سوريا
04 أيار 2022, 05:55

يوحنّا العاشر من حماة: وجه المسيح لن يغيب عن شرقه الّذي تجّسد فيه

تيلي لوميار/ نورسات
بدعوة من راعي أبرشيّة حماة وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران نيقولاوس بعلبكي، ووسط استقبال شعبيّ ورسميّ في ساحة البلدة وعلى وقع عزف الكشّافة والصّلوات، وصل بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر إلى مدينة حماة، وقرعت للمناسبة أجراس كاتدرائيّة مار جاورجيوس فرحًا وابتهاجًا.

بعدها ترأّس صلاة الشّكر بمشاركة المطارنة آباء المجمع المقدّس: نيقولاوس (حماة وتوابعها)، جاورجيوس أبو زخم (حمص وتوابعها)، غطّاس هزيم (بغداد والكويت وتوابعهما)، أنطونيوس الصّوريّ (زحلة وبعلبك وتوابعهما)، أثناسيوس فهد (اللّاذقيّة وتوابعها)، أفرام معلولي (حلب وتوابعها)، والأساقفة موسى الخوري، ديمتري شربك، أرسانيوس دحدل، موسى الخصي ولفيف من الآباء الكهنة والشّمامسة والرّهبان، وذلك بحضور فعاليّات المدينة وأهلها.

بعد صلاة الشّكر ألقى المطران نيقولاوس كلمة رحّب بالبطريرك والوفد المرافق قائلاً بحسب إعلام البطريركيّة: "أهلاً بكم في حماة بلد الإنسان، العالم المجتهد الّذي تحدّى الطّبيعة وترك فيها آثارًا وبصمات، أهلاً بكم في حماة وهي تفرح بوجودكم، فكنيستنا حيّة متلألئة بالقداسة، خرّجت بطاركة وتزيّنت بمطارنة جهدوا وعملوا في الحقل الإنسانيّ الاجتماعيّ والوطنيّ.  

إنّ زيارتكم تأتي بعد معاناة وآلام، ووباء جعل العالم يعيش بعزلة كبيرة، كلّ ذلك يؤكّد أنّ الإيمان أقوى من الصّعوبات وأنّنا كنّا وسنبقى واقفين مع أبناء هذا الوطن الغالي في صفّ واحد نحمل رسالة سلام محبّة وإخاء"، وقد قدّم للبطريرك يوحنّا العاشر عصا رعائيّة بإسم رعيّة مدينة حماة.  

من جهته، ألقى البطريرك يوحنّا كلمة قال فيها:

"صاحب السّيادة،

إخوتي وأحبّتي،

المسيح قام، حقًّا قام.

من آذار العام 2015 إلى أيّار العام 2022، كرّت الأيّام من زيارةٍ أولى إلى زيارةٍ ثانية.

من ياسمين دمشق أطيب سلام إلى نواعير حماه. ومن المريميّة جارة الأمويّ أحلى سلامٍ بالمسيح القائم إلى جارة العاصي وإلى أوابدها الخالدة ومنها قلوبُ أبنائها المضمخة بعشق هذا التّراب. نحن هنا كمسيحيّين جزءٌ من كينونة هذا الشّرق.

نحن من رحم هذه الأرض الأولى وإلى رحمها سنعود. نحن ياسمينها وعطرها. نحن شربينها وغارها. نحن أرزها وصوّانها. نقول كلّ هذا في موسم القيامة البهج مستذكرين تلك الجماعة المسيحيّة الأولى الّتي انطلقت من ههنا من أرض المشرق من كنيسة أنطاكية وزرعت المسيح في روما وفي غيرها من عواصم الدّنيا.

وإذ نقول هذا كلّه، نؤكّد من جديد أنّنا مؤتمنون على اسم المسيح في هذه الأرض. هذا ليس شعرًا ولا معسول كلام؛ لقد حمل أجدادنا صليب المسيحيّة المشرقيّة على مرّ ألفي عام ونحمل الآن وسنحمل ما استطعنا رغم كلّ هجرة وتهجير ورغم كلّ وعورةٍ صليبَ ذاك الرّبّ في هذه الأرض الّتي شتلتنا يمينُه فيها وأرادتنا توأمًا لترابها ولنور شمس صباحها. ونحن على أتمّ الثّقة وعلى أعظم يقين أنّ وجه المسيح لن يغيب عن شرقه الّذي تجسّد فيه.

عيّدنا منذ يومين لأحد توما، ذاك الرّسول الّذي عبّر عن شكه أوّلاً وختم الشّكّ ولحمه بتلمّسه جنب المسيح المكلوم. وحالة توما شبيهةٌ بحالة البشر أجمعين ومنهم نحن أيضًا. كثيرًا ما نسأل ونتساءل أين الله من كلّ ما يجري في حياتنا؟ لكن الجواب يأتينا انفراجًا لضيق يعجنه لسان توما قائلاً؛ ربّي وإلهي. فأجاب توما: ربّي وإلهي. كلمتان تختصران كلّ شيء.  

كلمتان تختصران يقين كلّ نفسٍ بربّها وإلهها وسط كلّ ضيق ووسط كلّ فرج. أتيتُ في آذار الـ2015 لنقول إنّنا توأم هذه الأرض. يومها كانت أفواهكم ترتّل "افرحي يا بيت عنيا" وكانت القذائف تنهمر. واليوم نوافيكم وأنتم ترتّلون المسيح قام والقلوب تصفّق. لم تزُلْ بالتّأكيد كلّ الصّعوبات. لكن من أزاح حجر القبر قبل ألفي عام لا شكّ سيزيح عنّا وعنكم أحجارًا وأحجارًا.

لقد اخترت أن آتيكم في موسم القيامة البهج. فنحن أبناء القيامة. نحن قائمون مع المسيح دومًا وأبدًا. نحن قائمون مع ربّ القيامة ومع إله كلّ تعزية.

أذكر ههنا هذه الأبرشيّة العريقة بتاريخها المشرق في القرن العشرين وبرعاتها الخيّرين من غريغوريوس جبارة إلى إغناطيوس حريكة مرورًا بأثناسيوس سكاف وإيليّا صليبا إليكم يا صاحب السّيادة المطران نقولا بعلبكي. ألا قوّاكم الله في رعاية هذه الأبرشيّة المباركة وزادكم من حكمته لكي تقودوا أبناءها وتوردوهم منابع الخلاص.

صلاتنا من ههنا من أجل سوريا الواحدة الموحّدة الّتي تنفض عن كاهلها، بإذنه تعالى، غبار الأزمة وآثار الدّمار والإرهاب والهجرة والتّهجير. صلاتنا من أجل كلّ المخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي. يبقى ملفّهما صورةً مختزلة عن استرخاص الكرامة الإنسانيّة عمومًا والمشرقيّة المسيحيّة خصوصًا في سوق المصالح. كما ويوضح زيف المقولة الخارجيّة الّتي تقول بحماية المسيحيّين وكأن المسيحيّين ركّاب قاربٍ منفصل في وطنٍ اعتاد أن يضمّ الجميع.

وفي غمرة عيد الفطر، نتوجّه بالمعايدة إلى إخوتنا المسلمين الّذين نتقاسم وإيّاهم السّرّاء والضّرّاء على هذه الأرض. أعادها الله على الجميع بالخير واليمن والبركات وأجزل علينا جميعًا من معين عطاياه ومن فيض خيريّته.  

أحيّيكم من القلب يا أبناء هذه الأبرشيّة مدينةً وقرى. أحيّيكم فردًا فردًا وعائلةً عائلة. أحيّيكم شيبًا وشبابًا. وأحيّي فيكم تلك الأصالة الإيمانيّة الّتي تُرضع يسوعَ المسيح مع حليب الأمّهات. أحيّي فيكم عبق المسيحيّة الأصيلة الّتي تعجن مع خبزها قربان التّسبيح للرّبّ وتعصر من حياتها خمر الشّكر له. أحيّي أجراسكم الّتي تعزف مع النّواعير لحن انغراسها في هذه الأرض ديمومةً لوجودٍ مسيحيّ سيبقى ما دام في عروقنا دمٌ يجري.

ومن جديد أختم مستلهمًا كلمات الذّهبيّ الفمّ،

قام المسيح، والملائكة فرحوا.

قام المسيح، والنّفوس تهلّلت.

قام المسيح، وأجراسنا زغردت.

قام المسيح، حقًّا قام."

بعدئذٍ، قدّم البطريرك يوحنّا العاشر بدلة خدمة كهنوتيّة للمطران نيقولاوس عربون محبّة وتقدير.

من ثمّ، صافح المؤمنين الّذين توافدوا للقائه في صالة الكنيسة.

هذا وقد أقيمت استقبالات شعبيّة عند مفرق تومين "الرستن" وساحة حديقة المغيلة.

وإختتم اليوم الأوّل من الزّيارة الرّعائيّة بأمسية روحيّة أحياها كورال الأمل في كاتدرائيّة القديس جاورجيوس، تخلّلتها كلمات ترحيبيّة وترانيم كنسيّة ووطنيّة أضفت أجواء من الأمل.

في ختام الأمسية، قدّمت عائلة آميل شهدا للبطريرك عصا رعائيّة عربون محبّة واحترام. وبدوره، شكر أعضاء الكورال وأثنى على أدائهم المتميّز وقال: "اليوم قد رفعنا نور الهدى إلى الهدايا بكورال الأمل، الكورال الرّاكز والثّابت على الأمل بامتياز، هذا ما يعزّينا ويفرّحنا. إنّ الكاتدرائيّة وكلّ ما حولها يدلّ على ثباتنا وتجذّرنا في هذه الأرض وتمسّكنا بقيمنا وأخلاقنا".

وأنهى قائلاً: "نحن أهل الصّمود والشّدّة في هذه البلاد، نحن أبناء الحياة لا نخاف من شيء مهما كانت الظّروف المعاشيّة قاسية".