يوحنّا العاشر يمنح رئيس اليونان وسام القدّيسين بطرس وبولس بأعلى رتبة
"منذ قديم العصور عانق أجدادنا أرض اليونان وحملوا إليها في سفنهم ورق الكتابة وحرف الأبجديّة. وقد استمرّ التّبادل الحضاريّ بين أوطاننا مع مجيء الإسكندر الكبير إلى نواحينا ونقله إليها ذخيرةً لا تثمّن صبغت ثقافة المنطقة والمدن السّاحليّة على شواطئ المتوسّط، وهي اللّغة اليونانيّة وما تكتنزه من نفائسِ حكمة الفلاسفة وخَطابتهم ومَنطِقهم وفكرهم الاجتماعيّ والسّياسيّ والإنسانيّ الشّامل. هكذا اغتنت الحواضر العريقة في بلادنا بعلوم أثينا وهندستها وأخلاقيّاتها ورقيّها، وباتت مدنًا كبرى (Μητροπόλεις) تشهد للميراث الثقّافيّ والحضاريّ الهلينستيّين.
فكانت أنطاكية مدينة الله العظمى بوّابة البشارة إلى العالم.
وقد مرّت منطقتنا بحروب كثيرة وأزمنة صعبة تحدّت وجود الكنيسة وشهادتها في الشّرق المسيحيّ. لكن نور الإنجيل ما زال يضيء ههنا، ويشهد للعالم أنّ شعلة الإيمان الحقيقيّ لا تنطفئ بل تزداد تألّقًا حين تدخل الكنيسة في أتون التّجارب.
وكان لإخواننا في بلاد اليونان إسهام حقيقيّ في الحفاظ على ألق الكنيسة الأرثوذكسيّة في العالم وأصالة شهادتها ورسالتها للعالم.
الغنى اللّاهوتيّ والرّوحيّ لكنيسة اليونان يجعل منها بحقّ قلب الأرثوذكسيّة النّابض. إذ قد عرف أجدادكم كيف يقاومون كلّ من حاول العبث بقيمهم الشّريفة أو المساس بمكانة الكنيسة في حياتهم ومجتمعهم. وهذا ما جعل لدولة اليونان مكانة فريدة في عالمنا المعاصر.
نحن مقتنعون بأنّ دولة اليونان والكنيسة اليونانيّة المباركة يمكنهما أن تلعبا الدّور الرّياديّ في لمّ الشّمل ورصف صفوف العائلة الأرثوذكسيّة عبر العالم.
لطالما اشتركت بلادنا في احتمال الألم والنّضال من أجل الحرّيّة والكرامة. أنتم تعرفون جيّدًا أنّ للاستقلال ثمنًا باهظًا من التّضحيات لا بدّ من دفعه. هذا ما خبره شعبكم ودولتكم الكريمة في اليونان، وهذا ما اختبره شعبنا، عبر تاريخ منطقتنا الصّعب. ونحن ما زلنا منذ ستة أعوام ننتظر برجاء عودة مطراني حلب بولس ويوحنّا مع سائر المخطوفين والمفقودين. وعلى الرّغم من صعوبة الرِّعاية وعملِ الكنيسة في هكذا ظروف، نؤكّد لكم أنّنا باقون كمسيحيّين في الشّرق الأوسط وأنّ وجه المسيح لن يغيب عن مهد المسيحيّة في بلادنا.
فخامة الرئيس،
إنّ حضوركم اليوم في رحاب كنيستنا وفي لبنان، في بلد العيش الواحد، لهو خير تعبير عن التّضامن الأخويّ. له رمزيته وله وقعه وتأثيره في عملنا وفي رسالتنا في هذه المنطقة. هذه التّلّة المباركة المنحنية تحت أجراس دير السّيّدة في البلمند لطالما كانت مركز إشعاع علميّ ولاهوتيّ في كلّ أرجاء الكرسيّ الأنطاكيّ في العالم. قدّمت للكنيسة لاهوتيّين ورعاةٍ حفظوا وديعة الإيمان ونقلوه إلى الأجيال اللّاحقة. وكان لدولة اليونان وكنيستها وجامعاتها وكبار لاهوتيّيها وأساتذتها إسهامات في تعليم معهدنا اللّاهوتيّ والتّعاون التّاريخيّ المثمر ما بين مؤسّساتنا التّربويّة والتّعليميّة. لذا يفرح دير سيّدة البلمند، وكنيسة أنطاكية كلّها، بكم وبالإخوة الكرام المرافقين لكم.
إنّنا نصلي لكي يحفظ الله بلاد اليونان قلبًا نابضًا بالمسيحيّة ونورًا مضيئًا للأمم من جيل إلى جيل.
أهلاً وسهلاً بكم في بيتكم.
هذا ويشرّفني أن أقدّم لكم باسم كنيستنا الأنطاكيّة وسام القدّيسين بطرس وبولس بأعلى رتبةٍ عربون شكر وتكريم وتقدير على عطاءاتكم وإسهامات بلادكم لما فيه خير كنيستنا وشعوبنا".