يوحنّا العاشر من كنيسة الحارث بن كعب: نحن على هذه الأرض المشرقيّة ركّاب قارب واحد مع أخوتنا المسلمين
إستهلّ اليوم الأوّل بإقامة صلاة الشّكر في كنيسة القدّيس الحارث بن كعب النّجرانيّ- مسقط بمشاركة عدد من المطارنة آباء المجمع الأنطاكيّ المقدّس، ولفيف من الآباء الكهنة والشّمامسة بحضور ممثّل وزير الأوقاف الأستاذ أحمد البحري مدير دائرة الرّعاية الدّينيّة، والسّفراء في السّلطنة: إدريس ميا (سوريا)، ألبير سماحة (لبنان)، آيليا مورغونوف (روسيا)، الدّكتور تيسير علي فرحات (فلسطين)، أمجد القهيوي (الأردنّ)، أندرياس نيكولايدس (قبرص)، الياس نيكولاكوبولس (اليونان)، وممثّل عن منظّمة الصّحّة العالميّة الأستاذ جان جبّور، ورعاة الكنائس في مسقط، وعدد كبير من أبناء أبرشيّات الكرسيّ الأنطاكيّ وفدوا من مسقط، العراق، الكويت، لبنان، سوريا ومدعوّين.
بعد صلاة الشّكر، ألقت لارا عيسى كلمة ترحيبيّة بالبطريرك يوحنّا والوفود المشاركة لخّصتها بعبارة: "إنّ هذه الصّلاة هي بمثابة لقاء على محبّة الله".
من ثمّ، ألقى راعي أبرشيّة بغداد والكويت وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت غطّاس هزيم كلمة، وممّا جاء فيها: "هذا هو اليوم الّذي صنعه الرّبّ، فهو من بارك هذا البيت، هذه هي القيامة في الرّجاء وتحقيق الحلم، نعم هذا الفرح لما كان يكمل دون حضوركم وبركتكم يا صاحب الغبطة وحضور المؤمنين، هذا البيت لم يبن ليوحّد الله إنّما ليمتدّ إلى البناء الحقيقيّ الّذي يتجلّى بقلوب الرّعيّة".
أضاف: "نعم يا صاحب الغبطة أنتم في سلطنة عمان، بلد المحبّة، السّلام والأخوّة الإنسانيّة، فالنّاس كلّهم عيال الله، هذه هي القواعد الّتي أرساها جلالة السّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور رحمة الله عليه والّذي أكرمنا بتخصيص قطعة أرض لبناء هذه الكنيسة، وقد عزّز وتابع هذه القواعد صاحب الجلالة هيثم بن طارق المعظّم حتّى باتت هذه الكنيسة عابرة للطّوائف كما أنّ وحدة الأبرشيّة قد تجلّت فيها".
وإختتم قائلاً: "أتوجّه بالشّكر لكلّ من تعب وساهم في إنجاز هذه الكنيسة بدءًا من قدس الأرشمندريت ديمتري منصور مرورًا بالمهندس اللّبنانيّ المقاول سيمون كرم وصولاً إلى كلّ الغيورين والمتبرّعين حيث أثمرت جهودهم كنيسة تفرح اليوم بعرس سماويّ."
بعدئذ، كانت كلمة لممثل وزارة الأوقاف الأستاذ أحمد البحري عبّر فيها عن اعتزاز السّلطنة وفرحها بهذا الحدث الّذي يقام تحت رعاية البطريرك يوحنّا العاشر، شاكرًا القائمين على الكنيسة وجهودهم المبذولة في سبيل إنجازها لتكون كنيسة رافدة للمحبّة والسّلام بين الجميع.
بدوره، ردّ البطريرك يوحنّا بكلمة جوابيّة شاكرًا وقائلاً: "فرحي اليوم كبير لوجودي بينكم. وشكري لله العليّ القدير عبر صلاة الشّكر الّتي نقيمها الآن لوجودي في هذا البلد الطّيّب عُمان بين أهلنا وأحبّتنا. أصافحكم جميعًا من القلب إلى القلب وأحيّي فيكم أصالة الإيمان الّذي تحملون أينما وجدتم. أحيّيكم بالمسيح النّاهض من بين الأموات. أحيّيكم بفرح حاملات الطّيب وبإنجيل المحبّة الّذي خطّه الرّسل سلامًا للمسكونة. أحيّيكم من ههنا من الخليج العربيّ جناح كنيسة أنطاكية وامتدادِها الطّبيعيّ. أحيّي فيكم بذرة الإيمان الّتي وضعها الآباء في قلوبكم وتضعونها أنتم في قلوب أبنائكم شهادةً لربّ القيامة. أحيّي فيكم أصالة الإيمان والغيرة الرّسوليّة الّتي تشربتموها، ومنذ فجر المسيحيّة، في أرض هذا المشرق بكلّ أوطانه. نحن على هذه الأرض المشرقيّة ركّاب قاربٍ واحد مع إخوتنا المسلمين، نتنسّم وإيّاهم مرضاة الرّبّ العليّ القدير.
جمعتنا عُمان هذه الأرض الطّيّبة في كنيسة القدّيس الحارث زعيم نجران ابن هذه الدّيار، الغيور الّذي ختم حياته بشهادةٍ ليسوع المسيح ربًّا وإلهًا ومخلّصًا مؤكّدًا وجود المسيحيّة منذ الأيّام الأولى في القبائل العربيّة وليس فقط وراء الأسوار. تجمعنا اليوم ذكرى هذا القدّيس الشّهيد الّذي أكّد ويؤكّد أنّ المسيحيّة لم تكن في يومٍ من الأيّام غريبةً عن شبه الجزيرة العربيّة ولم تكن ولن تكون تبعًا لمخلّفاتِ حملاتٍ سمّيت باطلاً صليبيّةً، كانت هي (أيّ المسيحيّة) في مشرقيّتها أوّل من تلقّى ارتداداتها السّلبيّة. تجمعنا ذكرى هذا القدّيس الّذي استشهد مع قومه فكان حارثًا وحرّاثًا للإيمان المسيحيّ. زرعه في نفوس قومه وصحبه الّذين نال وإيّاهم شرف الشّهادة. جمعتنا جهودٌ أثمرت اليوم بيتًا لنا وبيتًا مقدّسًا لله في رحاب هذه الكنيسة المقدّسة والكنيسةٌ بشرٌ قبل أن تكون حجرًا.
طوبى للذين يحبّون جمال بيتك يا ربّ. هذا ما يقوله الكتاب المقدّس. والبيت الأوّل للرّبّ هو النّفس، نفوسكم أحبّتي والّتي ينعكس جمالها بين حنايا البيت الّذي أردتموه ههنا، وهو هذه الكنيسة المقدّسة. ينعكس جلالها وجمالها في قلبِ كلٍّ منكم، في قلب الرّاعي والرّعيّة.
يشمل طقس تكريس الكنيسة دهنها كأيّ منّا وقت المعموديّة بالميرون المقدّس ختمًا للرّوح القدس. وفي هذا دلالةٌ كبيرةٌ وهي؛ أنَّ كلّاً منّا مدعوٌ أن يجعل من قلبه وكيانه هيكلاً للرّبّ القدّوس وأنّ الكنيسة المكرّسة المقدّسة حديثًا مدعوّةٌ كجماعةٍ مؤمنة أن تسير بعد معموديّتها بهدي الرّوح الإلهيّ. يشمل طقسها أيضًا غرس رفات القدّيسين الشّهداء دلالةً أنّ مسيرتها كجماعةٍ مؤمنةٍ مسيرةُ شهادةٍ للرّبّ على مثال قدّيسيه الشّهداء وسط عباب هذا العالم. يشمل طقسها إنارة قنديل الزّيت دلالةً على أنّنا أبناء النّور وأبناء نصاعة القيامة الّتي نحيا دومًا.
نقول هذا وترتسم أمامنا صورة كلّ من سعى ومنذ التّسعينات لكي تكون هذه الكنيسة. مشوارٌ طويل تحقّق في السّنوات الثّلاث الأخيرة. نذكر ههنا المثلّث الرّحمة المطران قسطنطين باباستفانو الّذي سَعى دومًا وعمل على لمّ شمل أبنائنا ههنا. نذكر جهودكم صاحب السّيادة المطران غطّاس هزيم الرّاعي الصّالح الّذي يبذل كلّ جهده لرعاية أبنائنا. نذكر قدس الأرشمندريت ديمتري منصور وكلّ الّذين سبقوا فخدموا هذه الرّعية المباركة ابتداء بالأب الحارث ابراهيم مرورًاً بالأب المرحوم ميشيل عجرم، مع كلّ الأبناء الغيورين فردًا فردًا ممّن أسهموا في بناء هذه الكنيسة المقدّسة. بارك الله بكم جميعًا وكافأكم وأجزل عليكم من معين عطاياه.
ثبّتها يا ربّ إلى دهر الدّاهرين لترفع على الدّوام التّسبيح السّماويّ واحرسها بعينك النّاظرة كلّ شيء، وباركنا جميعًا أنت المبارك إلى الأبد، آمين.
المسيح قام، حقًّا قام."
في ختام كلمته، قدّم البطريرك يوحنّا العاشر للمطران غطّاس هزيم بدلة كهنوتيّة، كما قدّم للكنيسة بيت القربان المقدّس ليوضع على المائدة المقدّسة. وقلّد الأرشمندريت ديمتري منصور صليبًا مقدّسًا تقديرًا لعطاءاته.
بدوره، قدّم الأرشمندريت ديمتري منصور للبطريرك بإسم أبناء الرّعيّة عصا رعائيّة.
في السّياق نفسه، قلّد يوحنّا العاشر السّيّدة آيفلين كرم نيابة عن والدها المهندس سيمون كرم وسام القدّيسين بطرس وبولس.
كما قدّم للمتبرّعين دروعًا تقديريّة تحمل أيقونة القدّيس الحارث بن كعب النّجرانيّ.
هذا وقد جرى عرض فيلم وثائقيّ يخطّ مراحل تأسيس الكنيسة حتّى تحقيق الحلم الّذي جمع الشّعب المؤمن بنعمة الرّبّ في بيت الله.