع المجلس الاستشاريّ لأبرشيّة الموصل وتوابعها، ثمّ المباراة النّهائيّة لبطولة عشائر بخديدي (قره قوش) في كرة القدم، وقد جمعت هذه المباراة بين عشيرتي آل ششّا وآل تمس، على أرض ملعب نادي قره قوش الرّياضيّ. كما زار دير إخوة يسوع الفادي ورفع الصّلاة في كنيسته على نيّة الأبرشيّة وخدّامها والعاملين في حقلها.